وكل من طلب أن يحكم في شيء من أمر الدين غير ما جاء به الرسول ، ويظن أن ذلك حسن ، وأن ذلك جمع بين ما جاء به الرسول وبين ما يخالفه - فله نصيب من ذلك ، بل ، وإنما وقع التقصير من كثير من المنتسبين إليه ، فلم يعلموا ما جاء به الرسول في كثير من الأمور الكلامية الاعتقادية ، [ ص: 16 ] ولا في كثير من الأحوال العبادية ، ولا في كثير من الإمارة السياسية ، أو نسبوا إلى شريعة الرسول ، بظنهم وتقليدهم ما ليس منها ، وأخرجوا عنها كثيرا مما هو منها . ما جاء به الرسول كاف كامل ، يدخل فيه كل حق
فبسبب جهل هؤلاء وضلالهم وتفريطهم ، وبسبب عدوان أولئك وجهلهم ونفاقهم ، كثر النفاق ، ودرس كثير من علم الرسالة .
بل البحث التام ، والنظر القوي ، والاجتهاد الكامل ، فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ليعلم ويعتقد ، ويعمل به ظاهرا وباطنا ، فيكون قد تلي حق تلاوته ، وأن لا يهمل منه شيء .
وإن كان العبد عاجزا عن معرفة بعض ذلك ، أو العمل به ، فلا ينهى عما عجز عنه مما جاء به الرسول ، بل حسبه أن يسقط عنه اللوم لعجزه ، لكن عليه أن يفرح بقيام غيره به ، ويرضى بذلك ، ويود أن يكون قائما به ، وأن لا يؤمن ببعضه ويترك بعضه ، بل يؤمن بالكتاب كله ، وأن يصان عن أن يدخل فيه ما ليس منه ، من رواية أو رأي ، أو يتبع ما ليس من عند الله ، اعتقادا أو عملا ، كما قال تعالى : ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ( البقرة : 42 ) .
وهذه كانت طريقة السابقين الأولين ، وهي طريقة التابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة . وأولهم السلف القديم من التابعين الأولين ، ثم من بعدهم . ومن هؤلاء أئمة الدين المشهود لهم عند الأمة الوسط بالإمامة .