[ ص: 331 ] ولهذا
nindex.php?page=treesubj&link=29404_29469_29550كان مشايخ الصوفية العارفون أهل الاستقامة يوصون كثيرا بمتابعة العلم ومتابعة الشرع ; لأن كثيرا منهم
nindex.php?page=treesubj&link=29542سلكوا في العبادة لله مجرد [1] محبة النفس وإراداتها وهواها ، من غير اعتصام بالعلم الذي جاء به الكتاب والسنة ، فضلوا بسبب ذلك ضلالا يشبه ضلال
النصارى .
ولهذا قال بعض الشيوخ - وهو
أبو عمرو بن نجيد [2] - : " كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل " ، وقال
سهل [3] : " كل عمل بلا اقتداء فهو عيش النفس ، وكل عمل باقتداء فهو عذاب على النفس " . وقال
أبو عثمان النيسابوري [4] : " من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق
[ ص: 332 ] بالحكمة ، ومن أمر الهوى على نفسه [ قولا وفعلا ]
[5] نطق بالبدعة ; لأن الله تعالى يقول
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=54وإن تطيعوه تهتدوا ) [ سورة النور : 54 ] " . وقال بعضهم : "
nindex.php?page=treesubj&link=29613ما ترك أحد شيئا من السنة إلا لكبر في نفسه " .
وهو كما قالوا ، فإنه إذا لم يكن متبعا للأمر الذي جاء به الرسول كان يعمل بإرادة نفسه ، فيكون متبعا لهواه بغير هدى من الله ، وهذا عيش النفس ، وهو من الكبر ، فإنه شعبة
[6] من قول الذين قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله ) [ سورة الأنعام : 124 ] .
nindex.php?page=treesubj&link=29404_29408وكثير من هؤلاء يظن أنه يصل برياضته واجتهاده في العبادة وتصفية نفسه إلى ما وصلت إليه الأنبياء ، من غير اتباع لطريقهم
[7] ، وفيهم طوائف يظنون أنهم صاروا أفضل من الأنبياء ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=29408_29464الولي [8] الذي يظنون هم أنه الولي أفضل من الأنبياء ، وفيهم
[9] من يقول : إن الأنبياء والرسل إنما يأخذون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء ، ويدعي في نفسه أنه خاتم الأولياء ، ويكون ذلك العلم هو حقيقة قول
فرعون : إن هذا
[ ص: 333 ] الوجود المشهود واجب بنفسه ، ليس له صانع مباين له . لكن هذا يقول : هو الله
[10] ،
وفرعون أظهر الإنكار بالكلية ، لكن كان
فرعون في الباطن أعرف منهم ، فإن كان مثبتا للصانع . وهؤلاء
nindex.php?page=treesubj&link=28660_28837ظنوا [11] أن الوجود المخلوق هو الوجود الخالق ، كما يقول ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12816ابن عربي وأمثاله من
الاتحادية [12] .
والمقصود ذكر من عدل عن العبادات التي شرعها الرسول ، إلى عبادات بإرادته وذوقه ووجده ومحبته وهواه ، وأنهم صاروا في أنواع من الضلال ، [ من جنس ضلال ]
[13] النصارى . ففيهم
nindex.php?page=treesubj&link=28660_29459_28837من يدعي إسقاط وساطة الأنبياء ، والوصول إلى الله بغير طريقهم ، ويدعي ما هو أفضل من النبوة ، ومنهم
nindex.php?page=treesubj&link=28837_28660من يدعي الاتحاد والحلول الخاص : إما لنفسه ، وإما لشيخه ، وإما لطائفته الواصلين
[14] ، إلى حقيقة التوحيد بزعمه
[15] .
وهذا قول
النصارى ،
والنصارى موصوفون بالغلو وكذلك هؤلاء
[ ص: 334 ] مبتدعة العباد الغلو فيهم وفي
الرافضة ، ولهذا يوجد في هذين الصنفين كثير ممن يدعي إما لنفسه وإما لشيخه [ الإلهية ]
[16] ، كما يدعيه كثير من
الإسماعيلية [17] لأئمتهم بني عبيد ، وكما يدعيه كثير من الغالية : إما
للاثنى عشر ، وإما لغيرهم من أهل البيت ومن غير أهل البيت ، كما تدعيه
النصيرية وغيرهم .
