nindex.php?page=treesubj&link=31318_28832ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج أنهم كانوا يصلون خلفهم ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة
[1] يصلون
[2] خلف
نجدة الحروري ، وكانوا أيضا يحدثونهم ويفتونهم ويخاطبونهم ، كما يخاطب المسلم المسلم ، كما كان
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس يجيب
نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله عن مسائل ، وحديثه في
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري [3] . وكما أجاب
نافع بن الأزرق عن مسائل مشهورة
[4] ، وكان
نافع يناظره في أشياء بالقرآن ، كما يتناظر المسلمان .
وما زالت سيرة المسلمين على هذا ، ما جعلوهم مرتدين كالذين
[ ص: 248 ] قاتلهم
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق رضي الله عنه . هذا مع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم
[5] في الأحاديث الصحيحة ، وما روي من أنهم "
nindex.php?page=hadith&LINKID=676685شر قتلى تحت أديم السماء ، خير قتيل [6] من قتلوه " في الحديث الذي رواه
أبو أمامة ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وغيره
[7] . أي أنهم شر على المسلمين من غيرهم ، فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم : لا
اليهود ولا
النصارى ; فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم ، مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم ، مكفرين لهم ، وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلة .
ومع هذا فالصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان لم يكفروهم ، ولا جعلوهم مرتدين ، ولا اعتدوا عليهم بقول ولا فعل ، بل اتقوا الله فيهم ، وساروا فيهم السيرة العادلة . وهكذا سائر فرق أهل البدع والأهواء من
الشيعة والمعتزلة ; وغيرهم فمن كفر الثنتين والسبعين فرقة
[ ص: 249 ] كلهم فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، مع أن حديث الثنتين والسبعين فرقة ليس في الصحيحين ، وقد ضعفه
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم وغيره لكن حسنه غيره أو صححه ، كما صححه
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم وغيره ، وقد رواه أهل السنن ، وروي من طرق
[8] .
وليس قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=675904ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة " بأعظم من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا [ سورة النساء : 10 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=30ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا [ سورة النساء : 30 ] ، وأمثال ذلك من النصوص الصريحة بدخول من فعل ذلك النار .
[ ص: 250 ] ومع هذا
nindex.php?page=treesubj&link=29651فلا نشهد لمعين بالنار لإمكان أنه تاب ، أو كانت له حسنات محت سيئاته ، أو كفر الله عنه بمصائب أو غير ذلك كما تقدم ، بل المؤمن بالله ورسوله باطنا وظاهرا ، الذي قصد اتباع الحق وما جاء به الرسول ، إذا أخطأ ولم يعرف الحق كان أولى أن يعذره الله في الآخرة من المتعمد العالم بالذنب ; فإن هذا عاص مستحق للعذاب بلا ريب ، وأما ذلك فليس متعمدا للذنب بل هو مخطئ ، والله قد تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان .
والعقوبة في الدنيا تكون لدفع ضرره عن المسلمين ، وإن كان في الآخرة خيرا ممن لم يعاقب ، كما يعاقب المسلم المتعدي للحدود ، ولا يعاقب أهل الذمة من
اليهود والنصارى . والمسلم في الآخرة خير منهم .
وأيضا فصاحب البدعة يبقى صاحب هوى يعمل لهواه لا ديانة ، ويصدر عن الحق الذي يخالفه هواه ، فهذا يعاقبه الله على هواه ، ومثل هذا يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة . ومن فسق من السلف
الخوارج ونحوهم كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص أنه قال فيهم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26وما يضل به إلا الفاسقين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون [ سورة البقرة : 26 - 27 ] فقد يكون هذا قصده ، لا سيما إذا تفرق الناس ، فكان ممن يطلب
[9] الرياسة له ولأصحابه .
nindex.php?page=treesubj&link=28829وإذا كان المسلم الذي يقاتل الكفار قد يقاتلهم شجاعة وحمية ورياء ، وذلك ليس في سبيل الله ، فكيف بأهل البدع الذين يخاصمون ويقاتلون [ ص: 251 ] عليها ؟ فإنهم يفعلون ذلك شجاعة وحمية ، وربما يعاقبون لما اتبعوا أهواءهم بغير هدى من الله ، لا لمجرد
[10] الخطأ الذي اجتهدوا فيه .
ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : " لأن أتكلم في علم يقال لي فيه : أخطأت ، أحب إلي من أن أتكلم في علم يقال لي فيه : كفرت " . فمن عيوب أهل البدع تكفير بعضهم بعضا ، ومن ممادح أهل العلم أنهم يخطئون ولا يكفرون . وسبب ذلك أن أحدهم قد يظن ما ليس بكفر كفرا ، [ وقد يكون كفرا ]
[11] لأنه تبين له أنه تكذيب للرسول وسب للخالق ، والآخر لم يتبين له ذلك ، فلا يلزم إذا كان هذا العالم بحاله يكفر إذا قاله ، أن يكفر من لم يعلم بحاله .
والناس لهم فيما يجعلونه
[12] كفرا طرق متعددة
[13] ; فمنهم من يقول : الكفر تكذيب ما علم بالاضطرار من دين الرسول ، ثم الناس متفاوتون في العلم الضروري بذلك .
ومنهم من يقول : الكفر هو الجهل بالله تعالى ، ثم قد يجعل الجهل بالصفة كالجهل بالموصوف وقد لا يجعلها ، وهم مختلفون في الصفات نفيا وإثباتا .
ومنهم من لا يحده بحد ، بل كل ما تبين أنه تكذيب لما جاء به الرسول من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر جعله كفرا ، إلى طرق أخر .
ولا ريب أن الكفر متعلق بالرسالة ، فتكذيب الرسول كفر ، وبغضه
[ ص: 252 ] وسبه وعداوته مع العلم بصدقه في الباطن كفر عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة العلم وسائر الطوائف ، إلا
nindex.php?page=showalam&ids=15658الجهم ومن وافقه
كالصالحي nindex.php?page=showalam&ids=13711والأشعري وغيرهم ; فإنهم قالوا : هذا كفر في الظاهر ، وأما في الباطن فلا يكون كفرا إلا إذا استلزم الجهل ، بحيث
[14] لا يبقى في القلب شيء من التصديق بالرب ، وهذا بناء على أن الإيمان في القلب لا يتفاضل ، ولا يكون في القلب بعض من الإيمان . وهو خلاف النصوص الصريحة ، وخلاف الواقع ، ولبسط هذا موضع آخر .
والمقصود هنا أن
nindex.php?page=treesubj&link=20470كل من تاب من أهل البدع تاب الله عليه ، وإذا كان الذنب متعلقا بالله ورسوله فهو حق محض لله ، فيجب أن يكون الإنسان في هذا الباب
[15] قاصدا لوجه الله ، متبعا لرسوله ، ليكون عمله خالصا صوابا .
قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون [ سورة البقرة : 111 - 112 ] .
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=125ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا [ سورة النساء : 125 ] قال المفسرون وأهل اللغة : معنى الآية : أخلص دينه وعمله
[16] لله وهو محسن في عمله .
[ ص: 253 ] وقال الفراء في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20فقل أسلمت وجهي لله [ سورة آل عمران : 20 ] أخلصت عملي . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : قصدت بعبادتي إلى الله . وهو كما قالوا ، كما قد ذكر توجيهه في موضع آخر .
وهذا المعنى يدور عليه القرآن ; فإن الله تعالى أمر أن لا يعبد إلا إياه ، وعبادته فعل ما أمر ، وترك ما حظر . والأول هو إخلاص الدين والعمل لله . والثاني هو الإحسان ، وهو العمل الصالح . ولهذا كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر يقول في دعائه : " اللهم اجعل عملي كله صالحا ، واجعله لوجهك خالصا ، ولا تجعل لأحد فيه شيئا " .
