حقا أقول لقد كلفتني شططا حملي هواك وصبري إن ذا عجب
قلت: قلة علم هذا الرجل أثمر أن سأل البلاء. وفي سؤال البلاء معنى التقاوى وذاك من أقبح القبيح و - الشطط - الجور ولا يجوز أن ينسب إلى الله تعالى. وأحسن ما حمل عليه حاله أن يكون قال هذا البيت في زمان التغيير، أخبرنا أنبأنا محمد بن ناصر أحمد بن علي بن خلف ، نا محمد بن الحسين السلمي سمعت أبا الحسن علي بن إبراهيم الحصري يقول دعوني وبلائي ألستم أولاد آدم الذي خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وأمره بأمره فخالفه، إذا كان أول الدن دردي كيف يكون آخره. قال وقال الحصري كنت زمانا إذا قرأت القرآن لا أستعيذ من الشيطان وأقول الشيطان حتى يحضر كلام الحق.قال المصنف رحمه الله قلت: أما القول الأول بأنه يتسلط على الأنبياء جرأة قبيحة وسوء أدب. وأما الثاني فمخالف لما أمر الله عز وجل به فإنه قال: ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله ) . أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر ، نا عباد بن إبراهيم النسفي ، ثنا محمد بن الحسين السلمي قال وجدت في كتاب أبي بخطه سمعت أبا العباس أحمد بن محمد الدينوري يقول: قد سموا الطبع زيادة، وسوء الأدب إخلاصا، والخروج عن الحق شطحا، والتلذذ بالمذموم طيبة وسوء الخلق صولة، والبخل جلادة، واتباع الهوى ابتلاء، والرجوع إلى الدنيا وصولا والسؤال عملا، وبذأ اللسان ملامة، وما هذا طريق القوم. وقال نقضوا أركان التصوف وهدموا سبيلها وغيروا معانيها بأسام أحدثوها عبرت ابن عقيل الصوفية عن الحرام بعبارات غيروا لها الأسماء مع حصول المعنى فقالوا في الاجتماع على الطيبة والغناء والخنكرة، أوقات. وقالوا في المردان شب وفي المعشوقة أخت، وفي المحبة مريدة، وفي الرقص والطرب وجد، وفي مناخ العهود والبطالة رباط، وهذا التغيير للأسماء لا يباح.
بيان جملة مروية على الصوفية من الأفعال المنكرة.
قلت: قد سبق ذكر أفعال كثيرة لهم كلها منكرة وإنما نذكر ههنا من أمهات الأفعال وعجائبها. أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد أنبأنا أبو علي الحسن بن [ ص: 339 ] محمد بن الفضل الكرماني ، نا أبو الحسن سهل بن علي الخشاب ، نا أبو نصر عبد الله بن علي السراج قال ذكر عن أبي الكريتي - وكان أستاذ الجنيد - أنه أصابته جنابة وكان عليه مرقعة تخينة فجاء إلى شاطئ الدجلة والبرد شديد فحرنت نفسه عن الدخول في الماء لشدة البرد فطرح نفسه في الماء مع المرقعة ولم يزل يغوص حتى خرج وقال: عقدت أن لا أنزعها عن بدني حتى تجف علي فلم تجف عليه شهرا.
أخبرنا ، نا عبد الرحمن بن محمد القزاز أحمد بن علي بن ثابت ، ثنا عبد العزيز بن علي ، ثنا علي بن عبد الله الهمداني ، ثنا الخلدي ثني جنيد قال سمعت أبا جعفر ابن الكريتي يقول أصبت ليلة جنابة فاحتجت أن أغتسل وكانت ليلة باردة فوجدت في نفسي تأخرا وتقصيرا وحدثتني نفسي لو تركت حتى تصبح ويسخن لك الماء أو تدخل حماما وإلا، اعبأ على نفسك فقلت: واعجبا أنا أعامل الله تعالى في طول عمري يجب له علي حق لا أجد المسارعة إليه، وأجد الوقوف والتباطؤ والتأخر آليت لا أغتسل إلا في نهر وآليت لا اغتسلت إلا في نهر وآليت لا اغتسلت إلا في مرقعتي هذه. وآليت لأعصرنها وآليت لأجففنها في شمس أو كما قال. قلت: قد سبق في ذكر المرقعات وصف هذه المرقعة لابن التكريتي وأنه وزن أحد كميها فكان فيه أحد عشر رطلا وإنما ذكر هذا للناس ليبين أني فعلت الحسن الجميل. وحكوه عنه ليبين فضله وذلك جهل محض لأن هذا الرجل عصى الله سبحانه وتعالى بما فعل. وإنما يعجب هذا الفعل العوام الحمقى لا العلماء. فقد جمع هذا المسكين لنفسه فنونا من التعذيب: إلقاؤها في الماء البارد، وكونه في مرقعة لا يمكنه الحركة فيها كما يريد. ولعله قد بقي من مغابنه ما لم يصل إليه الماء لكثافة هذه المرقعة وبقائها عليه مبتلة شهرا وذلك يمنعه لذة النوم. وكل هذا الفعل خطأ وإثم وربما كان ذلك سببا لمرضه أو قتله. ولا يجوز لأحد أن يعاقب نفسه