وكذلك في جنس المبتدعة الخارجين عن الكتاب والسنة من أهل التعبد [ والتأله ]
[18] والتصوف ، منهم طوائف من الغلاة يدعون الإلهية ، ودعوى ما هو فوق النبوة ، وإن كان متفلسفا يجوز وجود نبي بعد
محمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14537كالسهروردي المقتول في الزندقة
[19] ،
وابن سبعين [20] ، وغيرهما ، صاروا
[ ص: 335 ] يطلبون النبوة
[21] ، بخلاف من أقر بما جاء به الشرع ، ورأى أن الشرع الظاهر لا سبيل إلى تغييره ; فإنه يقول : النبوة ختمت ، لكن الولاية لم تختم . ويدعي من
[22] الولاية ما هو أعظم من النبوة ، وما يكون للأنبياء والمرسلين ، وأن الأنبياء يستفيدون منها .
ومن هؤلاء من
nindex.php?page=treesubj&link=29553يقول بالحلول والاتحاد ، وهم في
[23] nindex.php?page=treesubj&link=28837الحلول والاتحاد نوعان [24] : نوع يقول بالحلول والاتحاد العام المطلق ،
nindex.php?page=showalam&ids=12816كابن عربي وأمثاله ،
nindex.php?page=treesubj&link=28837ويقولون في النبوة : إن الولاية أعظم منها ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=12816ابن عربي :
[ ص: 336 ] مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي
[25]
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12816ابن عربي في " الفصوص "
[26] : " وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأنبياء ، وما يراه أحد من الأنبياء إلا من مشكاة خاتم الأنبياء
[27] ، وما يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة خاتم الأولياء
[28] ، [ حتى إن الرسل إذا رأوه لا يرونه - [ إذا رأوه ]
[29] - إلا من مشكاة خاتم الأولياء ]
[30] ، فإن الرسالة والنبوة - أعني رسالة التشريع ونبوته
[31] - تنقطعان ، وأما الولاية فلا تنقطع أبدا
[32] . فالمرسلون ، من كونهم أولياء ، لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء
[33] ، فكيف بمن
[34] دونهم من الأولياء ؟ وإن كان
[ ص: 337 ] خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع ، فذلك لا يقدح في مقامه ، ولا يناقض ما ذهبنا إليه ، فإنه من وجه يكون أنزل ، ومن وجه
[35] يكون أعلى " .
قال
[36] : " ولما مثل النبي - صلى الله عليه وسلم - [ النبوة ]
[37] بالحائط من اللبن ، فرآها قد كملت إلا موضع لبنة
[38] ، فكان هو - صلى الله عليه وسلم - موضع اللبنة ، وأما خاتم
[39] الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا ، فيرى ما مثله النبي - صلى الله عليه وسلم -
[40] ، ويرى نفسه في الحائط موضع لبنتين ، ويرى نفسه
[41] تنطبع [ في ]
[42] موضع [ تينك ]
[43] اللبنتين ، فيكمل الحائط
[44] ، والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين أن الحائط لبنة من ذهب
[ ص: 338 ] ولبنة من فضة ، واللبنة الفضة هي ظاهره
[45] وما يتبعه فيه من الأحكام ، كما هو آخذ عن الله في السر ما هو في الصورة
[46] الظاهرة متبع فيه ; لأنه يرى الأمر على ما هو عليه ، فلا بد أن يراه هكذا ، وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن ، فإنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى [ به ]
[47] إلى الرسول " .
قال
[48] : فإن فهمت ما أشرنا إليه
[49] ، فقد حصل لك العلم النافع
[50] " .
قلت : وقد بسطنا الرد على هؤلاء في مواضع ، وبينا كشف ما هم عليه من الضلال والخيال ، والنفاق والزندقة .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28837الذين يقولون بالاتحاد الخاص ، فهؤلاء منهم من يصرح بذلك .
