أهمية التصنيف على الطبقات
لعلم الطبقات أهمية خاصة لدى أصحاب الحديث باعتبارهم حفظة السنة.. ولما كان نقلة الكنوز النبوية، الرواة، مادة بحث عند المحدثين في بيان أهليتهم في قبول روايتهم، اختص تصنيفهم على الطبقات بميزات، وضمن فوائد كثيرة لها علاقة بنقد إسناد الحديث، نذكرها في عنصرين:
- الأمن من تـداخل المشتبـهين، كالمتفقين في اسم أو كنية أو غير ذلك.
- إمكان الاطلاع على تبيين التدليس، والوقوف على حقيقة المراد من العنعنة [1] . [ ص: 93 ]
ولتوضيح ذلك نقول: إن التمييز بين الطبقات وسيلة لمعرفة ما في الحديث من إرسال أو انقطاع أو عضل أو تدليس
[2] .
وبه يمكن التمييز بين الأسماء المتشابهة والمتفقة، فقد يتفق اسمان في اللفظ فيظن أن أحدهما الآخر، فإذا أردنا التمييز بينهما ينبغي معرفة طبقتهما إن كانا من طبقتين.
التحديد الزمني للطبقة
إن استعمال الطبقة كوحدة زمنية ثابتة لم يظهر إلا في فترة متأخرة جدا، حينما استعملها الذهبي وجعلها تساوي عشر سنين في كتابه الكبير: (تاريخ الإسلام) [3] . وأقدم ما وصل إلينا من كتب الطبقات، (الطبقات) لخليفة بن خياط (ت240هـ) ، و (الطبقات الكبرى) لا بن سعد (ت230هـ)
[4] . [ ص: 94 ]
وكل من خليـفة وابن سعـد لم يستعمـل الطبـقة باعتبارها وحدة زمنية ثابتة، لكن كان لكل واحد تحـديد يحقـق له الغـاية المراد إبرازها [5] .
ولعل أبسط أشكال التقسيم على الطبقات هـو استعمالها بمعنى الجيل، وهذا ما يتمثل في مصنفات ابن حبان (ت354هـ) في كتابيه (الثقات) ، و (مشاهير علماء الأمصار) ، فقد قسم الرواة إلى أربع طبقات وهي: الصحابة، والتابعين، وأتباع التابعين، وتبع الأتباع [6] .
اختيارنا في هـذا المبحث:
وقد تبينت لنا نسبية النظر إلى الطبقات، وجب تحديد مفهوم الطبقة الذي عنيناه واخترناه، وفي هـذا نقول: إن الغرض والمراد من هـذا المبحث هـو إبراز مساهمة النساء في الرواية عموما في هـذه القرون الفاضلة، وبيان التفاوت الموجود بين مختلف القرون بالنسبة للدور الذي اضطلعت به النساء في حفظ السنن أولا، ثم تبليغها وروايتها، [ ص: 95 ] ثم التعريف بالراويات المشهورات المعروفات بروايتهن للحديث في كل فترة من الفترات عبر القرون الثلاثة.. ولتيسير هـذه الفائدة بالذات، عمدنا في التقسيم على الطبقات إلى اعتبار الجيل في تحديد الطبقة، مستلهمين ذلك من تقسيم ابن حبان، أي الصحابيات، التابعيات، تابعات التابعيات، تابعات الأتباع، إلى نهاية القرن الثالث.
ولما كانت تواريخ وفاة الرواة عموما في القرون الثلاثة الأولى فيها اختلاف، وبالنسبة للراويات كثيرا ما تكون مجهولة، لم أول اهتماما كبيرا لسن الراويات ولا للأفضلية بين الصحابيات، حيث جعلت الصحابيات كلهن في طبقة واحدة، وفي ذكرهن راعيت حجم الرواية عندهن فقط لأنه مراد بحثنا.
- والتابعيات عموما طبقة ثانية (ربما فرقت بينهن إذا لزم ذلك) حيث أجعل:
- كبار التابعيات من يروين عن كبار الصحابة.
- صغار التابعيات من يروين عن صغار الصحابة.
- وكبار تابعيات التابعين من يروين عن كبار التابعين وهكذا...
حيث تكون كبار التابعيات طبقة تلي الصحابيات، وتلي كبار التابعيات صغارهن، وهلم جرا وأورد هـذا فقط عند كثرة الراويات بحيـث يلزم منه تقسيـمهن على طبقـات، وإلا فالأصل كما ذكرنا في الأول. [ ص: 96 ]
وراعينا في هـذا التقسيم القرون الثلاثة، أي: مبتدئين بالقرن الأول ثم الثاني ثم الثالث، حتى نكشف عن حركة الرواية عند النساء، كثافتها وقيمتها وتطورها، وهو في آخر المطاف ما نهدف إلى إبرازه إن شاء الله تعالى.