[ ص: 234 ] فصل
ولما قال السلف :
nindex.php?page=treesubj&link=10036_19098إن الله أمر بالاستغفار لأصحاب محمد فسبهم الرافضة [1] ، كان هذا كلاما حقا . وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=666166nindex.php?page=treesubj&link=28833_10036لا تسبوا أصحابي "
[2] يقتضي تحريم سبهم ، مع أن الأمر بالاستغفار للمؤمنين والنهي عن سبهم عام .
ففي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=655584سباب المسلم فسوق وقتاله كفر "
[3] . وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون [ سورة الحجرات : 11 ] فقد
nindex.php?page=treesubj&link=32520_19041_32534نهى عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب .
واللمز : العيب والطعن ، ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=58ومنهم من يلمزك في الصدقات [ سورة التوبة : 58 ] أي يعيبك ويطعن عليك ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=79الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات [ سورة التوبة : 79 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11ولا تلمزوا أنفسكم [ سورة الحجرات : 49 ] أي لا يلمز بعضكم بعضا كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=12لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا [ سورة النور : 12 ]
[ ص: 235 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=54فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم [ سورة البقرة : 54 ] وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=104&ayano=1ويل لكل همزة لمزة الآية [ سورة الهمزة : 1 ] والهمز : العيب
[4] والطعن بشدة وعنف ، ومنه همز الأرض بعقبه ، ومنه الهمزة وهي نبرة من الصدر .
وأما الاستغفار للمؤمنين عموما فقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=19واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات [ سورة محمد : 19 ] .
وقد أمر الله بالصلاة على من يموت . وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستغفر للمنافقين حتى نهي عن ذلك
[5] .
nindex.php?page=treesubj&link=29492فكل مسلم لم يعلم أنه منافق جاز الاستغفار له والصلاة عليه ، وإن كان فيه بدعة أو فسق ، لكن لا يجب على كل أحد أن يصلي عليه . وإذا كان في ترك الصلاة على الداعي إلى البدعة والمظهر للفجور مصلحة من جهة انزجار الناس ، فالكف عن الصلاة كان مشروعا لمن كان
[6] يؤثر ترك صلاته في الزجر بأن لا يصلى عليه . كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن قتل نفسه :
[ ص: 236 ] "
nindex.php?page=hadith&LINKID=652127صلوا على صاحبكم "
[7] وكذلك قال في
nindex.php?page=treesubj&link=32910الغال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=652127صلوا على صاحبكم "
[8] وقد قيل
لسمرة بن جندب : إن ابنك لم ينم البارحة . فقال : أبشما
[9] ؟ قالوا : بشما . قال : لو مات لم أصل عليه . يعني : لأنه يكون قد قتل نفسه .
وللعلماء هنا نزاع : هل يترك
[10] الصلاة على مثل هذا الإمام
[11] فقط ، لقوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=652127صلوا على صاحبكم " ؟ أم هذا الترك يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ أم مشروع لمن تطلب صلاته ؟ وهل الإمام هو الخليفة أو الإمام الراتب ؟ وهل هذا مختص بهذين أم هو ثابت لغيرهما ؟ فهذه كلها مسائل تذكر في غير هذا الموضع .
لكن بكل حال المسلمون المظهرون للإسلام قسمان : إما مؤمن ،
[ ص: 237 ] وإما منافق .
nindex.php?page=treesubj&link=32907فمن علم نفاقه لم تجز الصلاة عليه والاستغفار له . ومن لم يعلم ذلك منه
[12] صلي عليه . وإذا علم شخص نفاق شخص لم يصل هو عليه ، وصلى
[13] عليه من لم يعلم نفاقه .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه لا يصلي على من لم يصل عليه
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة ، لأنه كان في غزوة
تبوك قد عرف المنافقين ، الذين عزموا على الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم .
واعلم أنه لا منافاة بين عقوبة الإنسان في الدنيا على ذنبه وبين الصلاة عليه والاستغفار له ; فإن الزاني والسارق والشارب وغيرهم من العصاة تقام عليهم الحدود ، ومع هذا فيحسن إليهم
[14] بالدعاء لهم في دينهم ودنياهم ; فإن العقوبات الشرعية إنما شرعت رحمة من الله بعباده ، فهي صادرة عن رحمة الله
[15] وإرادة الإحسان إليهم
[16] .
ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على الذنوب أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة لهم ، كما يقصد الوالد تأديب ولده ، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=671930إنما أنا لكم بمنزلة الوالد "
[17] . . وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم [ سورة الأحزاب : 6 ]
[ ص: 238 ] وفي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي : وهو أب لهم
[18] . والقراءة المشهورة تدل على ذلك : فإن نساءه إنما كن أمهات المؤمنين تبعا له ، فلولا أنه كالأب لم يكن نساؤه كالأمهات . والأنبياء أطباء الدين ، والقرآن أنزله الله شفاء لما في الصدور ، فالذي يعاقب الناس عقوبة شرعية إنما هو نائب عنه
[19] وخليفة له ، فعليه أن يفعل كما يفعل على الوجه الذي فعل .
ولهذا قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله [ سورة آل عمران : 110 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : كنتم خير الناس للناس
[20] تأتون بهم في الأقياد والسلاسل تدخلونهم الجنة
[21] . أخبر أن هذه الأمة خير الأمم لبني آدم : فإنهم يعاقبونهم بالقتل
[22] والأسر ، ومقصودهم بذلك الإحسان إليهم ، وسوقهم إلى كرامة
[ ص: 239 ] الله ورضوانه ، وإلى دخول الجنة .
وهكذا الرد على أهل البدع من
الرافضة وغيرهم : إن لم يقصد فيه بيان الحق وهدى الخلق ورحمتهم والإحسان إليهم ، لم يكن عمله صالحا . وإذا غلظ في ذم بدعة ومعصية
[23] كان قصده بيان ما فيها من الفساد ليحذرها العباد ، كما في نصوص الوعيد وغيرها . وقد يهجر الرجل عقوبة وتعزيرا ، والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله ، للرحمة والإحسان ، لا للتشفي والانتقام .