وأما من كان عنده علم بالنصوص [ الظاهرة ]
[51] ، ورأى أن هذا يناقض ما عليه المسلمون في الظاهر ، فإنه يجعل هذا مما يشار إليه ويرمز به ، ولا يباح به . ثم إن كان معظما للرسول والقرآن [ ظن أن الرسول ]
[52] كان يقول بذلك ، لكنه لم يبح به ; لأنه مما لا يمكن البشر أن يبوحوا به ، وإن كان
[ ص: 339 ] غير معظم للرسول ، زعم أنه تعدى حد الرسول ، وهذا الضلال حدث قديما من جهال العباد .
ولهذا كان العارفون ،
كالجنيد بن محمد : سيد الطائفة
[53] - قدس الله روحه -
[54] لما سئل عن التوحيد قال : " التوحيد إفراد الحدوث عن القدم "
[55] فإنه كان عارفا ، ورأى أقواما ينتهي بهم الأمر إلى الاتحاد ، فلا يميزون بين القديم والمحدث ، وكان أيضا [ طائفة ]
[56] من أصحابه وقعوا في الفناء في توحيد الربوبية ، الذي لا يميز فيه بين المأمور والمحظور ، فدعاهم
nindex.php?page=showalam&ids=14020الجنيد إلى الفرق الثاني ، وهو توحيد الإلهية ، الذي يميز فيه بين المأمور والمحظور ، فمنهم من وافقه ، ومنهم من خالفه ، ومنهم لم يفهم كلامه .
وقد ذكر بعض ما جرى من ذلك
أبو سعيد الأعرابي في " طبقات
[ ص: 340 ] النساك "
[57] وكان من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=14020الجنيد ، ومن شيوخ
[58] أبي طالب المكي ، [ كان ]
[59] من أهل العلم بالحديث وغيره ، ومن أهل المعرفة بأخبار الزهاد وأهل الحقائق .
وهذا الذي ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14020الجنيد من الفرق بين القديم والمحدث ، والفرق بين المأمور والمحظور ، بهما يزول ما وقع فيه كثير من
الصوفية من هذا الضلال . ولهذا كان الضلال منهم يذمون
nindex.php?page=showalam&ids=14020الجنيد على ذلك ،
nindex.php?page=showalam&ids=12816كابن عربي وأمثاله ، فإن له كتابا سماه " الإسرا إلى المقام الأسرى "
[60] مضمونه حديث نفس ووساوس
[61] شيطان حصلت في نفسه ، جعل ذلك معراجا كمعراج الأنبياء
[62] ، وأخذ يعيب على
nindex.php?page=showalam&ids=14020الجنيد وعلى غيره من الشيوخ ما ذكروه ، وعاب على
nindex.php?page=showalam&ids=14020الجنيد قوله : " التوحيد إفراد الحدوث عن القدم " وقال : قلت له : يا
جنيد ، ما يميز بين الشيئين إلا من كان خارجا عنهما ، وأنت إما
[ ص: 341 ] قديم أو محدث ، فكيف تميز ؟ "
[63] .
وهذا جهل منه ، فإن المميز بين الشيئين هو الذي يعرف أن هذا غير هذا ، ليس من شرطه أن يكون ثالثا ، بل كل إنسان يميز بين نفسه وبين غيره وليس هو ثالثا ، والرب سبحانه يميز نفسه وبين غيره ، وليس هناك ثالث .
وهذا الذي ذمه
nindex.php?page=showalam&ids=14020الجنيد - رحمه الله - ، وأمثاله من الشيوخ العارفين ، وقع فيه خلق كثير ، حتى من أهل العلم بالقرآن وتفسيره والحديث والآثار ، ومن المعظمين لله ورسوله باطنا وظاهرا ، المحبين لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، الذابين عنها - وقعوا في هذا غلطا لا تعمدا ، وهم يحسبون أن هذا نهاية التوحيد . كما ذكر ذلك صاحب " منازل السائرين "
[ ص: 342 ] مع علمه وسنته ، ومعرفته ودينه
[64] .
وقد ذكر في كتابه " منازل السائرين " أشياء حسنة نافعة ، وأشياء باطلة . ولكن هو فيه ينتهي إلى الفناء في توحيد الربوبية ، ثم إلى التوحيد الذي هو حقيقة الاتحاد . ولهذا قال
[65] : " باب التوحيد : قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شهد الله أنه لا إله إلا هو ) [ سورة آل عمران : 18 ] التوحيد : تنزيه الله عن الحدث
[66] .
قال
[67] : وإنما نطق العلماء بما نطقوا به ، وأشار المحققون
[68] إلى ما أشاروا إليه
[69] في هذا الطريق لقصد تصحيح التوحيد ، وما سواه من حال أو مقام فكله مصحوب العلل " .
[ ص: 343 ]
[ ص: 331 ] وَلِهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=29404_29469_29550كَانَ مَشَايِخُ الصُّوفِيَّةِ الْعَارِفُونَ أَهْلُ الِاسْتِقَامَةِ يُوصُونَ كَثِيرًا بِمُتَابَعَةِ الْعِلْمِ وَمُتَابَعَةِ الشَّرْعِ ; لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=29542سَلَكُوا فِي الْعِبَادَةِ لِلَّهِ مُجَرَّدَ [1] مَحَبَّةِ النَّفْسِ وَإِرَادَاتِهَا وَهَوَاهَا ، مِنْ غَيْرِ اعْتِصَامٍ بِالْعِلْمِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، فَضَلُّوا بِسَبَبِ ذَلِكَ ضَلَالًا يُشْبِهُ ضَلَالَ
النَّصَارَى .
وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ - وَهُوَ
أَبُو عَمْرِو بْنُ نُجَيْدٍ [2] - : " كُلُّ وَجْدٍ لَا يَشْهَدُ لَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَهُوَ بَاطِلٌ " ، وَقَالَ
سَهْلٌ [3] : " كُلُّ عَمَلٍ بِلَا اقْتِدَاءٍ فَهُوَ عَيْشُ النَّفْسِ ، وَكُلُّ عَمَلٍ بِاقْتِدَاءٍ فَهُوَ عَذَابٌ عَلَى النَّفْسِ " . وَقَالَ
أَبُو عُثْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ [4] : " مِنْ أَمَّرَ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا نَطَقَ
[ ص: 332 ] بِالْحِكْمَةِ ، وَمَنْ أَمَّرَ الْهَوَى عَلَى نَفْسِهِ [ قَوْلًا وَفِعْلًا ]
[5] نَطَقَ بِالْبِدْعَةِ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=54وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ) [ سُورَةُ النُّورِ : 54 ] " . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : "
nindex.php?page=treesubj&link=29613مَا تَرَكَ أَحَدٌ شَيْئًا مِنَ السُّنَّةِ إِلَّا لِكِبْرٍ فِي نَفْسِهِ " .
وَهُوَ كَمَا قَالُوا ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَّبِعًا لِلْأَمْرِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ كَانَ يَعْمَلُ بِإِرَادَةِ نَفْسِهِ ، فَيَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ، وَهَذَا عَيْشُ النَّفْسِ ، وَهُوَ مِنَ الْكِبْرِ ، فَإِنَّهُ شُعْبَةٌ
[6] مِنْ قَوْلِ الَّذِينَ قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ) [ سُورَةُ الْأَنْعَامِ : 124 ] .
nindex.php?page=treesubj&link=29404_29408وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَظُنُّ أَنَّهُ يَصِلُ بِرِيَاضَتِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي الْعِبَادَةِ وَتَصْفِيَةِ نَفْسِهِ إِلَى مَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ ، مِنْ غَيْرِ اتِّبَاعٍ لِطَرِيقِهِمْ
[7] ، وَفِيهِمْ طَوَائِفُ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ صَارُوا أَفْضَلَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29408_29464الْوَلِيَّ [8] الَّذِي يَظُنُّونَ هُمْ أَنَّهُ الْوَلِيُّ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَفِيهِمْ
[9] مَنْ يَقُولُ : إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ إِنَّمَا يَأْخُذُونَ الْعِلْمَ بِاللَّهِ مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ ، وَيَدَّعِي فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْعِلْمُ هُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِ
فِرْعَوْنَ : إِنَّ هَذَا
[ ص: 333 ] الْوُجُودَ الْمَشْهُودَ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ ، لَيْسَ لَهُ صَانِعٌ مُبَايِنٌ لَهُ . لَكِنَّ هَذَا يَقُولُ : هُوَ اللَّهُ
[10] ،
وَفِرْعَوْنُ أَظْهَرَ الْإِنْكَارَ بِالْكُلِّيَّةِ ، لَكِنْ كَانَ
فِرْعَوْنُ فِي الْبَاطِنِ أَعْرَفَ مِنْهُمْ ، فَإِنْ كَانَ مُثْبِتًا لِلصَّانِعِ . وَهَؤُلَاءِ
nindex.php?page=treesubj&link=28660_28837ظَنُّوا [11] أَنَّ الْوُجُودَ الْمَخْلُوقَ هُوَ الْوُجُودُ الْخَالِقُ ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=12816ابْنُ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالُهُ مِنْ
الِاتِّحَادِيَّةِ [12] .
وَالْمَقْصُودُ ذِكْرُ مَنْ عَدَلَ عَنِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي شَرَعَهَا الرَّسُولُ ، إِلَى عِبَادَاتٍ بِإِرَادَتِهِ وَذَوْقِهِ وَوَجْدِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَهَوَاهُ ، وَأَنَّهُمْ صَارُوا فِي أَنْوَاعٍ مِنَ الضَّلَالِ ، [ مَنْ جِنْسِ ضَلَالِ ]
[13] النَّصَارَى . فَفِيهِمْ
nindex.php?page=treesubj&link=28660_29459_28837مَنْ يَدَّعِي إِسْقَاطَ وَسَاطَةِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْوُصُولَ إِلَى اللَّهِ بِغَيْرِ طَرِيقِهِمْ ، وَيَدَّعِي مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنَ النُّبُوَّةِ ، وَمِنْهُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=28837_28660مَنْ يَدَّعِي الِاتِّحَادَ وَالْحُلُولَ الْخَاصَّ : إِمَّا لِنَفْسِهِ ، وَإِمَّا لِشَيْخِهِ ، وَإِمَّا لِطَائِفَتِهِ الْوَاصِلِينَ
[14] ، إِلَى حَقِيقَةِ التَّوْحِيدِ بِزَعْمِهِ
[15] .
وَهَذَا قَوْلُ
النَّصَارَى ،
وَالنَّصَارَى مَوْصُوفُونَ بِالْغُلُوِّ وَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ
[ ص: 334 ] مُبْتَدَعَةُ الْعُبَّادِ الْغُلُوُّ فِيهِمْ وَفِي
الرَّافِضَةِ ، وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ كَثِيرٌ مِمَّنْ يَدَّعِي إِمَّا لِنَفْسِهِ وَإِمَّا لِشَيْخِهِ [ الْإِلَهِيَّةَ ]
[16] ، كَمَا يَدَّعِيهِ كَثِيرٌ مِنَ
الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ [17] لِأَئِمَّتِهِمْ بَنِي عُبَيْدٍ ، وَكَمَا يَدَّعِيه كَثِيرٌ مِنَ الْغَالِيَةِ : إِمَّا
لِلِاثْنَى عَشَرِ ، وَإِمَّا لِغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَمِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْبَيْتِ ، كَمَا تَدَّعِيهِ
النُّصَيْرِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ .
وَكَذَلِكَ فِي جِنْسِ الْمُبْتَدِعَةِ الْخَارِجِينَ عَنِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّعَبُّدِ [ وَالتَّأَلُّهِ ]
[18] وَالتَّصَوُّفِ ، مِنْهُمْ طَوَائِفُ مِنَ الْغُلَاةِ يَدَّعُونَ الْإِلَهِيَّةَ ، وَدَعْوَى مَا هُوَ فَوْقَ النُّبُوَّةِ ، وَإِنْ كَانَ مُتَفَلْسِفًا يُجَوِّزُ وُجُودَ نَبِيٍّ بَعْدَ
مُحَمَّدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14537كَالسُّهْرَوَرْدِيِّ الْمَقْتُولِ فِي الزَّنْدَقَةِ
[19] ،
وَابْنِ سَبْعِينَ [20] ، وَغَيْرِهِمَا ، صَارُوا
[ ص: 335 ] يَطْلُبُونَ النُّبُوَّةَ
[21] ، بِخِلَافِ مَنْ أَقَرَّ بِمَا جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ ، وَرَأَى أَنَّ الشَّرْعَ الظَّاهِرَ لَا سَبِيلَ إِلَى تَغْيِيرِهِ ; فَإِنَّهُ يَقُولُ : النُّبُوَّةُ خُتِمَتْ ، لَكِنَّ الْوِلَايَةَ لَمْ تُخْتَمْ . وَيَدَّعِي مِنَ
[22] الْوِلَايَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ النُّبُوَّةِ ، وَمَا يَكُونُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ ، وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَسْتَفِيدُونَ مِنْهَا .
وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29553يَقُولُ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ ، وَهُمْ فِي
[23] nindex.php?page=treesubj&link=28837الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ نَوْعَانِ [24] : نَوْعٌ يَقُولُ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12816كَابْنِ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالِهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28837وَيَقُولُونَ فِي النُّبُوَّةِ : إِنَّ الْوِلَايَةَ أَعْظَمُ مِنْهَا ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12816ابْنُ عَرَبِيٍّ :
[ ص: 336 ] مَقَامُ النُّبُوَّةِ فِي بَرْزَخٍ فُوَيْقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِيِّ
[25]
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12816ابْنُ عَرَبِيٍّ فِي " الْفُصُوصِ "
[26] : " وَلَيْسَ هَذَا الْعِلْمُ إِلَّا لِخَاتَمِ الرُّسُلِ وَخَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَمَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ
[27] ، وَمَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ إِلَّا مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ
[28] ، [ حَتَّى إِنَّ الرُّسُلَ إِذَا رَأَوْهُ لَا يَرَوْنَهُ - [ إِذَا رَأَوْهُ ]
[29] - إِلَّا مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ ]
[30] ، فَإِنَّ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ - أَعْنِي رِسَالَةَ التَّشْرِيعِ وَنُبُوَّتَهُ
[31] - تَنْقَطِعَانِ ، وَأَمَّا الْوِلَايَةُ فَلَا تَنْقَطِعُ أَبَدًا
[32] . فَالْمُرْسَلُونَ ، مِنْ كَوْنِهِمْ أَوْلِيَاءَ ، لَا يَرَوْنَ مَا ذَكَرْنَاهُ إِلَّا مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ
[33] ، فَكَيْفَ بِمَنْ
[34] دُونَهُمْ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ ؟ وَإِنْ كَانَ
[ ص: 337 ] خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ تَابِعًا فِي الْحُكْمِ لِمَا جَاءَ بِهِ خَاتَمُ الرُّسُلِ مِنَ التَّشْرِيعِ ، فَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي مَقَامِهِ ، وَلَا يُنَاقِضُ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ ، فَإِنَّهُ مِنْ وَجْهٍ يَكُونُ أَنْزَلَ ، وَمِنْ وَجْهٍ
[35] يَكُونُ أَعْلَى " .
قَالَ
[36] : " وَلَمَّا مَثَّلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [ النُّبُوَّةَ ]
[37] بِالْحَائِطِ مِنَ اللَّبِنِ ، فَرَآهَا قَدْ كَمُلَتْ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ
[38] ، فَكَانَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْضِعَ اللَّبِنَةِ ، وَأَمَّا خَاتَمُ
[39] الْأَوْلِيَاءِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ هَذِهِ الرُّؤْيَا ، فَيَرَى مَا مَثَّلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
[40] ، وَيَرَى نَفْسَهُ فِي الْحَائِطِ مَوْضِعَ لَبِنَتَيْنِ ، وَيَرَى نَفْسَهُ
[41] تَنْطَبِعُ [ فِي ]
[42] مَوْضِعَ [ تَيْنِكَ ]
[43] اللَّبِنَتَيْنِ ، فَيَكْمُلُ الْحَائِطُ
[44] ، وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ لِكَوْنِهِ رَآهَا لِبِنْتَيْنِ أَنَّ الْحَائِطَ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ
[ ص: 338 ] وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ ، وَاللَّبِنَةُ الْفِضَّةُ هِيَ ظَاهِرُهُ
[45] وَمَا يَتَّبِعُهُ فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ ، كَمَا هُوَ آخِذٌ عَنِ اللَّهِ فِي السِّرِّ مَا هُوَ فِي الصُّورَةِ
[46] الظَّاهِرَةِ مُتَّبِعٌ فِيهِ ; لِأَنَّهُ يَرَى الْأَمْرَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَرَاهُ هَكَذَا ، وَهُوَ مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ الذَّهَبِيَّةِ فِي الْبَاطِنِ ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنَ الْمَعْدِنِ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ الْمُلْكُ الَّذِي يُوحَى [ بِهِ ]
[47] إِلَى الرَّسُولِ " .
