الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  [ ص: 234 ] فصل

                  ولما قال السلف : إن الله أمر بالاستغفار لأصحاب محمد فسبهم الرافضة  [1] ، كان هذا كلاما حقا . وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح : " لا تسبوا أصحابي   " [2] يقتضي تحريم سبهم ، مع أن الأمر بالاستغفار للمؤمنين والنهي عن سبهم عام .

                  ففي الصحيحين عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " [3] . وقد قال تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون [ سورة الحجرات : 11 ] فقد نهى عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب   .

                  واللمز : العيب والطعن ، ومنه قوله تعالى : ومنهم من يلمزك في الصدقات [ سورة التوبة : 58 ] أي يعيبك ويطعن عليك ، وقوله : الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات [ سورة التوبة : 79 ] وقوله : ولا تلمزوا أنفسكم [ سورة الحجرات : 49 ] أي لا يلمز بعضكم بعضا كقوله : لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا [ سورة النور : 12 ] [ ص: 235 ] وقوله : فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم [ سورة البقرة : 54 ] وقد قال تعالى : ويل لكل همزة لمزة الآية [ سورة الهمزة : 1 ] والهمز : العيب [4] والطعن بشدة وعنف ، ومنه همز الأرض بعقبه ، ومنه الهمزة وهي نبرة من الصدر .

                  وأما الاستغفار للمؤمنين عموما فقد قال تعالى : واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات [ سورة محمد : 19 ] .

                  وقد أمر الله بالصلاة على من يموت . وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستغفر للمنافقين حتى نهي عن ذلك [5] . فكل مسلم لم يعلم أنه منافق جاز الاستغفار له  والصلاة عليه ، وإن كان فيه بدعة أو فسق ، لكن لا يجب على كل أحد أن يصلي عليه . وإذا كان في ترك الصلاة على الداعي إلى البدعة والمظهر للفجور مصلحة من جهة انزجار الناس ، فالكف عن الصلاة كان مشروعا لمن كان [6] يؤثر ترك صلاته في الزجر بأن لا يصلى عليه . كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن قتل نفسه : [ ص: 236 ] " صلوا على صاحبكم " [7] وكذلك قال في الغال   : " صلوا على صاحبكم " [8] وقد قيل لسمرة بن جندب : إن ابنك لم ينم البارحة . فقال : أبشما [9] ؟ قالوا : بشما . قال : لو مات لم أصل عليه . يعني : لأنه يكون قد قتل نفسه .

                  وللعلماء هنا نزاع : هل يترك [10] الصلاة على مثل هذا الإمام [11] فقط ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " صلوا على صاحبكم " ؟ أم هذا الترك يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ أم مشروع لمن تطلب صلاته ؟ وهل الإمام هو الخليفة أو الإمام الراتب ؟ وهل هذا مختص بهذين أم هو ثابت لغيرهما ؟ فهذه كلها مسائل تذكر في غير هذا الموضع .

                  لكن بكل حال المسلمون المظهرون للإسلام قسمان : إما مؤمن ، [ ص: 237 ] وإما منافق . فمن علم نفاقه لم تجز الصلاة عليه  والاستغفار له . ومن لم يعلم ذلك منه [12] صلي عليه . وإذا علم شخص نفاق شخص لم يصل هو عليه ، وصلى [13] عليه من لم يعلم نفاقه .

                  وكان عمر رضي الله عنه لا يصلي على من لم يصل عليه حذيفة ، لأنه كان في غزوة تبوك قد عرف المنافقين ، الذين عزموا على الفتك برسول الله - صلى الله عليه وسلم .

                  واعلم أنه لا منافاة بين عقوبة الإنسان في الدنيا على ذنبه وبين الصلاة عليه والاستغفار له ; فإن الزاني والسارق والشارب وغيرهم من العصاة تقام عليهم الحدود ، ومع هذا فيحسن إليهم [14] بالدعاء لهم في دينهم ودنياهم ; فإن العقوبات الشرعية إنما شرعت رحمة من الله بعباده ، فهي صادرة عن رحمة الله [15] وإرادة الإحسان إليهم [16] .

                  ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على الذنوب أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة لهم ، كما يقصد الوالد تأديب ولده ، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض ; فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما أنا لكم بمنزلة الوالد " [17] . . وقد قال تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم [ سورة الأحزاب : 6 ] [ ص: 238 ] وفي قراءة أبي : وهو أب لهم [18] . والقراءة المشهورة تدل على ذلك : فإن نساءه إنما كن أمهات المؤمنين تبعا له ، فلولا أنه كالأب لم يكن نساؤه كالأمهات . والأنبياء أطباء الدين ، والقرآن أنزله الله شفاء لما في الصدور ، فالذي يعاقب الناس عقوبة شرعية إنما هو نائب عنه [19] وخليفة له ، فعليه أن يفعل كما يفعل على الوجه الذي فعل .