كما هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه الثلاثة الذي خلفوا لما جاء المتخلفون عن الغزاة يعتذرون ويحلفون وكانوا يكذبون . وهؤلاء الثلاثة صدقوا وعوقبوا بالهجر ، ثم تاب الله عليهم ببركة الصدق
[24] .
وهذا مبني على مسألتين : إحداهما : أن
nindex.php?page=treesubj&link=28832الذنب لا يوجب كفر صاحبه ، كما تقوله الخوارج ، بل ولا تخليده في النار ومنع الشفاعة فيه ، كما يقوله
المعتزلة .
الثاني أن المتأول الذي قصده متابعة الرسول لا يكفر ، بل
[25] ولا يفسق إذا اجتهد فأخطأ . وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية . وأما مسائل العقائد فكثير من الناس كفر
[26] المخطئين فيها .
وهذا القول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، ولا عن
[27] أحد من أئمة المسلمين ، وإنما هو في الأصل من أقوال أهل
[ ص: 240 ] البدع ، الذين يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم ،
كالخوارج والمعتزلة والجهمية ، ووقع ذلك في كثير من أتباع الأئمة ، كبعض أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وغيرهم .
وقد يسلكون في التكفير ذلك ; فمنهم من
nindex.php?page=treesubj&link=20445يكفر أهل البدع مطلقا ، ثم يجعل كل من خرج عما هو عليه من أهل البدع . وهذا بعينه قول
الخوارج والمعتزلة الجهمية . وهذا القول أيضا يوجد
[28] في طائفة من أصحاب الأئمة الأربعة ، وليس هو قول الأئمة الأربعة
[29] ولا غيرهم
[30] ، وليس فيهم من كفر كل مبتدع ، بل المنقولات الصريحة عنهم تناقض ذلك ، ولكن قد ينقل عن أحدهم
[31] أنه كفر من قال بعض الأقوال ، ويكون مقصوده أن هذا القول كفر ليحذر ، ولا يلزم إذا كان القول كفرا أن يكفر كل من قاله مع الجهل والتأويل ; فإن ثبوت الكفر في حق الشخص المعين ، كثبوت الوعيد في الآخرة في حقه ، وذلك له شروط وموانع ، كما بسطناه في موضعه .
وإذا لم يكونوا في نفس الأمر كفارا لم يكونوا منافقين ، فيكونون من المؤمنين ، فيستغفر لهم ويترحم عليهم . وإذا قال المؤمن
[32] :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=10ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان [ سورة الحشر : 10 ] يقصد كل
[33] من
[ ص: 241 ] سبقه من قرون الأمة بالإيمان ، وإن كان قد أخطأ في تأويل تأوله فخالف السنة ، أو أذنب ذنبا ، فإنه من إخوانه الذين سبقوه بالإيمان ، فيدخل في العموم ، وإن كان من الثنتين والسبعين فرقة ، فإنه ما من فرقة إلا وفيها خلق كثير ليسوا كفارا ، بل مؤمنين فيهم ضلال وذنب يستحقون به الوعيد ، كما يستحقه عصاة المؤمنين .
والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخرجهم من الإسلام ، بل جعلهم من أمته ، ولم يقل : إنهم يخلدون في النار . فهذا أصل عظيم ينبغي مراعاته ; فإن كثيرا من المنتسبين إلى السنة فيهم بدعة ، من جنس بدع
الرافضة والخوارج . وأصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب وغيره لم يكفروا
الخوارج الذين قاتلوهم ، بل أول ما خرجوا عليه وتحيزوا بحروراء ، وخرجوا عن الطاعة والجماعة ، قال لهم
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن لكم علينا أن لا نمنعكم مساجدنا
[34] ولا حقكم من الفيء . ثم أرسل إليهم
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فناظرهم فرجع نحو نصفهم ، ثم قاتل الباقي وغلبهم ، ومع هذا لم يسب لهم ذرية ، ولا غنم لهم مالا ، ولا سار فيهم سيرة الصحابة في المرتدين ،
كمسيلمة الكذاب وأمثاله ، بل كانت سيرة
nindex.php?page=showalam&ids=8علي والصحابة في
الخوارج مخالفة لسيرة الصحابة في أهل الردة ، ولم ينكر أحد على
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ذلك ، فعلم اتفاق الصحابة على أنهم لم يكونوا مرتدين عن دين الإسلام
[35] .
قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر المروزي [36] : " وقد ولي
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه
[ ص: 242 ] قتال أهل البغي ، وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم ما روى ، وسماهم مؤمنين ، وحكم فيهم بأحكام المؤمنين . وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر أيضا : " حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17294يحيى بن آدم ، عن
مفضل [37] بن مهلهل ، عن
الشيباني ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16836قيس بن مسلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب قال : " كنت عند
nindex.php?page=showalam&ids=8علي حين فرغ من قتال
أهل النهروان ، فقيل له : أمشركون هم ؟ قال : من الشرك فروا . فقيل : فمنافقون
[38] ؟ قال : المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا . قيل : فما هم ؟ قال : قوم بغوا علينا فقاتلناهم " .
( * وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر أيضا : " حدثنا
إسحاق حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
مسعر ، عن
عامر بن سفيان [39] ، عن
أبي وائل ، قال : قال رجل : من دعي
[40] إلى البغلة الشهباء يوم قتل المشركون ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي : من الشرك فروا . قال : المنافقون ؟ قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا . قال : فما هم ؟ قال : قوم بغوا علينا فقاتلناهم فنصرنا عليهم .
قال : حدثنا
[41] إسحاق ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن
أبي خالدة [42] ، عن
[ ص: 243 ] حكيم بن جابر ، قال : قالوا
nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي حين قتل
أهل النهروان : أمشركون هم ؟ قال : من الشرك فروا . قيل : فمنافقون ؟ قال : المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا . قيل : فما هم ؟ قال : قوم حاربونا فحاربناهم وقاتلونا فقاتلناهم * )
[43] .