وهذا هو الخالص الصواب ، كما قال الفضيل بن عياض في قوله : ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ سورة هود : 7 ] . قال أخلصه وأصوبه . قالوا : يا
أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟ قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل : حتى يكون خالصا صوابا . والخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون على السنة .
nindex.php?page=treesubj&link=31318_28832وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُكَفِّرُوا الْخَوَارِجَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَهُمْ ، وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=12عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ
[1] يُصَلُّونَ
[2] خَلَفَ
نَجْدَةَ الْحَرُورِيِّ ، وَكَانُوا أَيْضًا يُحَدِّثُونَهُمْ وَيُفْتُونَهُمْ وَيُخَاطِبُونَهُمْ ، كَمَا يُخَاطِبُ الْمُسْلِمُ الْمُسْلِمَ ، كَمَا كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=11عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يُجِيبُ
نَجْدَةَ الْحَرُورِيَّ لَمَّا أَرْسَلَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ مَسَائِلَ ، وَحَدِيثُهُ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ [3] . وَكَمَا أَجَابَ
نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ عَنْ مَسَائِلَ مَشْهُورَةٍ
[4] ، وَكَانَ
نَافِعٌ يُنَاظِرُهُ فِي أَشْيَاءَ بِالْقُرْآنِ ، كَمَا يَتَنَاظَرُ الْمُسْلِمَانِ .
وَمَا زَالَتْ سِيرَةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا ، مَا جَعَلُوهُمْ مُرْتَدِّينَ كَالَّذِينَ
[ ص: 248 ] قَاتَلَهُمُ
nindex.php?page=showalam&ids=1الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . هَذَا مَعَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِتَالِهِمْ
[5] فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُمْ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=676685شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ ، خَيْرُ قَتِيلٍ [6] مَنْ قَتَلُوهُ " فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ
أَبُو أُمَامَةَ ، رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ
[7] . أَيْ أَنَّهُمْ شَرٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ شَرًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ : لَا
الْيَهُودُ وَلَا
النَّصَارَى ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ فِي قَتْلِ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ يُوَافِقُهُمْ ، مُسْتَحِلِّينَ لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ وَقَتْلِ أَوْلَادِهِمْ ، مُكَفِّرِينَ لَهُمْ ، وَكَانُوا مُتَدَيِّنِينَ بِذَلِكَ لِعَظْمِ جَهْلِهِمْ وَبِدْعَتِهِمُ الْمُضِلَّةِ .
وَمَعَ هَذَا فَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ لَمْ يُكَفِّرُوهُمْ ، وَلَا جَعَلُوهُمْ مُرْتَدِّينَ ، وَلَا اعْتَدَوْا عَلَيْهِمْ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ ، بَلِ اتَّقَوُا اللَّهَ فِيهِمْ ، وَسَارُوا فِيهِمُ السِّيرَةِ الْعَادِلَةِ . وَهَكَذَا سَائِرُ فِرَقِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ مِنَ
الشِّيعَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ ; وَغَيْرِهِمْ فَمَنْ كَفَّرَ الثِّنْتَيْنِ وَالسَبْعِينَ فِرْقَةً
[ ص: 249 ] كُلَّهُمْ فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، مَعَ أَنَّ حَدِيثَ الثِّنْتَيْنِ وَالسَبْعِينَ فِرْقَةً لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ لَكِنْ حَسَّنَهُ غَيْرُهُ أَوْ صَحَّحَهُ ، كَمَا صَحَّحَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14070الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ ، وَقَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ ، وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ
[8] .
وَلَيْسَ قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=675904ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ " بِأَعْظَمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 10 ] وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=30وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 30 ] ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ بِدُخُولِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ النَّارَ .
[ ص: 250 ] وَمَعَ هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=29651فَلَا نَشْهَدُ لِمُعَيَّنٍ بِالنَّارِ لِإِمْكَانِ أَنَّهُ تَابَ ، أَوْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ مَحَتْ سَيِّئَاتَهُ ، أَوْ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَصَائِبَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ ، بَلِ الْمُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، الَّذِي قَصَدَ اتِّبَاعَ الْحَقِّ وَمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ، إِذَا أَخْطَأَ وَلَمْ يَعْرِفِ الْحَقَّ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَعْذِرَهُ اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْمُتَعَمِّدِ الْعَالِمِ بِالذَّنْبِ ; فَإِنَّ هَذَا عَاصٍ مُسْتَحِقٌّ لِلْعَذَابِ بِلَا رَيْبٍ ، وَأَمَّا ذَلِكَ فَلَيْسَ مُتَعَمِّدًا لِلذَّنَبِ بَلْ هُوَ مُخْطِئٌ ، وَاللَّهُ قَدْ تَجَاوَزَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ .
وَالْعُقُوبَةُ فِي الدُّنْيَا تَكُونُ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْآخِرَةِ خَيْرًا مِمَّنْ لَمْ يُعَاقَبُ ، كَمَا يُعَاقَبُ الْمُسْلِمُ الْمُتَعَدِّي لِلْحُدُودِ ، وَلَا يُعَاقَبُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى . وَالْمُسْلِمُ فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِنْهُمْ .
وَأَيْضًا فَصَاحِبُ الْبِدْعَةِ يَبْقَى صَاحِبُ هَوًى يَعْمَلُ لِهَوَاهِ لَا دِيَانَةً ، وَيَصْدُرُ عَنِ الْحَقِّ الَّذِي يُخَالِفُهُ هَوَاهُ ، فَهَذَا يُعَاقِبُهُ اللَّهُ عَلَى هَوَاهُ ، وَمِثْلُ هَذَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . وَمَنْ فَسَقَ مِنَ السَّلَفِ
الْخَوَارِجِ وَنَحْوَهُمْ كَمَا رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِمْ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=27الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 26 - 27 ] فَقَدْ يَكُونُ هَذَا قَصَدَهُ ، لَا سِيَّمَا إِذَا تَفَرَّقَ النَّاسُ ، فَكَانَ مِمَّنْ يَطْلُبُ
[9] الرِّيَاسَةَ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28829وَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُ الَّذِي يُقَاتِلُ الْكُفَّارَ قَدْ يُقَاتِلُهُمْ شَجَاعَةً وَحَمِيَّةً وَرِيَاءً ، وَذَلِكَ لَيْسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَكَيْفَ بِأَهْلِ الْبِدَعِ الَّذِينَ يُخَاصِمُونَ وَيُقَاتِلُونَ [ ص: 251 ] عَلَيْهَا ؟ فَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ شَجَاعَةً وَحَمِيَّةً ، وَرُبَّمَا يُعَاقَبُونَ لَمَّا اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ هُدَى مِنَ اللَّهِ ، لَا لِمُجَرَّدِ
[10] الْخَطَأِ الَّذِي اجْتَهَدُوا فِيهِ .
وَلِهَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : " لَأَنْ أَتَكَلَّمَ فِي عِلْمٍ يُقَالُ لِي فِيهِ : أَخْطَأْتَ ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَكَلَّمَ فِي عِلْمٍ يُقَالُ لِي فِيهِ : كَفَرْتَ " . فَمِنْ عُيُوبِ أَهْلِ الْبِدَعِ تَكْفِيرُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، وَمِنْ مَمَادِحِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ يُخَطِّئُونَ وَلَا يُكَفِّرُونَ . وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ قَدْ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِكَفْرٍ كُفْرًا ، [ وَقَدْ يَكُونُ كُفْرًا ]
[11] لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلرَّسُولِ وَسَبٌّ لِلْخَالِقِ ، وَالْآخَرُ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ ذَلِكَ ، فَلَا يَلْزَمُ إِذَا كَانَ هَذَا الْعَالِمُ بِحَالِهِ يَكْفُرُ إِذَا قَالَهُ ، أَنْ يَكْفُرَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِ .
وَالنَّاسُ لَهُمْ فِيمَا يَجْعَلُونَهُ
[12] كُفْرًا طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ
[13] ; فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : الْكُفْرُ تَكْذِيبُ مَا عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الرَّسُولِ ، ثُمَّ النَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِذَلِكَ .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : الْكُفْرُ هُوَ الْجَهْلُ بِاللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ قَدْ يُجْعَلُ الْجَهْلُ بِالصِّفَةِ كَالْجَهْلِ بِالْمَوْصُوفِ وَقَدْ لَا يَجْعَلُهَا ، وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الصِّفَاتِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا .
وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحُدُّهُ بِحَدٍّ ، بَلْ كُلُّ مَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ أَمْرِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ جَعَلَهُ كُفْرًا ، إِلَى طُرُقٍ أُخَرَ .
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْكُفْرَ مُتَعَلِّقٌ بِالرِّسَالَةِ ، فَتَكْذِيبُ الرَّسُولِ كُفْرٌ ، وَبُغْضُهُ
[ ص: 252 ] وَسَبُّهُ وَعَدَاوَتُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِصِدْقِهِ فِي الْبَاطِنِ كُفْرٌ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَأَئِمَّةِ الْعِلْمِ وَسَائِرِ الطَّوَائِفِ ، إِلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=15658الْجَهْمَ وَمَنْ وَافَقَهُ
كَالصَّالِحِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=13711وَالْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ ; فَإِنَّهُمْ قَالُوا : هَذَا كُفْرٌ فِي الظَّاهِرِ ، وَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَلَا يَكُونُ كُفْرًا إِلَّا إِذَا اسْتَلْزَمَ الْجَهْلَ ، بِحَيْثُ
[14] لَا يَبْقَى فِي الْقَلْبِ شَيْءٌ مِنَ التَّصْدِيقِ بِالرَّبِّ ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ فِي الْقَلْبِ لَا يَتَفَاضَلُ ، وَلَا يَكُونُ فِي الْقَلْبِ بَعْضٌ مِنَ الْإِيمَانِ . وَهُوَ خِلَافُ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ ، وَخِلَافُ الْوَاقِعِ ، وَلِبَسْطِ هَذَا مَوْضِعٌ آخَرُ .
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20470كُلَّ مَنْ تَابَ مِنْ أَهَّلِ الْبِدَعِ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَإِذَا كَانَ الذَّنْبُ مُتَعَلِّقًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ حَقٌّ مَحْضٌ لِلَّهِ ، فَيَجِبُ أَنَّ يَكُونَ الْإِنْسَانُ فِي هَذَا الْبَابِ
[15] قَاصِدًا لِوَجْهِ اللَّهِ ، مُتْبِعًا لِرَسُولِهِ ، لِيَكُونَ عَمَلُهُ خَالِصًا صَوَابًا .
قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=112بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 111 - 112 ] .
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=125وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 125 ] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ اللُّغَةِ : مَعْنَى الْآيَةِ : أَخْلَصَ دِينَهُ وَعَمَلَهُ
[16] لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فِي عَمَلِهِ .
[ ص: 253 ] وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ [ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ : 20 ] أَخْلَصْتُ عَمَلِي . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : قَصَدْتُ بِعِبَادَتِي إِلَى اللَّهِ . وَهُوَ كَمَا قَالُوا ، كَمَا قَدْ ذُكِرَ تَوْجِيهُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .
وَهَذَا الْمَعْنَى يَدُورُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ ; فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ أَنْ لَا يُعْبَدَ إِلَّا إِيَّاهُ ، وَعِبَادَتُهُ فِعْلُ مَا أَمَرَ ، وَتَرْكُ مَا حَظَرَ . وَالْأَوَّلُ هُوَ إِخْلَاصُ الدِّينِ وَالْعَمَلُ لِلَّهِ . وَالثَّانِي هُوَ الْإِحْسَانُ ، وَهُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ . وَلِهَذَا كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ : " اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ صَالِحًا ، وَاجْعَلْهُ لِوَجْهِكَ خَالِصًا ، وَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْئًا " .
وَهَذَا هُوَ الْخَالِصُ الصَّوَابُ ، كَمَا قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ فِي قَوْلِهِ : لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [ سُورَةُ هُودٍ : 7 ] . قَالَ أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ . قَالُوا : يَا
أَبَا عَلِيٍّ مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ ؟ قَالَ : إِنَّ الْعَمَلَ إِذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ ، وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ : حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا . وَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ .