الباب الرابع: في معنى التلبيس والغرور
قال المصنف: التلبيس إظهار الباطل في صورة الحق، والغرور نوع جهل يوجب اعتقاد الفاسد صحيحا، والرديء جيدا، وسببه وجود شبهة أوجبت ذلك، وإنما يدخل إبليس على الناس بقدر ما يمكنه، ويزيد تمكنه منهم، ويقل على مقدار يقظتهم وغفلتهم وجهلهم وعلمهم، واعلم أن القلب كالحصن، وعلى ذلك الحصن سور، وللسور أبواب، وفيه ثلم، وساكنه العقل، والملائكة تتردد إلى ذلك الحصن، وإلى جانبه ربض فيه الهوى، والشياطين تختلف إلى ذلك الربض من غير مانع، والحرب قائم بين أهل الحصن، وأهل الربض، والشياطين لا تزال تدور حول الحصن تطلب غفلة الحارس، والعبور من بعض الثلم، فينبغي للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن الذي قد وكل بحفظه، وجميع الثلم، وأن لا يفتر عن الحراسة لحظة، فإن العدو ما يفتر. للحسن البصري: أينام إبليس؟ قال: لو نام لوجدنا راحة، وهذا الحصن مستنير بالذكر، مشرق بالإيمان، وفيه مرآة صقيلة يتراءى فيها صور كل ما يمر به، فأول ما يفعل الشيطان في الربض إكثار الدخان، فتسود حيطان الحصن، وتصدأ المرآة، وكمال الفكر يرد الدخان، وصقل الذكر يجلو المرآة، وللعدو حملات، فتارة يحمل فيدخل الحصن، فيكر عليه الحارس، فيخرج، وربما دخل فعاث، وربما أقام لغفلة الحارس، وربما ركدت الريح الطاردة للدخان، فتسود حيطان الحصن، وتصدأ المرآة، فيمر الشيطان ولا يدري به، وربما جرح الحارس لغفلته، وأسر، واستخدم، وأقيم يستنبط الحيل في موافقة الهوى ومساعدته، وربما صار كالفقيه في الشر. قال بعض السلف: رأيت الشيطان، فقال لي: قد كنت ألقى الناس فأعلمهم، فصرت ألقاهم فأتعلم منهم، وربما هجم الشيطان على الذكي الفطن، ومعه عروس الهوى قد جلاها، فيتشاغل الفطن بالنظر إليها فيستأسره، وأقوى القيد الذي يوثق به الأسرى الجهل، وأوسطه في القوة الهوى، وأضعفه الغفلة، وما دام درع الإيمان على المؤمن، فإن نبل العدو لا يقع في مقتل. قال رجل
[ ص: 39 ] أخبرنا محمد بن أبي القاسم ، نا أحمد بن أحمد ، نا ، نا أبو نعيم الحافظ ، ثنا أبو محمد بن حيان أحمد بن محمد بن يعقوب ، ثنا ، ثنا محمد بن يوسف الجوهري قال: سمعت أبو غسان النهدي رحمه الله يقول: إن الشيطان ليفتح للعبد تسعة وتسعين بابا من الخير يريد به بابا من الشر. أنبأنا الحسن بن صالح ، نا علي بن عبد الله محمد بن محمد النديم ، نا عمي عبد الواحد بن أحمد ، ثنى أحمد بن الحسين العدل ، ثنا أبو جعفر محمد بن صالح ، ثنا حيان بن الفلس الجماني ، ثنا حماد بن شعيب ، عن الأعمش قال: حدثنا رجل كان يكلم الجن، قالوا: ليس علينا أشد ممن يتبع السنة، وأما أصحاب الأهواء، فإنا نلعب بهم لعبا.