فهو سبحانه لكمال عدله ورحمته وإحسانه وحكمته ومحبته للعذر وإقامة الحجة - ، قال تعالى : لم يبعث نبيا إلا ومعه آية تدل على صدقه فيما أخبر به لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ( الحديد : 25 ) .
وقال تعالى : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر ( النحل : 43 - 44 ) . وقال تعالى : قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم ( آل عمران : 183 ) . [ ص: 50 ] وقال تعالى : فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤوا بالبينات والزبر والكتاب المنير ( آل عمران : 184 ) . وقال تعالى : الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان ( الشورى : 17 ) . حتى إن من أخفى آيات الرسل آيات هود ، حتى قال له قومه : ياهود ما جئتنا ببينة ( هود : 53 ) ، ومع هذا فبينته من أوضح البينات لمن وفقه الله لتدبرها ، وقد أشار إليها بقوله : إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ( هود : 54 - 55 ) . فهذا من أعظم الآيات : أن رجلا واحدا يخاطب أمة عظيمة بهذا الخطاب ، غير جزع ولا فزع ولا خوار ، بل هو واثق بما قاله ، جازم به ، فأشهد الله أولا على براءته من دينهم وما هم عليه ، إشهاد واثق به معتمد عليه ، معلم لقومه أنه وليه وناصره وغير مسلط لهم عليه . ثم أشهدهم إشهاد مجاهر لهم بالمخالفة أنه بريء من دينهم وآلهتهم التي يوالون عليها ويعادون عليها ويبذلون دماءهم وأموالهم في نصرتهم لها ، ثم أكد ذلك عليهم بالاستهانة بهم واحتقارهم وازدرائهم . ولو يجتمعون كلهم على كيده وشفاء غيظهم منه ، ثم يعاجلونه ولا يمهلونه ، ثم قرر دعوتهم أحسن تقرير ، وبين أن ربه تعالى وربهم الذي نواصيهم بيده هو وليه ووكيله القائم بنصره وتأييده ، وأنه [ ص: 51 ] على صراط مستقيم ، فلا يخذل من توكل عليه وأقر به ، ولا يشمت به أعداءه .
فأي آية وبرهان أحسن من آيات الأنبياء عليهم السلام وبراهينهم وأدلتهم ؟ وهي شهادة من الله سبحانه لهم ، بينها لعباده غاية البيان .
وهو في أحد التفسيرين : المصدق الذي يصدق الصادقين بما يقيم لهم من شواهد صدقهم ، فإنه لا بد أن يري العباد من الآيات الأفقية والنفسية ما يبين لهم أن الوحي الذي بلغته رسله حق قال تعالى : ومن أسمائه تعالى المؤمن سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ( فصلت : 53 ) : أي القرآن ، فإنه هو المتقدم في قوله : قل أرأيتم إن كان من عند الله ( فصلت : 52 ) . ثم قال : أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ( فصلت : 53 ) . فشهد سبحانه لرسوله بقوله أن ما جاء به حق ، ووعد أن يري العباد من آياته الفعلية الخلقية ما يشهد بذلك أيضا . ثم ذكر ما هو أعظم من ذلك كله وأجل ، وهو شهادته سبحانه بأنه على كل شيء شهيد ، فإن من أسمائه الشهيد الذي لا يغيب عنه شيء ، ولا يعزب عنه ، بل هو مطلع على كل شيء مشاهد له ، عليم بتفاصيله .
وهذا استدلال بأسمائه وصفاته ، والأول استدلال بقوله وكلماته ، واستدلال بالآيات الأفقية والنفسية استدلال بأفعاله ومخلوقاته .