فإن قلت : كيف يستدل بأسمائه وصفاته ، فإن الاستدلال بذلك لا يعهد في الاصطلاح ؟ [ ص: 52 ] فالجواب : أن وأنه الموصوف بما وصف به نفسه ووصفه به رسله ، وما خفي عن الخلق من كماله أعظم وأعظم مما عرفوه منه . الله تعالى قد أودع في الفطر التي لم تتنجس بالجحود والتعطيل ، ولا بالتشبيه والتمثيل ، أنه سبحانه الكامل في أسمائه وصفاته ،
ومن كماله المقدس شهادته على كل شيء واطلاعه عليه ، بحيث لا يغيب عنه ذرة في السماوات ولا في الأرض باطنا وظاهرا . ومن هذا شأنه كيف يليق بالعباد أن يشركوا به ، وأن يعبدوا غيره ويجعلوا معه إلها آخر ؟ وكيف يليق بكماله أن يقر من يكذب عليه أعظم الكذب ، ويخبر عنه بخلاف ما الأمر عليه ، ثم ينصره على ذلك ويؤيده ويعلي شأنه ، ويجيب دعوته ويهلك عدوه ، ويظهر على يديه من الآيات والبراهين ما يعجز عن مثله قوى البشر ، وهو مع ذلك كاذب عليه مفتر ؟ ! ومعلوم أن شهادته سبحانه على كل شيء وقدرته وحكمته وعزته وكماله المقدس يأبى ذلك . ومن جوز ذلك فهو من أبعد الناس عن معرفته .
والقرآن مملوء من هذه الطريق ، وهي طريق الخواص ، يستدلون بالله على أفعاله وما يليق به أن يفعله ولا يفعله ، قال تعالى : ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين ( الحاقة : 44 - 47 ) . وسيأتي لذلك زيادة بيان إن شاء الله تعالى .
[ ص: 53 ] كما في قوله تعالى : ويستدل أيضا بأسمائه وصفاته على وحدانيته وعلى بطلان الشرك ، هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون ( الحشر : 23 ) . وأضعاف ذلك في القرآن .
وهذه الطريق قليل سالكها ، لا يهتدي إليها إلا الخواص . وطريقة الجمهور الاستدلال بالآيات المشاهدة ، لأنها أسهل تناولا وأوسع . والله سبحانه يفضل بعض خلقه على بعض .
فالقرآن العظيم قد اجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره ، فإنه الدليل والمدلول عليه ، والشاهد والمشهود له . قال تعالى لمن طلب آية تدل على صدق رسوله : أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ( العنكبوت : 51 ) .