ذكر تلبيسه عليهم في الوضوء
وسبب هذا التلبيس الجهل بالشرع لأن النية بالقلب لا باللفظ فتكلف اللفظ أمر لا يحتاج إليه ثم لا معنى لتكرار اللفظ، ومنهم من يلبس عليه بالنظر في الماء المتوضأ به. فيقول: من أين لك أنه طاهر ويقدر له فيه كل احتمال بعيد. وفتوى الشرع يكفيه بأن أصل الماء الطهارة فلا يترك الأصل بالاحتمال، ومنهم من يلبس عليه بكثرة استعمال الماء وذلك يجمع أربعة أشياء مكروهة: الإسراف في الماء وتضييع العمر القيم فيما [ ص: 132 ] ليس بواجب ولا مندوب والتعاطي على الشريعة إذا لم يقنع بما قنعت به من استعمال الماء القليل والدخول فيما نهت عنه من الزيادة على الثلاث وربما أطال الوضوء ففات وقت الصلاة أو فات أوله وهو الفضيلة أو فاتته الجماعة. منهم من يلبس عليه في النية فتراه يقول: أرفع الحدث. ثم يقول: أستبيح الصلاة ثم يعيد فيقول: أرفع الحدث.
وتلبيس إبليس على هذا: بأنك في عبادة ما لم تصح لا تصح الصلاة. ولو تدبر أمره لعلم أنه في مخالفة وتفريط، وقد رأينا من ينظر في هذه الوساوس ولا يبالي بمطعمه ومشربه ولا يحفظ لسانه من غيبة فليته قلب الأمر، وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص وفي الحديث عن أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ، فقال: ما هذا السرف يا سعد، قال: أفي الوضوء سرف، قال: نعم وإن كنت على نهر جار، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبي "للوضوء شيطان يقال له الولهان فاتقوه أو قال فاحذروه" وعن رضي الله عنه قال: شيطان الوضوء يدعى الولهان يضحك بالناس في الوضوء، وبإسناد مرفوع إلى الحسن أبي نعامة إن سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك الفردوس وأسألك فقال عبد الله: سل الله الجنة وتعوذ به من النار فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: عبد الله بن مغفل "سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور"، وعن قال: كان ابن شوذب يعرض الحسن بابن سيرين يقول: يتوضأ أحدهم بقربة ويغتسل بمزادة صبا صبا ودلكا دلكا تعذيبا لأنفسهم وخلافا لسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم. وكان أبو الوفاء بن عقيل يقول: أجل محصول عند العقلاء الوقت، وأقل متعبد به الماء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: وقال في المني: "أمطه عنك بإذخرة" قال وفي الحذاء طهوره بأن يدلك بالأرض وفي ذيل المرأة يطهره ما بعده، وقال: "صبوا على بول الأعرابي ذنوبا من ماء" "يغسل بول الجارية وينضح بول الغلام" وكان يحمل ابنه أبي العاص بن الربيع في الصلاة ونهى الراعي عن إعلام السائل له عن الماء وما يرده وقال: "ما أبقيت لنا طهور" وقال: "يا صاحب الماء لا تخبره" وقد صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب وركب الحمار معروريا وما عرف من خلقه التعبد بكثرة الماء وتوضأ من سقاية المسجد ومعلوم حال الأعراب الذين يأتي أحدهم من البادية كأنه بهيمة أو ما سمعت أن أحدهم أقدم على البول في المسجد كل ذلك لتعليمنا وإعلامنا أن الماء على أصل الطهارة وتوضأ من غدير كأن ماءه نقاعة الحناء فأما قوله: فإن للتنزه حدا معلوما وهو أن لا يغفل عن محل قد أصابه حتى يتبعه الماء، فأما الاستنثار فإنه إذا علق نما وانقطع [ ص: 133 ] الوقت بما لا يقضي بمثله الشرع. "استنزهوا البول"
قال المصنف: وكان أسود بن سالم وهو من كبار الصالحين يستعمل ماء كثيرا في وضوئه ثم ترك ذلك فسأله رجل عن سبب تركه فقال: نمت ليلة فإذا بهاتف يهتف بي يا أسود ما هذا. حدثني عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال: إذا جاوز الوضوء ثلاثا لم يرفع إلى السماء. قال: قلت لا أعود لا أعود، فأنا اليوم يكفيني كف من ماء. سعيد بن المسيب