القراءة الخاطئة
وقد يكون المطلوب من الأمة المسلمة الآن، ونحن في شهر الإسراء والمعراج، القيام بعملية المراجعة على المستويات كلها، فإلى أي مدى نحن قادرون على الاستفادة من الدرس التاريخي، وتوظيف حقائق التاريخ التي ما تزال ماثلة، توظفها الصهيونية العالمية ثمرة الحملات الصليبية ونتيجتها؟ أما نحن فما نزال مصرين على القراءة الخاطئة ذلك أنه مهما يكن من أمر، ومهما اختلفت التفاسير للوجود اليهودي، فإن إسرائيل امتداد للغرب الصليبي تنتسب إلى الحضارة الغربية، تكنولوجيا وعلميا، تنحدر منها وتلتقي معها على العهد القديم في الرؤية الدينية (لقد أخبروني.. أنه منذ بداية الحضارة سنت قوانين ولكنها جميعا لم تصل إلى مستوى قانون الله في الوصايا العشر.. إن المرء يسائل نفسه أحيانا عم إذا كان العالم الآن يواجه معركة فاصلة قبل يوم القيامة بين قوى الخير والشر كما تنبأت التوراة.. إن العالم يمر حاليا في الفترة التي وصفها العهد القديم - التوراة - عندما تنبأ بمعركة فاصلة ولكنها مدمرة للعالم بين الخير والشر، يعقبها مباشرة يوم الحساب) (ريغان، الرئيس الأمريكي - 1984م) .
وتأتي محاولات يهود المستمرة في الاعتداء على الأقصى وانتهاك حرمته تمهيدا لهدمه وبناء الهيكل مكانه ليكون قبلة يتجه إليها اليهود ويتوجهون منها إلى أرض المسلمين جميعا، تحقيقا لهذه الرؤية التوراتية..
إن كثيرا من المسلمين يمرون بحادثة الإسراء والمعراج مرورا عابرا يحاولون قراءتها بصورة ساذجة وبسيطة، وقد يقعون في جدل حول بعض الأحاديث [ ص: 148 ] والرؤى، لما ينته بعد حول كيفية الإسراء، وهل حصل بالروح أم بالجسد، ويعرضون الحادثة على عقولهم، فتستحيل عندهم كما استحالت في عقول من سبقهم فأنكرها أو أولها، في الوقت الذي يتابع فيه يهود اعتداءاتهم على الأقصى وبرامجهم في التهويد، وأقل ما يقال في الموضوع: إن القضية لها علاقة بالسنة الخارقة التي لا تخضع لقانون العقل، وإن الله تعالى قال: ( سبحان الذي أسرى بعبده ) (الإسراء: 1) ولا تطلق كلمة (عبده) في اللغة العربية إلا على الجسم والروح، ونرى أنه لا بد من تجاوز الجدل حول الحادثة إلى المعاني الكبيرة التي سبقت حادثة الإسراء ورافقتها، إنها جاءت بعد مواجهات مريرة مع المشركين في مكة، على كل المستويات بما في ذلك المقاطعة الجماعية في الشعب، ورحلة الاضطهاد في الهجرة إلى الطائف والعودة منها، وفي الاعتمال النفسي بموت العم الحامي والزوجة الحانية.. إنها المعاني الكبيرة والآفاق الواسعة التي رسمتها الحادثة للخروج بالدعوة الإسلامية المحاصرة في مكة ، والتي خرجت منهكة من الشعب ومحبطة من رحلة الطائف ، عن مستوى الزمان والمكان، فالدعوة ليست وقفا على زمن معين، أو جيل بذاته أو أي مكان، إنها قضية الإنسان حيثما كان وإلى أي جنس انتمى.. إنها بدأت في مكة مركز النبوة الأولى، وانطلقت إلى القدس أرض النبوات، ثـم شملت العالم، قال تعالى: ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ) (آل عمران: 96) ، والذي بنى البيت وأصل التوحيد هـو أبو الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، والذي جاءت رسالته خاتمة، وجاء كتابه مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه هـو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي صلى بالأنبياء إماما هـناك في بيت المقدس الذي بارك الله حوله، والذي يشكل الاعتداء عليه اليوم اعتداء على النبوة بأصلها وختمها..
إن كثيرا من المسلمين يمرون أمام حادثة الإسراء والمعراج ويعجزون عن وضعها في مكانها المناسب من المسئولية الإسلامية والتكاليف الشرعية؛ إن حادثة الإسراء والمعراج على الرغم من أنها تعطي المدد النفسي للمسلم، لكنها في الوقت نفسه مناسبة مؤدبة للمسلمين اليوم الضائعين عن إسلامهم ومستلزمات عقيدتهم. [ ص: 149 ]