أخبرنا المحمدان ابن ناصر ، وابن عبد الباقي قال أخبرنا حمد بن أحمد بن عبد الله الأصبهاني قال: كانت أم علي زوجة أحمد بن حضرويه قد أحلت زوجها أحمد من صداقها على أن يزور بها أبا يزيد البسطامي فحملها إليه فدخلت عليه وقعدت بين يديه مسفرة عن وجهها، فلما قال لها أحمد: رأيت منك عجبا. [ ص: 340 ] أسفرت عن وجهك بين يدي أبي يزيد قالت: لأني لما نظرت إليه فقدت حظوظ نفسي وكلما نظرت إليك رجعت إلي حظوظ نفسي فلما أراد أحمد الخروح من عند أبي يزيد قال له أوصني. قال تعلم الفتوة من زوجتك. أخبرنا أبو بكر بن حبيب ، نا أبو سعد بن أبي صادق ، نا سمعت ابن باكويه أبا بكر الفازي (وفاز قرية بطرسوس ) سمعت أبا بكر السباك سمعت يوسف بن الحسين يقول: كان بين وبين أحمد بن أبي الحواري عقد أن لا يخالفه في شيء يأمره به فجاءه يوما وهو يتكلم في المجلس فقال إن التنور قد سجرناه فما تأمرنا فما أجابه فأعاد مرة أو مرتين فقال له في الثالثة اذهب واقعد فيه ففعل ذلك، فقال أبي سليمان أبو سليمان الحقوه فإن بيني وبينه عقدا أن لا يخالفني في شيء آمره به، فقام وقاموا معه فجاؤوا إلى التنور فوجدوه قاعدا في وسطه فأخذ بيده وأقامه فما أصابه خدش.
قال المصنف رحمه الله: هذه الحكاية بعيدة الصحة ولو صحت كان دخوله النار معصية، وفي الصحيحين علي رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليها رجلا من الأنصار فلما خرجوا وجد عليهم في شيء فقال لهم أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني قالوا بلى قال فاجمعوا حطبا فجمعوا ثم دعا بنار فأضرمها ثم قال عزمت عليكم لتدخلنها قال فهم القوم أن يدخلوها فقال لهم شاب إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار فلا تعجلوا حتى تلقوا النبي صلى الله عليه وسلم فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوا فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا إنما الطاعة في المعروف" أخبرنا من حديث ، نا عبد الرحمن بن محمد القزاز أحمد بن علي بن ثابت ، نا أخبرني أبو نعيم الحافظ الحسن بن جعفر بن علي أخبرني عبد الله بن إبراهيم الجزري قال: قال أبو الخير الدئيلي كنت جالسا عند خير النساج فأتته امرأة وقالت له أعطني المنديل الذي دفعته إليك قال نعم فدفعه إليها قالت كم الأجرة قال درهمان قالت ما معي الساعة شيء وأنا قد ترددت إليك مرارا فلم أرك وأنا آتيك به غدا إن شاء الله تعالى فقال لها خير إن أتيتني بهما ولم تجديني فارمي بهما في دجلة فإني إذا جئت أخذتهما فقالت المرأة كيف تأخذ من دجلة فقال لها خير هذا التفتيش فضول منك افعلي ما أمرتك. قالت إن شاء الله فمرت المرأة قال أبو الحسين فجئت من الغد وكان خير غائبا وإذا المرأة قد جاءت ومعها [ ص: 341 ] خرقة فيها درهمان فلم تجده فرمت بالخرقة في دجلة وإذا بسرطان قد تعلقت بالخرقة وغاصت وبعد ساعة جاء خير وفتح باب حانوته وجلس على الشط يتوضأ وإذا بسرطان قد خرجت من الماء تسعى نحوه والخرقة على ظهرها فلما قربت من الشيخ أخذها فقلت له رأيت كذا وكذا فقال أحب أن لا تبوح به في حياتي فأجبته إلى ذلك.
