[فصل ]
في بيان انقسام أهل البدع. أخبرنا عبد الملك الكروخي ، نا أبو عامر الأزدي ، وأبو بكر النورجي ، قالا: نا الحراجي ، ثنا المحبوبي ، ثنا الترمذي ، ثنا ، ثنا الحسين بن حريث ، عن محمد الفضل بن موسى بن عمرو ، عن ، أبي سلمة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي هريرة "تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، أو ثنتين وسبعين، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين [ ص: 20 ] فرقة". قال عن الترمذي: هذا حديث صحيح.
قال المصنف: وقد ذكرنا هذا الحديث في الباب الذي قبله، وفيه: أخبرنا كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه، وأصحابي. ابن الحسين ، نا ، نا ابن المذهب أحمد بن جعفر ، نا ، قال: ثنى عبد الله بن أحمد أبي ، ثنا حسن ، ثنا ، ثنا ابن لهيعة خالد بن زيد ، عن ، سعيد بن أبي هلال رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن بني إسرائيل تفرقت إحدى وسبعين فرقة، فهلكت سبعون فرقة، وخلصت فرقة واحدة، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة، يهلك إحدى وسبعون وتخلص فرقة". قالوا: يا رسول الله، ما تلك الفرقة؟ قال: "الجماعة". أنس بن مالك قال الشيخ عن أبو الفرج رحمه الله: فإن قيل: وهل هذه الفرق معروفة: فالجواب: إنا نعرف الافتراق وأصول الفرق، وإن كل طائفة من الفرق قد انقسمت إلى فرق وإن لم نحط بأسماء تلك الفرق ومذاهبها، وقد ظهر لنا من أصول الفرق الحرورية، والقدرية، والجهمية، والمرجئة، والرافضة، والجبرية، وقد قال بعض أهل العلم: أصل الفرق الضالة هذه الفرق الست، وقد انقسمت كل فرقة منها على اثنتي عشرة فرقة، فصارت اثنتين وسبعين فرقة.
وانقسمت الحرورية اثنتي عشرة فرقة: فأولهم الأزرقية قالوا: لا نعلم [ ص: 21 ] أحدا مؤمنا، وكفروا أهل القبلة إلا من دان بقولهم، والإباضية قالوا: من أخذ بقولنا فهو مؤمن، ومن أعرض عنه فهو منافق، والثعلبية قالوا: إن الله لم يقض ولم يقدر، والحازمية قالوا: ما ندري ما الإيمان، والخلق كلهم معذورون، والخليفة زعموا أن من ترك الجهاد من ذكر أو أنثى فقد كفر، والمكرمية قالوا: ليس لأحد أن يمس أحدا لأنه لا يعرف الطاهر من النجس، ولا أن يؤاكله حتى يتوب ويغتسل، والكنزية قالوا: لا ينبغي لأحد أن يعطي ماله أحدا، لأنه ربما لم يكن مستحقا، بل يكنزه في الأرض حتى يظهر أهل الحق، والشمراخية قالوا: لا بأس بمس النساء الأجانب، لأنهن رياحين، والأخنسية قالوا: لا يلحق الميت بعد موته خير، ولا شر، والمحكمية قالوا: إن من حاكم إلى مخلوق فهو كافر، والمعتزلة من الحرورية قالوا: اشتبه علينا أمر علي ، ومعاوية ، فنحن نتبرأ من الفريقين، والميمونية قالوا: لا إمام إلا برضا أهل محبتنا.
وانقسمت القدرية اثنتي عشرة فرقة: الأحمرية، وهي التي زعمت أن شرط العدل من الله أن يملك عباده أمورهم، ويحول بينهم وبين معاصيهم، والثنوية، وهي التي زعمت أن الخير من الله، والشر من إبليس، والمعتزلة هم الذين قالوا بخلق القرآن، وجحدوا الرؤية، والكيسانية هم الذين قالوا: لا ندري هذه الأفعال من الله أم من العباد، ولا نعلم أيثاب الناس بعد الموت أو يعاقبون، والشيطانية قالوا: إن الله لم يخلق شيطانا، والشريكية قالوا: إن السيئات كلها مقدرة إلا الكفر، والوهمية قالوا: ليس لأفعال الخلق وكلامهم ذات، ولا للحسنة [ ص: 22 ] والسيئة ذات، والراوندية قالوا: كل كتاب أنزل من الله فالعمل به حق ناسخا كان أو منسوخا، والبترية زعموا أن من عصى ثم تاب لم تقبل توبته، والناكثية زعموا أن من نكث بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا إثم عليه، والقاسطية فضلوا طلب الدنيا على الزهد فيها، والنظامية تبعوا إبراهيم النظام في قوله: من زعم أن الله شيء فهو كافر.
وانقسمت الجهمية اثنتي عشرة فرقة: المعطلة زعموا أن كل ما يقع عليه وهم الإنسان فهو مخلوق، ومن ادعى أن الله يرى فهو كافر، والمريسية قالوا: أكثر صفات الله مخلوقة، والملتزمة جعلوا الباري سبحانه وتعالى في كل مكان، والواردية قالوا: لا يدخل النار من عرف ربه، ومن دخلها لم يخرج منها أبدا، الزنادقة قالوا: ليس لأحد أن يثبت لنفسه ربا، لأن الإثبات لا يكون إلا بعد إدراك الحواس، وما يدرك فليس بإله، وما لا يدرك لا يثبت، والحرقية زعموا أن الكافر تحرقه النار مرة واحدة، ثم يبقى محترقا أبدا لا يجد حر النار، والمخلوقية زعموا أن القرآن مخلوق، والفانية زعموا أن الجنة والنار تفنيان، ومنهم من قال إنهما لم تخلقا، والمغيرية جحدوا الرسل فقالوا: إنما هم حكام، والواقفية قالوا: لا نقول إن القرآن مخلوق ولا غير مخلوق، والقبرية ينكرون عذاب القبر والشفاعة، واللفظية قالوا: لفظنا بالقرآن مخلوق.
وانقسمت المرجئة اثنتي عشرة فرقة: التاركية قالوا: ليس لله عز وجل على خلقه فريضة سوى الإيمان به فمن آمن به وعرفه فليفعل ما شاء، والسائبية قالوا: إن الله تعالى سيب خلقه ليعملوا ما شاؤوا، والراجية قالوا: لا نسمي الطائع طائعا ولا العاصي عاصيا، لأنا لا ندري ما له عند الله، والشاكية قالوا: إن الطاعات ليست من الإيمان، والبيهسية قالوا: الإيمان علم، ومن لا يعلم الحق من الباطل، والحلال من الحرام فهو كافر، والمنقوصية قالوا: الإيمان لا يزيد ولا [ ص: 23 ] ينقص، والمستثنية نفوا الاستثناء في الإيمان، والمشبهة يقولون: لله بصر كبصري، ويد كيدي، والحشوية جعلوا حكم الأحاديث كلها واحدا، فعندهم إن تارك النفل كتارك الفرض، والظاهرية وهم الذين نفوا القياس، والبدعية أول من ابتدع الأحداث في هذه الأمة.
وانقسمت الرافضة اثنتي عشرة فرقة: العلوية قالوا: إن الرسالة كانت إلى علي ، وإن جبريل أخطأ، والأمرية قالوا: إن عليا شريك محمد صلى الله عليه وسلم في أمره، والشيعة قالوا: إن عليا رضي الله عنه وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووليه من بعده، وإن الأمة كفرت بمبايعة غيره،والإسحاقية قالوا: إن النبوة متصلة إلى يوم القيامة، وكل من يعلم علم أهل البيت فهو نبي، والناووسية قالوا: إن عليا أفضل الأمة، فمن فضل غيره عليه فقد كفر، والإمامية قالوا: لا يمكن أن تكون الدنيا بغير إمام من ولد الحسين ، وإن الإمام يعلمه جبرائيل، فإذا مات بدل مكانه مثله، واليزيدية قالوا: إن ولد الحسين كلهم أئمة في الصلوات، فمتى وجد منهم أحد لم تجز الصلاة خلف غيره برهم وفاجرهم، والعباسية زعموا أن العباس كان أولى بالخلافة من غيره، والمتناسخة قالوا: إن الأرواح تتناسخ، فمتى كان محسنا خرجت روحه فدخلت في خلق تسعد بعيشه، ومن كان مسيئا دخلت روحه في خلق تشقى بعيشه، والرجعية زعموا أن عليا وأصحابه يرجعون إلى الدنيا، وينتقمون من أعدائهم، واللاعنية الذين يلعنون عثمان ، وطلحة ، والزبير ، ومعاوية ، وأبا موسى وغيرهم رضي الله عنهم، وعائشة، والمتربصة تشبهوا بزي النساك، ونصبوا في كل عصر رجلا ينسبون الأمر إليه يزعمون أنه مهدي هذه الأمة، فإذا مات نصبوا رجلا آخر.
وانقسمت الجبرية اثنتي عشرة فرقة، فمنهم: المضطربة قالوا: لا فعل للآدمي، بل الله عز وجل يفعل الكل، والأفعالية قالوا: لنا أفعال، ولكن لا استطاعة لنا فيها، وإنما نحن كالبهائم نقاد بالحبل، والمفروغية قالوا: كل الأشياء قد خلقت، [ ص: 24 ] والآن لا يخلق شيء، والنجارية زعمت أن الله يعذب الناس على فعله لا على فعلهم، والمتانية قالوا: عليك بما خطر بقلبك فافعل ما توسمت به الخير، والكسبية قالوا: لا يكسب العبد ثوابا ولا عقابا، والسابقية قالوا: من شاء فليعمل، ومن شاء لا يعمل، فإن السعيد لا تضره ذنوبه، والشقي لا ينفعه بره، والحبية قالوا: من شرب كأس محبة الله عز وجل سقطت عنه الأركان، والقيام بها، والخوفية قالوا: إن من أحب الله سبحانه وتعالى لم يسعه أن يخافه، لأن الحبيب لا يخاف حبيبه، والفكرية قالوا: إن من ازداد علما سقط عنه بقدر ذلك من العبادة، والخسية قالوا: الدنيا بين العباد سواء لا تفاضل بينهم فيما ورثهم أبوهم آدم، والمعية قالوا: منا الفعل، ولنا الاستطاعة.