                  ولهذا قال تعالى : كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله [ سورة آل عمران : 110 ] قال أبو هريرة : كنتم خير الناس للناس [20] تأتون بهم في الأقياد والسلاسل تدخلونهم الجنة [21] . أخبر أن هذه الأمة خير الأمم لبني آدم : فإنهم يعاقبونهم بالقتل [22] والأسر ، ومقصودهم بذلك الإحسان إليهم ، وسوقهم إلى كرامة [ ص: 239 ] الله ورضوانه ، وإلى دخول الجنة .

                  وهكذا الرد على أهل البدع من الرافضة وغيرهم : إن لم يقصد فيه بيان الحق وهدى الخلق ورحمتهم والإحسان إليهم ، لم يكن عمله صالحا . وإذا غلظ في ذم بدعة ومعصية [23] كان قصده بيان ما فيها من الفساد ليحذرها العباد ، كما في نصوص الوعيد وغيرها . وقد يهجر الرجل عقوبة وتعزيرا ، والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله ، للرحمة والإحسان ، لا للتشفي والانتقام .

                  كما هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه الثلاثة الذي خلفوا لما جاء المتخلفون عن الغزاة يعتذرون ويحلفون وكانوا يكذبون . وهؤلاء الثلاثة صدقوا وعوقبوا بالهجر ، ثم تاب الله عليهم ببركة الصدق [24] .

                  وهذا مبني على مسألتين : إحداهما : أن الذنب لا يوجب كفر صاحبه ، كما تقوله الخوارج  ، بل ولا تخليده في النار ومنع الشفاعة فيه ، كما يقوله المعتزلة .

                  الثاني أن المتأول الذي قصده متابعة الرسول لا يكفر ، بل [25] ولا يفسق إذا اجتهد فأخطأ . وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية . وأما مسائل العقائد فكثير من الناس كفر [26] المخطئين فيها .

                  وهذا القول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، ولا عن [27] أحد من أئمة المسلمين ، وإنما هو في الأصل من أقوال أهل [ ص: 240 ] البدع ، الذين يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم ، كالخوارج والمعتزلة والجهمية ، ووقع ذلك في كثير من أتباع الأئمة ، كبعض أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم .

                  وقد يسلكون في التكفير ذلك ; فمنهم من يكفر أهل البدع  مطلقا ، ثم يجعل كل من خرج عما هو عليه من أهل البدع . وهذا بعينه قول الخوارج والمعتزلة الجهمية . وهذا القول أيضا يوجد [28] في طائفة من أصحاب الأئمة الأربعة ، وليس هو قول الأئمة الأربعة [29] ولا غيرهم [30] ، وليس فيهم من كفر كل مبتدع ، بل المنقولات الصريحة عنهم تناقض ذلك ، ولكن قد ينقل عن أحدهم [31] أنه كفر من قال بعض الأقوال ، ويكون مقصوده أن هذا القول كفر ليحذر ، ولا يلزم إذا كان القول كفرا أن يكفر كل من قاله مع الجهل والتأويل ; فإن ثبوت الكفر في حق الشخص المعين ، كثبوت الوعيد في الآخرة في حقه ، وذلك له شروط وموانع ، كما بسطناه في موضعه .

                  وإذا لم يكونوا في نفس الأمر كفارا لم يكونوا منافقين ، فيكونون من المؤمنين ، فيستغفر لهم ويترحم عليهم . وإذا قال المؤمن [32] : ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان [ سورة الحشر : 10 ] يقصد كل [33] من [ ص: 241 ] سبقه من قرون الأمة بالإيمان ، وإن كان قد أخطأ في تأويل تأوله فخالف السنة ، أو أذنب ذنبا ، فإنه من إخوانه الذين سبقوه بالإيمان ، فيدخل في العموم ، وإن كان من الثنتين والسبعين فرقة ، فإنه ما من فرقة إلا وفيها خلق كثير ليسوا كفارا ، بل مؤمنين فيهم ضلال وذنب يستحقون به الوعيد ، كما يستحقه عصاة المؤمنين .