قَالَ
[48] : فَإِنْ فَهِمْتَ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ
[49] ، فَقَدْ حَصَلَ لَكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ
[50] " .
قُلْتُ : وَقَدْ بَسَطْنَا الرَّدَّ عَلَى هَؤُلَاءِ فِي مَوَاضِعَ ، وَبَيَّنَّا كَشْفَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالِ وَالْخَيَالِ ، وَالنِّفَاقِ وَالزَّنْدَقَةِ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28837الَّذِينَ يَقُولُونَ بِالِاتِّحَادِ الْخَاصِّ ، فَهَؤُلَاءِ مِنْهُمْ مَنْ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ .
وَأَمَّا مَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِالنُّصُوصِ [ الظَّاهِرَةِ ]
[51] ، وَرَأَى أَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ مَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِي الظَّاهِرِ ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ هَذَا مِمَّا يُشَارُ إِلَيْهِ وَيُرْمَزُ بِهِ ، وَلَا يُبَاحُ بِهِ . ثُمَّ إِنْ كَانَ مُعَظِّمًا لِلرَّسُولِ وَالْقُرْآنِ [ ظَنَّ أَنَّ الرَّسُولَ ]
[52] كَانَ يَقُولُ بِذَلِكَ ، لَكِنَّهُ لَمْ يَبُحْ بِهِ ; لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الْبَشَرُ أَنْ يَبُوحُوا بِهِ ، وَإِنْ كَانَ
[ ص: 339 ] غَيْرَ مُعَظِّمٍ لِلرَّسُولِ ، زَعَمَ أَنَّهُ تَعَدَّى حَدَّ الرَّسُولِ ، وَهَذَا الضَّلَالُ حَدَثَ قَدِيمًا مِنْ جُهَّالِ الْعِبَادِ .
وَلِهَذَا كَانَ الْعَارِفُونَ ،
كَالْجُنَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ : سَيِّدِ الطَّائِفَةِ
[53] - قَدَّسَ اللَّهُ رَوْحَهُ -
[54] لَمَّا سُئِلَ عَنِ التَّوْحِيدِ قَالَ : " التَّوْحِيدُ إِفْرَادُ الْحُدُوثِ عَنِ الْقِدَمِ "
[55] فَإِنَّهُ كَانَ عَارِفًا ، وَرَأَى أَقْوَامًا يَنْتَهِي بِهِمُ الْأَمْرُ إِلَى الِاتِّحَادِ ، فَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ ، وَكَانَ أَيْضًا [ طَائِفَةٌ ]
[56] مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَعُوا فِي الْفَنَاءِ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ ، الَّذِي لَا يُمَيَّزُ فِيهِ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ ، فَدَعَاهُمُ
nindex.php?page=showalam&ids=14020الْجُنَيْدُ إِلَى الْفَرْقِ الثَّانِي ، وَهُوَ تَوْحِيدُ الْإِلَهِيَّةِ ، الَّذِي يُمَيَّزُ فِيهِ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ وَافَقَهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَالَفَهُ ، وَمِنْهُمْ لَمْ يَفْهَمْ كَلَامَهُ .
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضَ مَا جَرَى مِنْ ذَلِكَ
أَبُو سَعِيدٍ الْأَعْرَابِيُّ فِي " طَبَقَاتِ
[ ص: 340 ] النُّسَّاكِ "
[57] وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=14020الْجُنَيْدِ ، وَمِنْ شُيُوخِ
[58] أَبِي طَالِبٍ الْمَكِّيِّ ، [ كَانَ ]
[59] مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِأَخْبَارِ الزُّهَّادِ وَأَهْلِ الْحَقَائِقِ .
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14020الْجُنَيْدُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ ، وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَأْمُورِ وَالْمَحْظُورِ ، بِهِمَا يَزُولُ مَا وَقَعَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ
الصُّوفِيَّةِ مِنْ هَذَا الضَّلَالِ . وَلِهَذَا كَانَ الضُّلَّالُ مِنْهُمْ يَذُمُّونَ
nindex.php?page=showalam&ids=14020الْجُنَيْدَ عَلَى ذَلِكَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12816كَابْنِ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالِهِ ، فَإِنَّ لَهُ كِتَابًا سَمَّاهُ " الْإِسْرَا إِلَى الْمَقَامِ الْأَسْرَى "
[60] مَضْمُونُهُ حَدِيثُ نَفْسٍ وَوَسَاوِسُ
[61] شَيْطَانٍ حَصَلَتْ فِي نَفْسِهِ ، جَعَلَ ذَلِكَ مِعْرَاجًا كَمِعْرَاجِ الْأَنْبِيَاءِ
[62] ، وَأَخَذَ يَعِيبُ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=14020الْجُنَيْدِ وَعَلَى غَيْرِهِ مِنَ الشُّيُوخِ مَا ذَكَرُوهُ ، وَعَابَ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=14020الْجُنَيْدِ قَوْلَهُ : " التَّوْحِيدُ إِفْرَادُ الْحُدُوثِ عَنِ الْقِدَمِ " وَقَالَ : قُلْتُ لَهُ : يَا
جُنَيْدُ ، مَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إِلَّا مَنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهُمَا ، وَأَنْتَ إِمَّا
[ ص: 341 ] قَدِيمٌ أَوْ مُحْدَثٌ ، فَكَيْفَ تُمَيِّزُ ؟ "
[63] .
وَهَذَا جَهْلٌ مِنْهُ ، فَإِنَّ الْمُمَيِّزَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ هَذَا ، لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ ثَالِثًا ، بَلْ كُلُّ إِنْسَانٍ يُمَيِّزُ بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ هُوَ ثَالِثًا ، وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ يُمَيِّزُ نَفْسَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ، وَلَيْسَ هُنَاكَ ثَالِثٌ .
وَهَذَا الَّذِي ذَمَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14020الْجُنَيْدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ، وَأَمْثَالُهُ مِنَ الشُّيُوخِ الْعَارِفِينَ ، وَقَعَ فِيهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ ، حَتَّى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَتَفْسِيرِهِ وَالْحَدِيثِ وَالْآثَارِ ، وَمِنَ الْمُعَظِّمِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، الْمُحِبِّينَ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، الذَّابِّينَ عَنْهَا - وَقَعُوا فِي هَذَا غَلَطًا لَا تَعَمُّدًا ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّ هَذَا نِهَايَةُ التَّوْحِيدِ . كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ صَاحِبُ " مَنَازِلِ السَّائِرِينَ "
[ ص: 342 ] مَعَ عِلْمِهِ وَسُنَّتِهِ ، وَمَعْرِفَتِهِ وَدِينِهِ
[64] .
وَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ " مَنَازِلِ السَّائِرِينَ " أَشْيَاءَ حَسَنَةً نَافِعَةً ، وَأَشْيَاءَ بَاطِلَةً . وَلَكِنْ هُوَ فِيهِ يَنْتَهِي إِلَى الْفَنَاءِ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ ، ثُمَّ إِلَى التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الِاتِّحَادِ . وَلِهَذَا قَالَ
[65] : " بَابُ التَّوْحِيدِ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) [ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ : 18 ] التَّوْحِيدُ : تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنِ الْحَدَثِ
[66] .
قَالَ
[67] : وَإِنَّمَا نَطَقَ الْعُلَمَاءُ بِمَا نَطَقُوا بِهِ ، وَأَشَارَ الْمُحَقِّقُونَ
[68] إِلَى مَا أَشَارُوا إِلَيْهِ
[69] فِي هَذَا الطَّرِيقِ لِقَصْدِ تَصْحِيحِ التَّوْحِيدِ ، وَمَا سِوَاهُ مِنْ حَالٍ أَوْ مَقَامٍ فَكُلُّهُ مَصْحُوبُ الْعِلَلِ " .
[ ص: 343 ]