قلت : الحديث
[44] الأول وهذا الحديث صريحان في أن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا قال هذا
nindex.php?page=treesubj&link=28832القول في الخوارج الحرورية أهل النهروان ، الذين استفاضت الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذمهم والأمر بقتالهم ، وهم يكفرون
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان nindex.php?page=showalam&ids=8وعليا ومن تولاهما ، فمن لم يكن معهم كان عندهم كافرا ودارهم دار كفر ، فإنما دار الإسلام عندهم هي دارهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري وغيره : "
nindex.php?page=treesubj&link=28832أجمعت الخوارج على تكفير nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه
[45] " . ومع هذا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي قاتلهم لما بدءوه بالقتال فقتلوا
عبد الله بن خباب ، وطلب
nindex.php?page=showalam&ids=8علي منهم قاتله ، فقالوا : كلنا قتله ، وأغاروا على ماشية الناس
[46] . ولهذا قال فيهم : " قوم قاتلونا فقاتلناهم ، وحاربونا فحاربناهم " وقال : " قوم بغوا علينا فقاتلناهم " .
وقد اتفق الصحابة والعلماء بعدهم على قتال هؤلاء ; فإنهم بغاة على جميع المسلمين ، سوى من وافقهم على مذهبهم ، وهم يبدءون المسلمين بالقتال ، ولا يندفع شرهم إلا بالقتال ; فكانوا أضر على المسلمين من قطاع الطريق . فإن أولئك إنما مقصودهم المال ، ( * فلو
[ ص: 244 ] أعطوه لم يقاتلوا ، وإنما يتعرضون لبعض الناس * )
[47] وهؤلاء يقاتلون الناس على الدين حتى يرجعوا عما ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة إلى ما ابتدعه هؤلاء بتأويلهم الباطل وفهمهم الفاسد للقرآن . ومع هذا فقد صرح
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه بأنهم مؤمنون ليسوا كفارا ولا منافقين .
وهذا بخلاف ما كان يقوله بعض الناس ،
nindex.php?page=showalam&ids=11812كأبي إسحاق الإسفراييني ومن اتبعه ، يقولون : " لا نكفر إلا من يكفر "
[48] فإن الكفر ليس حقا لهم ، بل هو حق لله
[49] ، وليس للإنسان أن يكذب على من يكذب
[50] عليه ، ولا يفعل الفاحشة بأهل من فعل الفاحشة بأهله ، بل ولو استكرهه رجل على اللواطة
[51] ، لم يكن له أن يستكرهه على ذلك ، ولو قتله بتجريع خمر أو تلوط به
[52] لم يجز قتله بمثل ذلك
[53] ، لأن هذا حرام لحق الله تعالى . ولو سب
النصارى نبينا ، لم يكن لنا أن نسب
المسيح .
والرافضة إذا كفروا
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر ، فليس لنا أن نكفر
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا . وحديث
أبي وائل يوافق ذينك الحديثين . فالظاهر أنه كان يوم
النهروان أيضا . وقد روي عنه في أهل الجمل
وصفين قول أحسن من هذا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه : حدثنا
أبو نعيم ، حدثنا
سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : سمع علي يوم الجمل أو يوم
[54] صفين رجلا يغلو في القول ، فقال :
[ ص: 245 ] لا تقولوا إلا خيرا ، إنما هم قوم زعموا إنا بغينا عليهم ، وزعمنا أنهم بغوا علينا فقاتلناهم . فذكر
لأبي جعفر أنه أخذ منهم السلاح . فقال : ما كان أغناه عن ذلك .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر : حدثنا
محمد بن يحيى ، حدثنا
أحمد بن خالد ، حدثنا
محمد بن راشد ، عن
مكحول : أن أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=8علي سألوه عمن قتل من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية ما هم ؟ قال : هم مؤمنون
[55] . وبه قال
أحمد بن خالد ، حدثنا
عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن
عبد الواحد بن أبي عون ، قال : مر
nindex.php?page=showalam&ids=8علي وهو متكئ
[56] على
الأشتر على قتلى
صفين ، فإذا
حابس اليماني مقتول ، فقال
الأشتر : إنا لله وإنا إليه راجعون ، هذا
حابس اليماني معهم يا أمير المؤمنين ، عليه علامة
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية ، أما والله لقد عهدته
[57] مؤمنا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي : والآن هو مؤمن .
قال : وكان
حابس رجلا من
أهل اليمن ، من أهل العبادة والاجتهاد .
قال
محمد بن يحيى : حدثنا
محمد بن عبيد ، حدثنا
مختار بن نافع ، عن
أبي مطر ، قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي : متى ينبعث أشقاها ؟ قيل : من أشقاها ؟ قال : الذي يقتلني . فضربه
ابن ملجم بالسيف فوقع برأس
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه ، وهم المسلمون بقتله . فقال : لا تقتلوا الرجل ، فإن برئت فالجروح قصاص ، وإن مت فاقتلوه . فقال : إنك ميت . قال : وما يدريك ؟ قال : كان سيفي مسموما
[58] .
[ ص: 246 ] وبه قال
محمد بن عبيد [59] ، حدثنا
الحسن وهو ابن الحكم النخعي عن
رباح [60] بن الحارث [61] ، قال : إنا لبواد ، وإن ركبتي لتكاد تمس
[62] ركبة
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر ، إذ أقبل رجل فقال : كفر والله
أهل الشام [63] . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار : لا تقل ذلك ، فقبلتنا واحدة ، ونبينا واحد ، ولكنهم قوم مفتونون ، فحق علينا قتالهم حتى يرجعوا إلى الحق .