                  والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخرجهم من الإسلام ، بل جعلهم من أمته ، ولم يقل : إنهم يخلدون في النار . فهذا أصل عظيم ينبغي مراعاته ; فإن كثيرا من المنتسبين إلى السنة فيهم بدعة ، من جنس بدع الرافضة والخوارج . وأصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب وغيره لم يكفروا الخوارج الذين قاتلوهم ، بل أول ما خرجوا عليه وتحيزوا بحروراء ، وخرجوا عن الطاعة والجماعة ، قال لهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إن لكم علينا أن لا نمنعكم مساجدنا [34] ولا حقكم من الفيء . ثم أرسل إليهم ابن عباس فناظرهم فرجع نحو نصفهم ، ثم قاتل الباقي وغلبهم ، ومع هذا لم يسب لهم ذرية ، ولا غنم لهم مالا ، ولا سار فيهم سيرة الصحابة في المرتدين ، كمسيلمة الكذاب وأمثاله ، بل كانت سيرة علي والصحابة في الخوارج مخالفة لسيرة الصحابة في أهل الردة ، ولم ينكر أحد على علي ذلك ، فعلم اتفاق الصحابة على أنهم لم يكونوا مرتدين عن دين الإسلام [35] .

                  قال الإمام محمد بن نصر المروزي [36] : " وقد ولي علي رضي الله عنه [ ص: 242 ] قتال أهل البغي ، وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم ما روى ، وسماهم مؤمنين ، وحكم فيهم بأحكام المؤمنين . وكذلك عمار بن ياسر " .

                  وقال محمد بن نصر أيضا : " حدثنا إسحاق بن راهويه ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن مفضل [37] بن مهلهل ، عن الشيباني ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال : " كنت عند علي حين فرغ من قتال أهل النهروان ، فقيل له : أمشركون هم ؟ قال : من الشرك فروا . فقيل : فمنافقون [38] ؟ قال : المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا . قيل : فما هم ؟ قال : قوم بغوا علينا فقاتلناهم " .

                  ( * وقال محمد بن نصر أيضا : " حدثنا إسحاق حدثنا وكيع ، عن مسعر ، عن عامر بن سفيان [39] ، عن أبي وائل ، قال : قال رجل : من دعي [40] إلى البغلة الشهباء يوم قتل المشركون ؟ فقال علي : من الشرك فروا . قال : المنافقون ؟ قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا . قال : فما هم ؟ قال : قوم بغوا علينا فقاتلناهم فنصرنا عليهم .

                  قال : حدثنا [41] إسحاق ، حدثنا وكيع عن أبي خالدة [42] ، عن [ ص: 243 ] حكيم بن جابر ، قال : قالوا لعلي حين قتل أهل النهروان : أمشركون هم ؟ قال : من الشرك فروا . قيل : فمنافقون ؟ قال : المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا . قيل : فما هم ؟ قال : قوم حاربونا فحاربناهم وقاتلونا فقاتلناهم * ) [43] .

                  قلت : الحديث [44] الأول وهذا الحديث صريحان في أن عليا قال هذا القول في الخوارج الحرورية أهل النهروان  ، الذين استفاضت الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذمهم والأمر بقتالهم ، وهم يكفرون عثمان وعليا ومن تولاهما ، فمن لم يكن معهم كان عندهم كافرا ودارهم دار كفر ، فإنما دار الإسلام عندهم هي دارهم .

                  قال الأشعري وغيره : " أجمعت الخوارج على تكفير علي بن أبي طالب  رضي الله عنه [45] " . ومع هذا علي قاتلهم لما بدءوه بالقتال فقتلوا عبد الله بن خباب ، وطلب علي منهم قاتله ، فقالوا : كلنا قتله ، وأغاروا على ماشية الناس [46] . ولهذا قال فيهم : " قوم قاتلونا فقاتلناهم ، وحاربونا فحاربناهم " وقال : " قوم بغوا علينا فقاتلناهم " .

                  وقد اتفق الصحابة والعلماء بعدهم على قتال هؤلاء ; فإنهم بغاة على جميع المسلمين ، سوى من وافقهم على مذهبهم ، وهم يبدءون المسلمين بالقتال ، ولا يندفع شرهم إلا بالقتال ; فكانوا أضر على المسلمين من قطاع الطريق . فإن أولئك إنما مقصودهم المال ، ( * فلو [ ص: 244 ] أعطوه لم يقاتلوا ، وإنما يتعرضون لبعض الناس * ) [47] وهؤلاء يقاتلون الناس على الدين حتى يرجعوا عما ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة إلى ما ابتدعه هؤلاء بتأويلهم الباطل وفهمهم الفاسد للقرآن . ومع هذا فقد صرح علي رضي الله عنه بأنهم مؤمنون ليسوا كفارا ولا منافقين .

                  وهذا بخلاف ما كان يقوله بعض الناس ، كأبي إسحاق الإسفراييني ومن اتبعه ، يقولون : " لا نكفر إلا من يكفر " [48] فإن الكفر ليس حقا لهم ، بل هو حق لله [49] ، وليس للإنسان أن يكذب على من يكذب [50] عليه ، ولا يفعل الفاحشة بأهل من فعل الفاحشة بأهله ، بل ولو استكرهه رجل على اللواطة [51] ، لم يكن له أن يستكرهه على ذلك ، ولو قتله بتجريع خمر أو تلوط به [52] لم يجز قتله بمثل ذلك [53] ، لأن هذا حرام لحق الله تعالى . ولو سب النصارى نبينا ، لم يكن لنا أن نسب المسيح .

                  والرافضة إذا كفروا أبا بكر وعمر ، فليس لنا أن نكفر عليا . وحديث أبي وائل يوافق ذينك الحديثين . فالظاهر أنه كان يوم النهروان أيضا . وقد روي عنه في أهل الجمل وصفين قول أحسن من هذا . قال إسحاق بن راهويه : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : سمع علي يوم الجمل أو يوم [54] صفين رجلا يغلو في القول ، فقال : [ ص: 245 ] لا تقولوا إلا خيرا ، إنما هم قوم زعموا إنا بغينا عليهم ، وزعمنا أنهم بغوا علينا فقاتلناهم . فذكر لأبي جعفر أنه أخذ منهم السلاح . فقال : ما كان أغناه عن ذلك .

                  وقال محمد بن نصر : حدثنا محمد بن يحيى ، حدثنا أحمد بن خالد ، حدثنا محمد بن راشد ، عن مكحول : أن أصحاب علي سألوه عمن قتل من أصحاب معاوية ما هم ؟ قال : هم مؤمنون [55] . وبه قال أحمد بن خالد ، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن عبد الواحد بن أبي عون ، قال : مر علي وهو متكئ [56] على الأشتر على قتلى صفين ، فإذا حابس اليماني مقتول ، فقال الأشتر : إنا لله وإنا إليه راجعون ، هذا حابس اليماني معهم يا أمير المؤمنين ، عليه علامة معاوية ، أما والله لقد عهدته [57] مؤمنا . قال علي : والآن هو مؤمن .

                  قال : وكان حابس رجلا من أهل اليمن ، من أهل العبادة والاجتهاد .

                  قال محمد بن يحيى : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا مختار بن نافع ، عن أبي مطر ، قال : قال علي : متى ينبعث أشقاها ؟ قيل : من أشقاها ؟ قال : الذي يقتلني . فضربه ابن ملجم بالسيف فوقع برأس علي رضي الله عنه ، وهم المسلمون بقتله . فقال : لا تقتلوا الرجل ، فإن برئت فالجروح قصاص ، وإن مت فاقتلوه . فقال : إنك ميت . قال : وما يدريك ؟ قال : كان سيفي مسموما [58] .

                  [ ص: 246 ] وبه قال محمد بن عبيد [59] ، حدثنا الحسن وهو ابن الحكم النخعي عن رباح [60] بن الحارث [61] ، قال : إنا لبواد ، وإن ركبتي لتكاد تمس [62] ركبة عمار بن ياسر ، إذ أقبل رجل فقال : كفر والله أهل الشام [63] . فقال عمار : لا تقل ذلك ، فقبلتنا واحدة ، ونبينا واحد ، ولكنهم قوم مفتونون ، فحق علينا قتالهم حتى يرجعوا إلى الحق .

                  وبه قال ابن يحيى ، حدثنا قبيصة ، حدثنا سفيان ، عن الحسن بن الحكم ، عن رباح [64] بن الحارث ، عن عمار بن ياسر ، قال : ديننا واحد ، وقبلتنا واحدة ، ودعوتنا واحدة ، ولكنهم قوم بغوا علينا فقاتلناهم . قال ابن يحيى : حدثنا يعلى ، حدثنا مسعر عن عبد الله بن رباح ، عن رباح بن الحارث ، قال : قال عمار بن ياسر : لا تقولوا كفر أهل الشام ، قولوا : فسقوا ، قولوا : ظلموا .

                  قال محمد بن نصر : " وهذا يدل على أن الخبر الذي روي عن عمار بن ياسر ، أنه قال لعثمان بن عفان : هو كافر ، خبر باطل لا يصح ، لأنه إذا أنكر كفر أصحاب معاوية ، وهم إنما كانوا يظهرون أنهم يقاتلون في دم عثمان ، فهو لتكفير عثمان أشد إنكارا " .

                  قلت : والمروي في حديث عمار أنه لما قال ذلك ، أنكر عليه علي [ ص: 247 ] رضي الله عنه . وقال : أتكفر برب آمن به عثمان ؟ وحدثه بما يبين بطلان ذلك القول . فيكون عمار : إن كان قال ذلك متأولا فقد رجع عنه حين بين له علي رضي الله عنه أنه [65] قول باطل .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية