مقدمة
أهمية الموضوع وسبب اختياره
المرأة هـي الشطر الثاني في المجتمع كما يقولون، ولأمر يعلمه الله كانت الوصية بها خيرا، أما وأختا وبنتا وزوجا.. وبلغ الأمر مداه عندما أكد الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك مثنى وثلاث. لأجل ذلك وجب الاعتناء بها، بل وجب ذلك عليها في حق نفسها. والمرأة في المجتمع الإسلامي الأول، وفقت تمام التوفيق لمعرفة رسالة ربها ودورها في الحياة، وستبقى النمـوذج الذي لا يمكن منافسته بنية التفوق عليه، مهما بلغت الحياة أي تطور ينشده بنو الإنسان.
والمرأة في أيامنا، في أمس الحاجة إلى معرفة هـذا النموذج، لتدرك متطلبات دينها ومجتمعها، ولا تلجأ إلى ثقافات تبعدها عن الفطرة وتفصل لها دورا على مقاييس أهواء البشر لتضلها وتضل بها.
من هـنا جاءت أهمية الموضوع، والحديث عن المرأة راوية ومحدثة وناقلة لنور مشكاة الوحي الإلهي، جنبا إلى جنب [ ص: 27 ] مع أخيها الرجل برابط الولاية الإيمانية، مصدر كل خير، ونافثة كل شر نفث الكير للحديد،
قال الله تعالى: ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمـرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) (التوبة:71) .
ما أعظم القرآن، وما أعظم آياته، لخصت في آية واحدة المعالم الكبرى للشخصية الإسلامية، وذلك بتحديد واجباتها العملية مرة وإطلاقـها مرة أخرى، يشـترك فيها الرجـل والمـرأة سـواء بسـواء، لا مزية لأحد على الآخر.. والطاعة لله سبحانه تشمل كل شيء هـو خير سبقته نية حسنة أكيدة.. ونقل الشطر الثاني من الوحي الإلهي -وأعني به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم - يأتي في أعلى الطاعات وأسماها.
ولأن الكتابة في هـذا الجانب قليلة جدا، بدا للناس وكأن المرأة في فجر الإسلام وصدره لم تدل بدلوها رواية وتحديثا وفحصا لطرق الحديث ورجاله، ومراجعة ونقدا، ولأجل ذلك كان هـذا أحد الأسباب التي دفعتني لأكتب في هـذا الموضوع [ ص: 28 ] بغية المساهمة -ولو بقدر يسير- في نفض الغبار عن جهد منسي، وتجلية لحقائق باهرة سجلها التاريخ.
ولا عجب أن تكـون المـرأة سباقـة إلى الاطلاع على أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله وسننه في أيامه، فهي الزوجة الملازمة له أكثر الأوقات.. ولم تنس السيرة أن تسجل لنا اللحظات الأولى من تلقي الوحي، وكيف اهتز له بيت النبوة وحفل به أيما احتفال، فكانت المؤمنة الأولى، والمستمعة والتالية الأولى لوحي السماء، الباذلة الأولى في سبيل الدعوة الإسلامية من نفسها ومالها، الزوجة المصدقة خديجة رضي الله عنها . وكان بيتها أول مكان تلي فيه الوحي بعد غار حراء ، وأول بيت تعهده بالنصرة، ولم يتقاعس فيه فرد من أفراده، كبارا أو صغارا عن مساندة الدعوة، وهو أول مكان أقيمت فيه الصلاة.
وبعد خديجة يتتالى الوحي في حجرات أمهات المؤمنين، وكان للسيدة عائشة رضي الله عنها القدح المعلى في شرف الاهتمام بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحت مفتية ومعلمة [ ص: 29 ] وموجهة لأبواب الخير، يعترف لها بالرسوخ في العلم كل من رسخ في العلم من الصحابة من الرجال، فتركت مدرسة متميزة برز فيها كثير من النساء من جيل التابعين.
ونفس المكرمـة فـازت بها باقي أمهات المؤمنين، فنقلت إحداهن ما لم ينته إلى سمع الأخرى أو بصرها، فكان التكامل وكان الانسجام، وكانت النتيجة السنية المتمثلة في معرفة سنة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة وتفصيلا.
وإذا كان من منقبة هـي للرجال دون النساء، فإنما بسبب الرحلة في طلب الحديث وتدوينه، وهو جهد عليه الرجال أقـدر، ومـع ذلك فالمـرأة كانت دائـمـا زوجة محدث أو بنتا له أو أختا، بل لقد حرصت على ألا ينقطع سندها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن ضمن أسباب اختياري لهذا الموضوع أيضا وما يلزم أن أذكره، أن أحد أساتذتي الأفاضل اقترح على الموضوع بناء على التماسي له بذلك، فلم أنشط لفكرة الموضوع لحينه، وأبديت ترددا واضحا، فلما رأى الأستاذ مني ذلك علق قائلا: [ ص: 30 ] (المرأة لا تحب المرأة ) ، فاستوقفني كلامه، وبدا لي أنه أراد أن أطلع على حقائق كثيرة جديرة بالإبراز. فأثار في الفضول إلى معرفة ذلك وكان أن باشرت وضع الخطة بمساعدة الأستاذ الفاضل. واستفدت من البحث ما أحمد الله تعالى به على المنة والتوفيق.
وقد انتهجت في بحثي هـذا السبل الآتية:
1- عرفت بالعلماء والرجال الذين ذكروا في هـذا البحث، وقد أغفلت بعضهم لشهرتهم ولضرورة عدم تضخيم البحث على حساب الهدف، الذي من أجله كتب، حيث إننا لسنا بصدد تحقيق كتاب.
2- خرجت الأحاديث النبوية والآثار الواردة في البحث، فإذا كان في كتاب من الكتب الستة كالبخاري مثلا قلت: أخرجه البخاري، وأعني في الجامع الصحيح، وكذا بقية الكتب الستة، ثم أذكر الكتاب ثم الباب ثم رقم الحديث ثم الجزء والصفحة، وإذا كان الحديث في غير الكتب الستة لكن من مصنفات أحدهم ذكرت الكتاب. [ ص: 31 ]
3- نسبت الأقوال إلى قائليها في أغلب الحالات، إلا إذا تعذر علي ذلك، بأن لم يتوفر لدي الكتاب الأصل.
وقد جاء هـذا البحث في مقدمة وتمهيد وفصلين وخاتمة.
أما المقدمة: فقد تحدثت فيـها عن أهمية الموضوع، والدوافع التي حفـزتني على كتابة هـذا البحث، ومنهجي الذي سرت عليه.
وأما التمهيد: فتكلمت فيه عن رعاية الإسلام للمرأة، وتعليمها، واهتمام النبي صلى الله عليه وسلم الخاص بها.
وأمـا الفـصـل الأول: فتـكلمت فيه عـن دور المرأة فـي الحديث، روايـة في القـرون الثـلاثـة الأولى، فجـاء في أربعة مباحث:
المبحث الأول: خصصته لبيـان دور أمـهات المؤمـنين في خـدمة الحـديث، فذكـرت تراجمهن وفضلهن، وذكـرت أشهـر تلاميـذهن، ونظرة عن مروياتـهن مع بيـان مضامينها بشكل مجمل. [ ص: 32 ]
المبحث الثاني: ذكرت فيه طبقات الراويات في القرون الثلاثة الأولى، متبعة التقسيم على القرون أولا، ثم داخل كل قرن طبقات الراويات اللائي وجدن في ذلك القرن، وذكرت أمثلة على كل طبقة، وترجمت لكل من ذكرت، وتفاديت الإطالة في ذكر التراجم.
ثم ذكرت الملاحظات والاستنتاجات التي توصلت إليها من خلال بيان الطبقات.
المبحث الثالث: بينت فيه مساهمة المرأة في ميدان الرحلة، وكيفية حدوث هـذه الرحلات مع ذكر أمثلة للتوضيح.
المبحث الرابع: هـذا المبحث كان بمثابة دراسة تطبيقية على الموضوع، تناولت فيه عدد الراويات في مجموع الكتب الستة، الصحابيات منهن وغير الصحابيات، ثم عدة مجموع روايات النساء في هـذه الكتب، وطبقات الراويات وأحوالهن، ثم تكلمت عن الموضوعات التي اشتملت عليها روايات النساء، وأخيرا بينت القيمة الحديثية لروايات النساء وما كان منها عمدة في بابه. [ ص: 33 ]
أما الفصل الثاني: تحدثت فيه عن دور المرأة في رواية الحديث دراية، واشتمل الفصل على ثلاثة مباحث.
أما المبحث الأول: تحدثت فيه عن صـور التحمل والأداء عنـد النسـاء، فبـدأت بتحـملهن في العـهد النـبوي وذكرت أمثلة، ثم أردفته بفترة ما بعد العهد النبوي وذكرت أمثلة أيضا.
والمبحث الثاني: بينت فيه مساهمة المرأة في نقد الروايات، بدأت ببيان مساهمة أم المؤمنين عائشة في ذلك، وفصلت قليلا في منهجها في النقد، ثم ذكرت بعض الأمثلة لنقد النساء للروايات مع قلتها.
المبحث الثالث: بينت فيه أيضا إسهام المرأة في الجرح والتعديل مع ندرته، وذكرت على رأس هـؤلاء المساهمات عائشة رضي الله عنها ، وذكرت أمثلة أخرى.
أما الخاتمة: فقد ذكرت فيها النتائج التي توصلت إليها من خلال هـذا البحث. [ ص: 34 ]