وبه قال
ابن يحيى ، حدثنا
قبيصة ، حدثنا
سفيان ، عن
الحسن بن الحكم ، عن
رباح [64] بن الحارث ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر ، قال : ديننا واحد ، وقبلتنا واحدة ، ودعوتنا واحدة ، ولكنهم قوم بغوا علينا فقاتلناهم . قال
ابن يحيى : حدثنا
يعلى ، حدثنا
مسعر عن
عبد الله بن رباح ، عن
رباح بن الحارث ، قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر : لا تقولوا كفر
أهل الشام ، قولوا : فسقوا ، قولوا : ظلموا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر : " وهذا يدل على أن الخبر الذي روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر ، أنه قال
nindex.php?page=showalam&ids=7لعثمان بن عفان : هو كافر ، خبر باطل لا يصح ، لأنه إذا أنكر كفر أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية ، وهم إنما كانوا يظهرون أنهم يقاتلون في دم
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان ، فهو لتكفير
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان أشد إنكارا " .
قلت : والمروي في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار أنه لما قال ذلك ، أنكر عليه
nindex.php?page=showalam&ids=8علي [ ص: 247 ] رضي الله عنه . وقال : أتكفر برب آمن به
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان ؟ وحدثه بما يبين بطلان ذلك القول . فيكون
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار : إن كان قال ذلك متأولا فقد رجع عنه حين بين له
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه أنه
[65] قول باطل .
[ ص: 234 ] فَصْلٌ
وَلَمَّا قَالَ السَّلَفُ :
nindex.php?page=treesubj&link=10036_19098إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَسَبَّهُمُ الرَّافِضَةُ [1] ، كَانَ هَذَا كَلَامًا حَقًّا . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=666166nindex.php?page=treesubj&link=28833_10036لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي "
[2] يَقْتَضِي تَحْرِيمَ سَبِّهِمْ ، مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاسْتِغْفَارِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالنَّهْيِ عَنْ سَبِّهِمْ عَامٌّ .
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=655584سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ "
[3] . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [ سُورَةُ الْحُجُرَاتِ : 11 ] فَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=32520_19041_32534نَهَى عَنِ السُّخْرِيَةِ وَاللَّمْزِ وَالتَّنَابُزِ بِالْأَلْقَابِ .
وَاللَّمْزُ : الْعَيْبُ وَالطَّعْنُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=58وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ [ سُورَةُ التَّوْبَةِ : 58 ] أَيْ يَعِيبُكَ وَيَطْعَنُ عَلَيْكَ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=79الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ [ سُورَةُ التَّوْبَةِ : 79 ] وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=11وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ [ سُورَةُ الْحُجُرَاتِ : 49 ] أَيْ لَا يَلْمِزْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=12لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا [ سُورَةُ النُّورِ : 12 ]
[ ص: 235 ] وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=54فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 54 ] وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=104&ayano=1وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الْآيَةَ [ سُورَةُ الْهُمَزَةِ : 1 ] وَالْهَمْزُ : الْعَيْبُ
[4] وَالطَّعْنُ بِشِدَّةٍ وَعُنْفٍ ، وَمِنْهُ هَمَزَ الْأَرْضَ بِعَقِبِهِ ، وَمِنْهُ الْهَمْزَةُ وَهِيَ نَبْرَةٌ مِنَ الصَّدْرِ .
وَأَمَّا الِاسْتِغْفَارُ لِلْمُؤْمِنِينَ عُمُومًا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=19وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [ سُورَةُ مُحَمَّدٍ : 19 ] .
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالصَّلَاةِ عَلَى مَنْ يَمُوتُ . وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَغْفِرُ لِلْمُنَافِقِينَ حَتَّى نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ
[5] .
nindex.php?page=treesubj&link=29492فَكُلُّ مُسْلِمٍ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مُنَافِقٌ جَازَ الِاسْتِغْفَارُ لَهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ بِدَعَةٌ أَوْ فِسْقٌ ، لَكِنْ لَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ . وَإِذَا كَانَ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّاعِي إِلَى الْبِدْعَةِ وَالْمُظْهِرِ لِلْفُجُورِ مَصْلَحَةٌ مِنْ جِهَةِ انْزِجَارِ النَّاسِ ، فَالْكَفُّ عَنِ الصَّلَاةِ كَانَ مَشْرُوعًا لِمَنْ كَانَ
[6] يُؤْثِرُ تَرْكَ صَلَاتِهِ فِي الزَّجْرِ بِأَنْ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ . كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ :
[ ص: 236 ] "
nindex.php?page=hadith&LINKID=652127صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ "
[7] وَكَذَلِكَ قَالَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=32910الْغَالِّ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=652127صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ "
[8] وَقَدْ قِيلَ
لِسُمْرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ : إِنَّ ابْنَكَ لَمْ يَنَمِ الْبَارِحَةَ . فَقَالَ : أَبَشَمًا
[9] ؟ قَالُوا : بَشَمًا . قَالَ : لَوْ مَاتَ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْهِ . يَعْنِي : لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ قَتَلَ نَفْسَهُ .
وَلِلْعُلَمَاءِ هُنَا نِزَاعٌ : هَلْ يُتْرَكُ
[10] الصَّلَاةُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْإِمَامِ
[11] فَقَطْ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=652127صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ " ؟ أَمْ هَذَا التَّرْكُ يَخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ أَمْ مَشْرُوعٌ لِمَنْ تُطْلَبُ صلَاتُهُ ؟ وَهَلِ الْإِمَامُ هُوَ الْخَلِيفَةُ أَوِ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ ؟ وَهَلْ هَذَا مُخْتَصٌّ بِهَذَيْنِ أَمْ هُوَ ثَابِتٌ لِغَيْرِهِمَا ؟ فَهَذِهِ كُلُّهَا مَسَائِلٌ تُذْكَرُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
لَكِنْ بِكُلِّ حَالٍ الْمُسْلِمُونَ الْمُظْهِرُونَ لِلْإِسْلَامِ قِسْمَانِ : إِمَّا مُؤْمِنٌ ،
[ ص: 237 ] وَإِمَّا مُنَافِقٌ .
nindex.php?page=treesubj&link=32907فَمَنْ عُلِمَ نِفَاقُهُ لَمْ تَجُزِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُ . وَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ مِنْهُ
[12] صُلِّيَ عَلَيْهِ . وَإِذَا عَلِمَ شَخْصٌ نِفَاقَ شَخْصٍ لَمْ يُصَلِّ هُوَ عَلَيْهِ ، وَصَلَّى
[13] عَلَيْهِ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ نِفَاقَهُ .
وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةُ ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ قَدْ عَرَفَ الْمُنَافِقِينَ ، الَّذِينَ عَزَمُوا عَلَى الْفَتْكِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ عُقُوبَةِ الْإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا عَلَى ذَنْبِهِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُ ; فَإِنَّ الزَّانِيَ وَالسَّارِقَ وَالشَّارِبَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْعُصَاةِ تُقَامُ عَلَيْهِمُ الْحُدُودُ ، وَمَعَ هَذَا فَيُحْسَنُ إِلَيْهِمْ
[14] بِالدُّعَاءِ لَهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ; فَإِنَّ الْعُقُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةَ إِنَّمَا شُرِعَتْ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ بِعِبَادِهِ ، فَهِيَ صَادِرَةٌ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ
[15] وَإِرَادَةِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ
[16] .
وَلِهَذَا يَنْبَغِي لِمَنْ يُعَاقِبُ النَّاسَ عَلَى الذُّنُوبِ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ الْإِحْسَانَ إِلَيْهِمْ وَالرَّحْمَةَ لَهُمْ ، كَمَا يَقْصِدُ الْوَالِدُ تَأْدِيبَ وَلَدِهِ ، وَكَمَا يَقْصِدُ الطَّبِيبُ مُعَالَجَةَ الْمَرِيضِ ; فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=671930إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ "
[17] . . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=6النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [ سُورَةُ الْأَحْزَابِ : 6 ]
[ ص: 238 ] وَفِي قِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيٍّ : وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ
[18] . وَالْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ : فَإِنَّ نِسَاءَهُ إِنَّمَا كُنَّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ تَبَعًا لَهُ ، فَلَوْلَا أَنَّهُ كَالْأَبِ لَمْ يَكُنْ نِسَاؤُهُ كَالْأُمَّهَاتِ . وَالْأَنْبِيَاءُ أَطِبَّاءُ الدِّينِ ، وَالْقُرْآنُ أَنْزَلَهُ اللَّهُ شِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ ، فَالَّذِي يُعَاقِبُ النَّاسَ عُقُوبَةً شَرْعِيَّةً إِنَّمَا هُوَ نَائِبٌ عَنْهُ
[19] وَخَلِيفَةٌ لَهُ ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا يَفْعَلُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَ .
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ : 110 ] قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ : كُنْتُمْ خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ
[20] تَأْتُونَ بِهِمْ فِي الْأَقْيَادِ وَالسَّلَاسِلِ تُدْخِلُونَهُمُ الْجَنَّةَ
[21] . أَخْبَرَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ خَيْرُ الْأُمَمِ لِبَنِي آدَمَ : فَإِنَّهُمْ يُعَاقِبُونَهُمْ بِالْقَتْلِ
[22] وَالْأَسْرِ ، وَمَقْصُودُهُمْ بِذَلِكَ الْإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ ، وَسَوْقُهُمْ إِلَى كَرَامَةِ
[ ص: 239 ] اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ ، وَإِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ .
وَهَكَذَا الرَّدُّ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ
الرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ : إِنْ لَمْ يَقْصِدْ فِيهِ بَيَانَ الْحَقِّ وَهُدَى الْخَلْقِ وَرَحْمَتَهُمْ وَالْإِحْسَانَ إِلَيْهِمْ ، لَمْ يَكُنْ عَمَلُهُ صَالِحًا . وَإِذَا غَلَّظَ فِي ذَمِّ بِدْعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ
[23] كَانَ قَصْدُهُ بَيَانَ مَا فِيهَا مِنَ الْفَسَادِ لِيَحْذَرَهَا الْعِبَادُ ، كَمَا فِي نُصُوصِ الْوَعِيدِ وَغَيْرِهَا . وَقَدْ يُهْجَرُ الرَّجُلُ عُقُوبَةً وَتَعْزِيرًا ، وَالْمَقْصُودُ بِذَلِكَ رَدَعُهُ وَرَدَعُ أَمْثَالِهِ ، لِلرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ ، لَا لِلتَّشَفِّي وَالِانْتِقَامِ .
كَمَا هَجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ الثَّلَاثَةَ الَّذِي خُلِّفُوا لَمَّا جَاءَ الْمُتَخَلِّفُونَ عَنِ الْغُزَاةِ يَعْتَذِرُونَ وَيَحْلِفُونَ وَكَانُوا يَكْذِبُونَ . وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ صَدَقُوا وَعُوقِبُوا بِالْهَجْرِ ، ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِبَرَكَةِ الصِّدْقِ
[24] .
وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28832الذَّنْبَ لَا يُوجِبُ كُفْرَ صَاحِبِهِ ، كَمَا تَقُولُهُ الْخَوَارِجُ ، بَلْ وَلَا تَخْلِيدَهُ فِي النَّارِ وَمَنْعَ الشَّفَاعَةِ فِيهِ ، كَمَا يَقُولُهُ
الْمُعْتَزِلَةُ .
الثَّانِي أَنَّ الْمُتَأَوِّلَ الَّذِي قَصْدُهُ مُتَابَعَةُ الرَّسُولِ لَا يَكْفُرُ ، بَلْ
[25] وَلَا يَفْسُقُ إِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ . وَهَذَا مَشْهُورٌ عِنْدَ النَّاسِ فِي الْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ . وَأَمَّا مَسَائِلُ الْعَقَائِدِ فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ كَفَّرَ
[26] الْمُخْطِئِينَ فِيهَا .
وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُعَرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَلَا عَنْ
[27] أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَصْلِ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ
[ ص: 240 ] الْبِدَعِ ، الَّذِينَ يَبْتَدِعُونَ بِدْعَةً وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ ،
كَالْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ ، وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ ، كَبَعْضِ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ .
وَقَدْ يَسْلُكُونَ فِي التَّكْفِيرِ ذَلِكَ ; فَمِنْهُمْ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=20445يُكَفِّرُ أَهْلَ الْبِدَعِ مُطْلَقًا ، ثُمَّ يَجْعَلُ كُلَّ مَنْ خَرَجَ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ . وَهَذَا بِعَيْنِهِ قَوْلُ
الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ الْجَهْمِيَّةِ . وَهَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا يُوجَدُ
[28] فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ، وَلَيْسَ هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ
[29] وَلَا غَيْرِهِمْ
[30] ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ كَفَّرَ كُلَّ مُبْتَدِعٍ ، بَلِ الْمَنْقُولَاتُ الصَّرِيحَةُ عَنْهُمْ تُنَاقِضُ ذَلِكَ ، وَلَكِنْ قَدْ يُنْقَلُ عَنْ أَحَدِهِمْ
[31] أَنَّهُ كَفَّرَ مَنْ قَالَ بَعْضَ الْأَقْوَالِ ، وَيَكُونُ مَقْصُودُهُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كُفْرٌ لِيُحَذِّرَ ، وَلَا يَلْزَمُ إِذَا كَانَ الْقَوْلُ كُفْرًا أَنْ يَكَفِّرَ كُلَّ مَنْ قَالَهُ مَعَ الْجَهْلِ وَالتَّأْوِيلِ ; فَإِنَّ ثُبُوتَ الْكُفْرِ فِي حَقِّ الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ ، كَثُبُوتِ الْوَعِيدِ فِي الْآخِرَةِ فِي حَقِّهِ ، وَذَلِكَ لَهُ شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ ، كَمَا بَسَطْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ .
وَإِذَا لَمْ يَكُونُوا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كُفَّارًا لَمْ يَكُونُوا مُنَافِقِينَ ، فَيَكُونُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ وَيَتَرَحَّمُ عَلَيْهِمْ . وَإِذَا قَالَ الْمُؤْمِنُ
[32] :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=10رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ [ سُورَةُ الْحَشْرِ : 10 ] يَقْصِدُ كُلَّ
[33] مَنْ
[ ص: 241 ] سَبَقَهُ مِنْ قُرُونِ الْأُمَّةِ بِالْإِيمَانِ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْطَأَ فِي تَأْوِيلٍ تَأَوَّلَهُ فَخَالَفَ السُّنَّةَ ، أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا ، فَإِنَّهُ مِنْ إِخْوَانِهِ الَّذِينَ سَبَقُوهُ بِالْإِيمَانِ ، فَيَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الثِّنْتَيْنِ وَالسَبْعِينَ فِرْقَةً ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ فِرْقَةٍ إِلَّا وَفِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ لَيْسُوا كُفَّارًا ، بَلْ مُؤْمِنِينَ فِيهِمْ ضَلَالٌ وَذَنْبٌ يَسْتَحِقُّونَ بِهِ الْوَعِيدَ ، كَمَا يَسْتَحِقُّهُ عُصَاةَ الْمُؤْمِنِينَ .
وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخْرِجْهُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ ، بَلْ جَعَلَهُمْ مِنْ أُمَّتِهِ ، وَلَمْ يَقُلْ : إِنَّهُمْ يَخْلُدُونَ فِي النَّارِ . فَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهُ ; فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ فِيهِمْ بِدْعَةٌ ، مِنْ جِنْسِ بِدَعِ
الرَّافِضَةِ وَالْخَوَارِجِ . وَأَصْحَابُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرُهُ لَمْ يُكَفِّرُوا
الْخَوَارِجَ الَّذِينَ قَاتَلُوهُمْ ، بَلْ أَوَّلُ مَا خَرَجُوا عَلَيْهِ وَتَحَيَّزُوا بِحَرُورَاءَ ، وَخَرَجُوا عَنِ الطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَةِ ، قَالَ لَهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنَّ لَكُمْ عَلَيْنَا أَنْ لَا نَمْنَعَكُمْ مَسَاجِدَنَا
[34] وَلَا حَقَّكُمْ مِنَ الْفَيْءِ . ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ فَنَاظَرَهُمْ فَرَجَعَ نَحْوُ نِصْفِهِمْ ، ثُمَّ قَاتَلَ الْبَاقِيَ وَغَلَبَهُمْ ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَسْبِ لَهُمْ ذُرِّيَّةً ، وَلَا غَنِمَ لَهُمْ مَالًا ، وَلَا سَارَ فِيهِمْ سِيرَةَ الصَّحَابَةِ فِي الْمُرْتَدِّينَ ،
كَمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَأَمْثَالِهِ ، بَلْ كَانَتْ سِيرَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ وَالصَّحَابَةِ فِي
الْخَوَارِجِ مُخَالِفَةً لِسِيرَةِ الصَّحَابَةِ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ ، وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ ذَلِكَ ، فَعُلِمَ اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُرْتَدِّينَ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ
[35] .
قَالَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=17032مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ [36] : " وَقَدْ وَلِيَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
[ ص: 242 ] قِتَالَ أَهْلِ الْبَغْيِ ، وَرَوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ مَا رَوَى ، وَسَمَّاهُمْ مُؤْمِنِينَ ، وَحَكَمَ فِيهِمْ بِأَحْكَامِ الْمُؤْمِنِينَ . وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ " .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17032مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ أَيْضًا : " حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12418إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17294يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، عَنْ
مُفَضَّلٍ [37] بْنِ مُهَلْهَلٍ ، عَنِ
الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16836قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16243طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ : " كُنْتُ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ حِينَ فَرَغَ مِنْ قِتَالِ
أَهْلِ النَّهْرَوَانِ ، فَقِيلَ لَهُ : أَمُشْرَكُونَ هُمْ ؟ قَالَ : مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا . فَقِيلَ : فَمُنَافِقُونَ
[38] ؟ قَالَ : الْمُنَافِقُونَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا . قِيلَ : فَمَا هُمْ ؟ قَالَ : قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ " .
( * وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17032مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ أَيْضًا : " حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ ، عَنْ
مِسْعَرٍ ، عَنْ
عَامِرِ بْنِ سُفْيَانَ [39] ، عَنْ
أَبِي وَائِلٍ ، قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : مَنْ دُعِيَ
[40] إِلَى الْبَغْلَةِ الشَّهْبَاءِ يَوْمَ قُتِلَ الْمُشْرِكُونَ ؟ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ : مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا . قَالَ : الْمُنَافِقُونَ ؟ قَالَ : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا . قَالَ : فَمَا هُمْ ؟ قَالَ : قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ فَنَصَرَنَا عَلَيْهِمْ .
قَالَ : حَدَّثَنَا
[41] إِسْحَاقُ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ عَنْ
أَبِي خَالِدَةَ [42] ، عَنْ
[ ص: 243 ] حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالُوا
nindex.php?page=showalam&ids=8لِعَلِيٍّ حِينَ قَتَلَ
أَهْلَ النَّهْرَوَانِ : أَمُشْرِكُونَ هُمْ ؟ قَالَ : مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا . قِيلَ : فَمُنَافِقُونَ ؟ قَالَ : الْمُنَافِقُونَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا . قِيلَ : فَمَا هُمْ ؟ قَالَ : قَوْمٌ حَارَبُونَا فَحَارَبْنَاهُمْ وَقَاتَلُونَا فَقَاتَلْنَاهُمْ * )
[43] .
قُلْتُ : الْحَدِيثُ
[44] الْأَوَّلُ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحَانِ فِي أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا قَالَ هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28832الْقَوْلَ فِي الْخَوَارِجِ الْحَرُورِيَّةِ أَهْلِ النَّهَرَوَانِ ، الَّذِينَ اسْتَفَاضَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَمِّهِمْ وَالْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ ، وَهُمْ يُكَفِّرُونَ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيًّا وَمَنْ تَوَلَّاهُمَا ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ كَانَ عِنْدَهُمْ كَافِرًا وَدَارُهُمْ دَارُ كُفْرٍ ، فَإِنَّمَا دَارُ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُمْ هِيَ دَارُهُمْ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13711الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُ : "
nindex.php?page=treesubj&link=28832أَجْمَعَتِ الْخَوَارِجُ عَلَى تَكْفِيرِ nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
[45] " . وَمَعَ هَذَا
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ قَاتَلَهُمْ لَمَّا بَدَءُوهُ بِالْقِتَالِ فَقَتَلُوا
عَبْدَ اللَّهَ بْنَ خَبَّابٍ ، وَطَلَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ مِنْهُمْ قَاتِلَهُ ، فَقَالُوا : كُلُّنَا قَتَلَهُ ، وَأَغَارُوا عَلَى مَاشِيَةِ النَّاسِ
[46] . وَلِهَذَا قَالَ فِيهِمْ : " قَوْمٌ قَاتَلُونَا فَقَاتَلْنَاهُمْ ، وَحَارَبُونَا فَحَارَبْنَاهُمْ " وَقَالَ : " قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ " .
وَقَدِ اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَهُمْ عَلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ ; فَإِنَّهُمْ بُغَاةٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ، سِوَى مَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى مَذْهَبِهِمْ ، وَهُمْ يَبْدَءُونَ الْمُسْلِمِينَ بِالْقِتَالِ ، وَلَا يَنْدَفِعُ شَرُّهُمْ إِلَّا بِالْقِتَالِ ; فَكَانُوا أَضَرَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ . فَإِنَّ أُولَئِكَ إِنَّمَا مَقْصُودُهُمُ الْمَالُ ، ( * فَلَوْ
[ ص: 244 ] أُعْطُوهُ لَمْ يُقَاتِلُوا ، وَإِنَّمَا يَتَعَرَّضُونَ لِبَعْضِ النَّاسِ * )
[47] وَهَؤُلَاءِ يُقَاتِلُونَ النَّاسَ عَلَى الدِّينِ حَتَّى يَرْجِعُوا عَمَّا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ إِلَى مَا ابْتَدَعَهُ هَؤُلَاءِ بِتَأْوِيلِهِمُ الْبَاطِلِ وَفَهْمِهِمُ الْفَاسِدِ لِلْقُرْآنِ . وَمَعَ هَذَا فَقَدَ صَرَّحَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ لَيْسُوا كُفَّارًا وَلَا مُنَافِقِينَ .
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا كَانَ يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11812كَأَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيِّ وَمَنِ اتَّبَعَهُ ، يَقُولُونَ : " لَا نُكَفِّرُ إِلَّا مَنْ يَكْفُرُ "
[48] فَإِنَّ الْكُفْرَ لَيْسَ حَقًّا لَهُمْ ، بَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ
[49] ، وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى مَنْ يَكْذِبُ
[50] عَلَيْهِ ، وَلَا يَفْعَلُ الْفَاحِشَةَ بِأَهْلِ مَنْ فَعَلَ الْفَاحِشَةَ بِأَهْلِهِ ، بَلْ وَلَوِ اسْتَكْرَهَهُ رَجُلٌ عَلَى اللِّوَاطَةِ
[51] ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَكْرِهَهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَوْ قَتَلَهُ بِتَجْرِيعِ خَمْرٍ أَوْ تَلَوَّطَ بِهِ
[52] لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ
[53] ، لِأَنَّ هَذَا حَرَامٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى . وَلَوْ سَبَّ
النَّصَارَى نَبِيَّنَا ، لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنَّ نَسُبَّ
الْمَسِيحَ .
