قال
[1] : "
nindex.php?page=treesubj&link=29554_29411_29408والتوحيد على ثلاثة أوجه :
[2] : الأول
[3] : توحيد العامة الذي يصح بالشواهد ، والثاني
[4] : توحيد الخاصة وهو الذي يثبت بالحقائق . والوجه الثالث : توحيد قائم بالقدم ، وهو توحيد خاصة الخاصة .
فأما التوحيد الأول فهو شهادة أن لا إله إلا الله [ وحده لا شريك له ]
[5] ، الأحد الصمد ، الذي لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد . هذا هو التوحيد الظاهر الجلي ، الذي نفى الشرك الأعظم ، وعليه نصبت القبلة ، وبه وجبت الذمة ، وبه حقنت الدماء والأموال ، وانفصلت دار الإسلام من دار الكفر ، وصحت به الملة للعامة ، وإن لم يقوموا بحسن
[6] الاستدلال ، بعد أن سلموا
[7] من الشبهة والحيرة والريبة ، بصدق شهادة صححها قبول القلب .
هذا
[8] توحيد العامة الذي يصح بالشواهد ، والشواهد هي الرسالة ، والصنائع تجب
[9] بالسمع ، وتوجد
[10] بتبصير الحق ، وتنمو
[11] على مشاهدة
[12] الشواهد " .
[ ص: 344 ] قال
[13] : " وأما التوحيد الثاني الذي يثبت بالحقائق فهو توحيد الخاصة . وهو إسقاط الأسباب الظاهرة ، والصعود عن
[14] منازعات العقول
[15] ، وعن التعلق بالشواهد ، وهو أن لا يشهد
[16] في التوحيد دليلا ، ولا في التوكل سببا ، ولا في النجاة
[17] وسيلة
[18] ، فيكون
[19] مشاهدا سبق
[20] الحق بحكمه وعلمه ، ووضعه الأشياء مواضعها ، وتعليقه
[21] إياها بأحايينها ، وإخفائه
[22] إياها في رسومها
[23] ، ويحقق
[24] معرفة العلل ، ويسلك
[25] سبيل إسقاط الحدث
[26] . هذا توحيد
[27] الخاصة الذي يصح بعلم الفناء ، ويصفو في علم الجمع ، ويجذب إلى توحيد أرباب الجمع " . قال
[28] : " وأما التوحيد الثالث فهو توحيد اختصه الحق لنفسه ،
[ ص: 345 ] واستحقه بقدره ، وألاح منه لائحا إلى أسرار طائفة من صفوته ، وأخرسهم عن نعته ، وأعجزهم عن بثه . والذي يشار [ به ]
[29] إليه على ألسن المشيرين أنه إسقاط الحدث
[30] ، وإثبات القدم ، على أن هذا الرمز في ذلك التوحيد علة ، لا يصح [ ذلك التوحيد ]
[31] إلا بإسقاطها .
هذا قطب الإشارة إليه على ألسن علماء أهل هذا الطريق
[32] ، وإن زخرفوا له نعوتا ، وفصلوه فصولا
[33] ، فإن ذلك التوحيد تزيده العبارة خفاء
[34] ، والصفة نفورا ، والبسط صعوبة ، وإلى هذا التوحيد
[35] شخص أهل الرياضة وأرباب الأحوال ، وإليه
[36] قصد أهل التعظيم ، وإياه
[37] عنى المتكلمون في عين الجمع ، وعليه تصطلم الإشارات ، ثم لم ينطق عنه
[38] لسان ، ولم تشر إليه عبارة ، فإن التوحيد وراء ما يشير إليه مكون ، أو يتعاطاه خبر
[39] ، أو يقله سبب " .
قال
[40] : " وقد أجبت في سالف الدهر
[41] سائلا سألني عن
nindex.php?page=treesubj&link=29408_29404_29554توحيد الصوفية [ ص: 346 ] بهذه القوافي الثلاث :
ما وحد الواحد من واحد إذ كل من وحده جاحد توحيد من ينطق عن نعته
عارية أبطلها الواحد توحيده إياه توحيده
ونعت من ينعته لاحد
قلت : وقد بسطت
[42] الكلام على [ هذا وأمثاله ] في غير
[43] هذا الموضع ، لكن ننبه هنا على ما يليق بهذا الموضع ، فنقول ؟ أما التوحيد [ الأول ]
[44] الذي ذكره فهو التوحيد الذي جاءت به الرسل ، ونزلت به الكتب ، وبه بعث الله الأولين والآخرين من الرسل .
قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=45واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) [ سورة الزخرف : 45 ] .
وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=36ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة ) [ سورة النحل : 36 ] .
وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=25وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ سورة الأنبياء : 25 ] .
وقد أخبر الله - تعالى - عن كل من الرسل ، مثل
نوح وهود ،
وصالح وشعيب ، وغيرهم ، أنهم قالوا لقومهم : اعبدوا الله ما لكم من إله غيره . وهذا أول دعوة الرسل وآخرها .
[ ص: 347 ] قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح المشهور : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=650024أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله "
[45] . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح أيضا : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=37401من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة "
[46] . وقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=847091من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة "
[47] .
والقرآن كله مملوء من تحقيق هذا التوحيد والدعوة إليه ، وتعليق النجاة والفلاح ، واقتضاء السعادة في الآخرة به . ومعلوم أن الناس متفاضلون في تحقيقه ، وحقيقته إخلاص الدين كله لله . والفناء في هذا التوحيد مقرون بالبقاء
[48] ، وهو أن تثبت إلهية الحق في قلبك ، وتنفي إلهية ما سواه ، فتجمع بين النفي والإثبات ، فتقول : لا إله إلا الله ، فالنفي هو الفناء ، والإثبات هو البقاء . وحقيقته أن تفنى بعبادته عما سواه ، [ ومحبته عن محبة ما سواه ]
[49] ، وبخشيته عن خشية ما سواه ، وبطاعته عن طاعة ما سواه ، وبموالاته عن موالاة ما سواه ، وبسؤاله عن سؤال ما سواه ، وبالاستعاذة به عن الاستعاذة
[50] بما سواه ، وبالتوكل عليه عن التوكل على
[ ص: 348 ] ما سواه ، وبالتفويض إليه عن التفويض إلى ما سواه ، وبالإنابة إليه عن الإنابة إلى ما سواه ، وبالتحاكم إليه عن التحاكم إلى ما سواه ، وبالتخاصم إليه عن التخاصم إلى ما سواه .
وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=651053كان يقول : ( * إذا قام يصلي من الليل ، وقد روي أنه كان يقوله [51] بعد التكبير * ) [52] : " اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات [53] والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد [54] أنت الحق ، وقولك الحق ، ووعدك الحق [55] ، ولقاؤك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والنبيون حق ، ومحمد حق ، اللهم لك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، وإليك أنبت ، وبك خاصمت ، وإليك حاكمت ; فاغفر لي ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت "
[56] .
وقال - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=14قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم ) [ سورة الأنعام : 14 ] .
[ ص: 349 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا ) [ سورة الأنعام : 114 ] .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=64أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=65ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=66بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ) [ سورة الزمر : 64 - 66 ] .
وقال - تعالى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=162قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=163لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ) [ سورة الأنعام : 161 - 164 ] .
وهذا التوحيد كثير في القرآن ، وهو أول الدين وآخره ، وباطن الدين وظاهره ، وذروة سنام هذا التوحيد لأولي العزم من الرسل ، ثم للخليلين
محمد وإبراهيم - صلى الله عليهما وسلم تسليما - . فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=676651إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا "
[57] .
قَالَ
[1] : "
nindex.php?page=treesubj&link=29554_29411_29408وَالتَّوْحِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
[2] : الْأَوَّلُ
[3] : تَوْحِيدُ الْعَامَّةِ الَّذِي يَصِحُّ بِالشَّوَاهِدِ ، وَالثَّانِي
[4] : تَوْحِيدُ الْخَاصَّةِ وَهُوَ الَّذِي يَثْبُتُ بِالْحَقَائِقِ . وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : تَوْحِيدٌ قَائِمٌ بِالْقِدَمِ ، وَهُوَ تَوْحِيدُ خَاصَّةِ الْخَاصَّةِ .
فَأَمَّا التَّوْحِيدُ الْأَوَّلُ فَهُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ]
[5] ، الْأَحَدُ الصَّمَدُ ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ ، وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ . هَذَا هُوَ التَّوْحِيدُ الظَّاهِرُ الْجَلِيُّ ، الَّذِي نَفَى الشِّرْكَ الْأَعْظَمَ ، وَعَلَيْهِ نُصِبَتِ الْقِبْلَةُ ، وَبِهِ وَجَبَتِ الذِّمَّةُ ، وَبِهِ حُقِنَتِ الدِّمَاءُ وَالْأَمْوَالُ ، وَانْفَصَلَتْ دَارُ الْإِسْلَامِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ ، وَصَحَّتْ بِهِ الْمِلَّةُ لِلْعَامَّةِ ، وَإِنْ لَمْ يَقُومُوا بِحُسْنِ
[6] الِاسْتِدْلَالِ ، بَعْدَ أَنْ سَلِمُوا
[7] مِنَ الشُّبْهَةِ وَالْحَيْرَةِ وَالرِّيبَةِ ، بِصِدْقِ شَهَادَةٍ صَحَّحَهَا قَبُولُ الْقَلْبِ .
هَذَا
[8] تَوْحِيدُ الْعَامَّةِ الَّذِي يَصِحُّ بِالشَّوَاهِدِ ، وَالشَّوَاهِدُ هِيَ الرِّسَالَةُ ، وَالصَّنَائِعُ تَجِبُ
[9] بِالسَّمْعِ ، وَتُوجَدُ
[10] بِتَبْصِيرِ الْحَقِّ ، وَتَنْمُو
[11] عَلَى مُشَاهَدَةِ
[12] الشَّوَاهِدِ " .
[ ص: 344 ] قَالَ
[13] : " وَأَمَّا التَّوْحِيدُ الثَّانِي الَّذِي يَثْبُتُ بِالْحَقَائِقِ فَهُوَ تَوْحِيدُ الْخَاصَّةِ . وَهُوَ إِسْقَاطُ الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ ، وَالصُّعُودُ عَنْ
[14] مُنَازَعَاتِ الْعُقُولِ
[15] ، وَعَنِ التَّعَلُّقِ بِالشَّوَاهِدِ ، وَهُوَ أَنْ لَا يَشْهَدَ
[16] فِي التَّوْحِيدِ دَلِيلًا ، وَلَا فِي التَّوَكُّلِ سَبَبًا ، وَلَا فِي النَّجَاةِ
[17] وَسِيلَةً
[18] ، فَيَكُونُ
[19] مُشَاهِدًا سَبَقَ
[20] الْحَقُّ بِحُكْمِهِ وَعِلْمِهِ ، وَوَضْعِهِ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا ، وَتَعْلِيقِهِ
[21] إِيَّاهَا بِأَحَايِينِهَا ، وَإِخْفَائِهِ
[22] إِيَّاهَا فِي رُسُومِهَا
[23] ، وَيُحَقِّقُ
[24] مَعْرِفَةَ الْعِلَلِ ، وَيَسْلُكُ
[25] سَبِيلَ إِسْقَاطِ الْحَدَثِ
[26] . هَذَا تَوْحِيدُ
[27] الْخَاصَّةِ الَّذِي يَصِحُّ بِعِلْمِ الْفَنَاءِ ، وَيَصْفُو فِي عِلْمِ الْجَمْعِ ، وَيَجْذِبُ إِلَى تَوْحِيدِ أَرْبَابِ الْجَمْعِ " . قَالَ
[28] : " وَأَمَّا التَّوْحِيدُ الثَّالِثُ فَهُوَ تَوْحِيدٌ اخْتَصَّهُ الْحَقُّ لِنَفْسِهِ ،
[ ص: 345 ] وَاسْتَحَقَّهُ بِقَدْرِهِ ، وَأَلَاحَ مِنْهُ لَائِحًا إِلَى أَسْرَارِ طَائِفَةٍ مِنْ صَفْوَتِهِ ، وَأَخْرَسَهُمْ عَنْ نَعْتِهِ ، وَأَعْجَزَهُمْ عَنْ بَثِّهِ . وَالَّذِي يُشَارُ [ بِهِ ]
[29] إِلَيْهِ عَلَى أَلْسُنِ الْمُشِيرِينَ أَنَّهُ إِسْقَاطُ الْحَدَثِ
[30] ، وَإِثْبَاتُ الْقِدَمِ ، عَلَى أَنَّ هَذَا الرَّمْزَ فِي ذَلِكَ التَّوْحِيدِ عِلَّةٌ ، لَا يَصِحُّ [ ذَلِكَ التَّوْحِيدُ ]
[31] إِلَّا بِإِسْقَاطِهَا .
هَذَا قُطْبُ الْإِشَارَةِ إِلَيْهِ عَلَى أَلْسُنِ عُلَمَاءِ أَهْلِ هَذَا الطَّرِيقِ
[32] ، وَإِنْ زَخْرَفُوا لَهُ نُعُوتًا ، وَفَصَلُوهُ فُصُولًا
[33] ، فَإِنَّ ذَلِكَ التَّوْحِيدَ تَزِيدُهُ الْعِبَارَةُ خَفَاءً
[34] ، وَالصِّفَةُ نُفُورًا ، وَالْبَسْطُ صُعُوبَةً ، وَإِلَى هَذَا التَّوْحِيدِ
[35] شَخَصَ أَهْلُ الرِّيَاضَةِ وَأَرْبَابُ الْأَحْوَالِ ، وَإِلَيْهِ
[36] قَصَدَ أَهْلُ التَّعْظِيمِ ، وَإِيَّاهُ
[37] عَنَى الْمُتَكَلِّمُونَ فِي عَيْنِ الْجَمْعِ ، وَعَلَيْهِ تَصْطَلِمُ الْإِشَارَاتُ ، ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ عَنْهُ
[38] لِسَانٌ ، وَلَمْ تُشِرْ إِلَيْهِ عِبَارَةٌ ، فَإِنَّ التَّوْحِيدَ وَرَاءَ مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ مُكَوَّنٌ ، أَوْ يَتَعَاطَاهُ خَبَرٌ
[39] ، أَوْ يُقِلُّهُ سَبَبٌ " .
قَالَ
[40] : " وَقَدْ أَجَبْتُ فِي سَالِفِ الدَّهْرِ
[41] سَائِلًا سَأَلَنِي عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29408_29404_29554تَوْحِيدِ الصُّوفِيَّةِ [ ص: 346 ] بِهَذِهِ الْقَوَافِي الثَّلَاثِ :
مَا وَحَّدَ الْوَاحِدَ مِنْ وَاحِدٍ إِذْ كُلُّ مَنْ وَحَّدَهُ جَاحِدُ تَوْحِيدُ مَنْ يَنْطِقُ عَنْ نَعْتِهِ
عَارِيَةٌ أَبْطَلَهَا الْوَاحِدُ تَوْحِيدُهُ إِيَّاهُ تَوْحِيدُهُ
وَنَعْتُ مَنْ يَنْعَتُهُ لَاحِدُ
قُلْتُ : وَقَدْ بَسَطْتُ
[42] الْكَلَامَ عَلَى [ هَذَا وَأَمْثَالِهِ ] فِي غَيْرِ
[43] هَذَا الْمَوْضِعِ ، لَكِنْ نُنَبِّهُ هُنَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ ، فَنَقُولُ ؟ أَمَّا التَّوْحِيدُ [ الْأَوَّلُ ]
[44] الَّذِي ذَكَرَهُ فَهُوَ التَّوْحِيدُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ ، وَنَزَلَتْ بِهِ الْكُتُبُ ، وَبِهِ بَعَثَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنَ الرُّسُلِ .
قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=45وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ) [ سُورَةُ الزُّخْرُفِ : 45 ] .
وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=36وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ) [ سُورَةُ النَّحْلِ : 36 ] .
وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=25وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) [ سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ : 25 ] .
وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَنْ كُلٍّ مِنَ الرُّسُلِ ، مِثْلِ
نُوحٍ وَهُودٍ ،
وَصَالِحٍ وَشُعَيْبٍ ، وَغَيْرِهِمْ ، أَنَّهُمْ قَالُوا لِقَوْمِهِمُ : اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ . وَهَذَا أَوَّلُ دَعْوَةِ الرُّسُلِ وَآخِرُهَا .