وَالرَّافِضَةُ إِذَا كَفَّرُوا
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرَ ، فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نُكَفِّرَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا . وَحَدِيثُ
أَبِي وَائِلٍ يُوَافِقُ ذَيْنَكَ الْحَدِيثَيْنِ . فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ يَوْمُ
النَّهْرَوَانِ أَيْضًا . وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي أَهْلِ الْجَمَلِ
وَصِفِّينَ قَوْلٌ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12418إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ : حَدَّثَنَا
أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15639جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعَ عَلِيًّ يَوْمَ الْجَمَلِ أَوْ يَوْمَ
[54] صِفِّينَ رَجُلًا يَغْلُو فِي الْقَوْلِ ، فَقَالَ :
[ ص: 245 ] لَا تَقُولُوا إِلَّا خَيْرًا ، إِنَّمَا هُمْ قَوْمٌ زَعَمُوا إِنَّا بَغَيْنَا عَلَيْهِمْ ، وَزَعَمْنَا أَنَّهُمْ بَغُوا عَلَيْنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ . فَذُكِرَ
لِأَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُمُ السِّلَاحَ . فَقَالَ : مَا كَانَ أَغْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17032مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ، حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ ، عَنْ
مَكْحُولٍ : أَنَّ أَصْحَابَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ سَأَلُوهُ عَمَّنْ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةَ مَا هُمْ ؟ قَالَ : هُمْ مُؤْمِنُونَ
[55] . وَبِهِ قَالَ
أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ
عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ ، قَالَ : مَرَّ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ وَهُوَ مُتَّكِئٌ
[56] عَلَى
الْأَشْتَرِ عَلَى قَتْلَى
صِفِّينَ ، فَإِذَا
حَابِسٌ الْيَمَانِيُّ مَقْتُولٌ ، فَقَالَ
الْأَشْتَرُ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، هَذَا
حَابِسٌ الْيَمَانِيُّ مَعَهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، عَلَيْهِ عَلَامَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةَ ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ عَهِدْتُهُ
[57] مُؤْمِنًا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ : وَالْآنَ هُوَ مُؤْمِنٌ .
قَالَ : وَكَانَ
حَابِسٌ رَجُلًا مِنْ
أَهْلِ الْيَمَنِ ، مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَالِاجْتِهَادِ .
قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا
مُخْتَارُ بْنُ نَافِعٍ ، عَنْ
أَبِي مَطَرٍ ، قَالَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ : مَتَى يَنْبَعِثُ أَشْقَاهَا ؟ قِيلَ : مَنْ أَشْقَاهَا ؟ قَالَ : الَّذِي يَقْتُلُنِي . فَضَرَبَهُ
ابْنُ مُلْجَمٍ بِالسَّيْفِ فَوَقَعَ بِرَأْسِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ بِقَتْلِهِ . فَقَالَ : لَا تَقْتُلُوا الرَّجُلَ ، فَإِنْ بَرِئْتُ فَالْجُرُوحُ قِصَاصٌ ، وَإِنْ مِتُّ فَاقْتُلُوهُ . فَقَالَ : إِنَّكَ مَيِّتٌ . قَالَ : وَمَا يُدْرِيكَ ؟ قَالَ : كَانَ سَيْفِي مَسْمُومًا
[58] .
[ ص: 246 ] وَبِهِ قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ [59] ، حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ وَهُوَ ابْنُ الْحَكَمِ النَّخَعِيُّ عَنْ
رَبَاحِ [60] بْنِ الْحَارِثِ [61] ، قَالَ : إِنَّا لَبِوَادٍ ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَكَادُ تَمَسُّ
[62] رُكْبَةَ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ فَقَالَ : كَفَرَ وَاللَّهِ
أَهْلُ الشَّامِ [63] . فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارٌ : لَا تَقُلْ ذَلِكَ ، فَقِبْلَتُنَا وَاحِدَةٌ ، وَنَبِيُّنَا وَاحِدٌ ، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ مَفْتُونُونَ ، فَحَقَّ عَلَيْنَا قِتَالُهُمْ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الْحَقِّ .
وَبِهِ قَالَ
ابْنُ يَحْيَى ، حَدَّثَنَا
قَبِيصَةُ ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ ، عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ
رَبَاحِ [64] بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، قَالَ : دِينُنَا وَاحِدٌ ، وَقِبْلَتُنَا وَاحِدَةٌ ، وَدَعْوَتُنَا وَاحِدَةٌ ، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ . قَالَ
ابْنُ يَحْيَى : حَدَّثَنَا
يَعْلَى ، حَدَّثَنَا
مِسْعَرُ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ ، عَنْ
رَبَاحِ بْنِ الْحَارِثِ ، قَالَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ : لَا تَقُولُوا كَفَرَ
أَهْلُ الشَّامِ ، قُولُوا : فَسَقُوا ، قُولُوا : ظَلَمُوا .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17032مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ : " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ الَّذِي رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، أَنَّهُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=7لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ : هُوَ كَافِرٌ ، خَبَرٌ بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ ، لِأَنَّهُ إِذَا أَنْكَرَ كُفْرَ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةَ ، وَهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ فِي دَمِ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ ، فَهُوَ لِتَكْفِيرِ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ أَشَدُّ إِنْكَارًا " .
قُلْتُ : وَالْمَرْوِيُّ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارٍ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ ، أَنْكَرَ عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ [ ص: 247 ] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَقَالَ : أَتَكْفُرُ بِرَبٍّ آمَنَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانُ ؟ وَحَدَّثَهُ بِمَا يُبَيِّنَ بُطْلَانَ ذَلِكَ الْقَوْلِ . فَيَكُونُ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارٌ : إِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا فَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ حِينَ بَيَّنَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ
[65] قَوْلٌ بَاطِلٌ .