[ ص: 347 ] قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=650024أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ "
[45] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَيْضًا : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=37401مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ "
[46] . وَقَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=847091مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ "
[47] .
وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ مَمْلُوءٌ مِنْ تَحْقِيقِ هَذَا التَّوْحِيدِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ ، وَتَعْلِيقِ النَّجَاةِ وَالْفَلَاحِ ، وَاقْتِضَاءِ السَّعَادَةِ فِي الْآخِرَةِ بِهِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّاسَ مُتَفَاضِلُونَ فِي تَحْقِيقِهِ ، وَحَقِيقَتُهُ إِخْلَاصُ الدِّينِ كُلِّهِ لِلَّهِ . وَالْفَنَاءُ فِي هَذَا التَّوْحِيدِ مَقْرُونٌ بِالْبَقَاءِ
[48] ، وَهُوَ أَنْ تُثْبِتَ إِلَهِيَّةَ الْحَقِّ فِي قَلْبِكَ ، وَتَنْفِيَ إِلَهِيَّةَ مَا سِوَاهُ ، فَتَجْمَعَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ ، فَتَقُولَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَالنَّفْيُ هُوَ الْفَنَاءُ ، وَالْإِثْبَاتُ هُوَ الْبَقَاءُ . وَحَقِيقَتُهُ أَنْ تَفْنَى بِعِبَادَتِهِ عَمَّا سِوَاهُ ، [ وَمَحَبَّتِهِ عَنْ مَحَبَّةِ مَا سِوَاهُ ]
[49] ، وَبِخَشْيَتِهِ عَنْ خَشْيَةِ مَا سِوَاهُ ، وَبِطَاعَتِهِ عَنْ طَاعَةِ مَا سِوَاهُ ، وَبِمُوَالَاتِهِ عَنْ مُوَالَاةِ مَا سِوَاهُ ، وَبِسُؤَالِهِ عَنْ سُؤَالِ مَا سِوَاهُ ، وَبِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ عَنْ الِاسْتِعَاذَةِ
[50] بِمَا سِوَاهُ ، وَبِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ عَنِ التَّوَكُّلِ عَلَى
[ ص: 348 ] مَا سِوَاهُ ، وَبِالتَّفْوِيضِ إِلَيْهِ عَنِ التَّفْوِيضِ إِلَى مَا سِوَاهُ ، وَبِالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ عَنِ الْإِنَابَةِ إِلَى مَا سِوَاهُ ، وَبِالتَّحَاكُمِ إِلَيْهِ عَنِ التَّحَاكُمِ إِلَى مَا سِوَاهُ ، وَبِالتَّخَاصُمِ إِلَيْهِ عَنِ التَّخَاصُمِ إِلَى مَا سِوَاهُ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=651053كَانَ يَقُولُ : ( * إِذَا قَامَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ [51] بَعْدَ التَّكْبِيرِ * ) [52] : " اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ [53] وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَلَك الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السِّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَلَكَ الْحَمْدُ [54] أَنْتَ الْحَقُّ ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ ، وَوَعْدُكَ الْحَقَّ [55] ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ ; فَاغْفِرْ لِي ، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ "
[56] .
وَقَالَ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=14قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ) [ سُورَةُ الْأَنْعَامِ : 14 ] .
[ ص: 349 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ) [ سُورَةُ الْأَنْعَامِ : 114 ] .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=64أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=65وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=66بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ) [ سُورَةُ الزُّمَرِ : 64 - 66 ] .
وَقَالَ - تَعَالَى - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=162قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=163لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا ) [ سُورَةُ الْأَنْعَامِ : 161 - 164 ] .
وَهَذَا التَّوْحِيدُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ ، وَهُوَ أَوَّلُ الدِّينِ وَآخِرُهُ ، وَبَاطِنُ الدِّينِ وَظَاهِرُهُ ، وَذُرْوَةُ سَنَامِ هَذَا التَّوْحِيدِ لِأُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ، ثُمَّ لِلْخَلِيلَيْنِ
مُحَمَّدٍ وَإِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا - . فَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=676651إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا "
[57] .