قال المصنف رحمه الله: صحة مثل هذا تبعد، ولو صح لم يخرج هذا الفعل من مخالفة الشرع لأن وهذا إضاعة. وفي الصحيح الشرع قد أمر بحفظ المال أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن إضاعة المال" ولا تلتفت إلى قول من يزعم أن هذا كرامة لأن أخبرنا الله عز وجل لا يكرم مخالفا لشرعه. ، نا أبو منصور القزاز أبو بكر بن ثابت ، نا سمعت أبو نعيم الحافظ أبا الفرج الورياني سمعت علي بن عبد الرحيم يقول: دخلت على النوري ذات يوم فرأيت رجليه منتفختين فسألته عن أمره فقال طالبتني نفسي بأكل الثمر فجعلت أدافعها فتأبى علي فخرجت فاشتريت. فلما أن أكلت قلت لها قومي فصلي فأبت علي فقلت لله علي إن قعدت إلى الأرض أربعين يوما إلا في التشهد فما قعدت قلت: من سمع هذا من الجهال يقول ما أحسن هذه المجاهدة ولا يدري أن هذا الفعل لا يحل لأنه حمل على النفس ما لا يجوز ومنعها حقها من الراحة وقد حكى أبو حامد الغزالي في كتاب الإحياء قال كان بعض الشيوخ في بداية إرادته يكسل عن القيام فألزم نفسه القيام على رأسه طول الليل لتسمح نفسه بالقيام عن طوع قال وعالج بعضهم حب المال بأن باع جميع ماله ورماه في البحر إذا خاف من تفرقته على الناس رعونة الجود ورياء البذل: قال وكان بعضهم يستأجر من يشتمه على ملأ من الناس ليعود نفسه الحلم قال وكان آخر يركب البحر في الشتاء عند اضطراب الموج ليصير شجاعا.
قال المصنف رحمه الله: أعجب من جميع هؤلاء عندي أبو حامد كيف حكى هذه الأشياء ولم ينكرها. وكيف ينكرها وقد أتى بها في معرض التعليم وقال قبل أن يورد هذه الحكايات: ينبغي للشيخ أن ينظر إلى حالة المبتدئ فإن رأى معه مالا فاضلا عن قدر حاجته أخذه وصرفه في الخير وفرغ قلبه منه حتى لا يلتفت إليه. وإن رأى الكبرياء قد غلب عليه أمره أن يخرج إلى السوق [ ص: 342 ] للكد ويكلفه السؤال والمواظبة على ذلك. وإن رأى الغالب عليه البطالة استخدمه في بيت الماء وتنظيفه وكنس المواضع القذرة وملازمة المطبخ ومواضع الدخان وإن رأى شره الطعام غالبا عليه ألزمه الصوم. وإن رآه عزبا ولم تنكسر شهوته بالصوم أمره أن يفطر ليلة على الماء دون الخبز وليلة على الخبز دون الماء ويمنعه اللحم رأسا.
قلت: وإني لأتعجب من أبي حامد كيف يأمر بهذه الأشياء التي تخالف الشريعة وكيف يحل القيام على الرأس طول الليل فينعكس الدم إلى وجهه ويورثه ذلك مرضا شديدا وكيف يحل رمي المال في البحر. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال. وهل يحل وهل يجوز للمسلم أن يستأجر على ذلك وكيف يجوز ركوب البحر زمان اضطرابه وذلك زمان قد سقط فيه الخطاب بأداء الحج. وكيف يحل سب مسلم بلا سبب. فما أرخص ما باع السؤال لمن يقدر أن يكتسب. أبو حامد الغزالي الفقه بالتصوف!
أنبأنا ابن ناصر ، نا أبو الفضل السهلكي ، نا أبو علي عبد الله بن إبراهيم النيسابوري ، ثنا أبو الحسن علي بن جهضم ، ثنا أبو صالح الدامغاني ، عن الحسن بن علي الدامغاني. قال: كان رجل من أهل بسطام لا ينقطع عن مجلس أبي يزيد لا يفارقه. فقال له ذات يوم: يا أستاذ أنا منذ ثلاثين سنة أصوم الدهر وأقوم الليل وقد تركت الشهوات ولست أجد في قلبي من هذا الذي نذكره شيئا البتة. فقال له أبو يزيد لو صمت ثلاثمائة سنة وقمت ثلاثمائة سنة وأنت على ما أراك لا تجد من هذا العلم ذرة قال ولم يا أستاذ قال: لأنك محجوب بنفسك فقال له: أفلهذا دواء حتى ينكشف هذا الحجاب قال: نعم ولكنك لم تقبل قال: بلى أقبل وأعمل ما تقول. قال أبو يزيد اذهب الساعة إلى الحجام واحلق رأسك ولحيتك وانزع عنك هذا اللباس وابرز بعباءة وعلق في عنقك مخلاة واملأها جوزا واجمع حولك صبيانا وقل بأعلى صوتك يا صبيان من يصفعني صفعة أعطيته جوزة وادخل إلى سوقك الذي تعظم فيه. فقال يا أبا يزيد سبحان الله تقول لي مثل هذا ويحسن أن أفعل هذا. فقال أبو يزيد قولك سبحان الله شرك. قال وكيف قال لأنك عظمت نفسك فسبحتها. فقال يا أبا يزيد هذا ليس أقدر عليه ولا أفعله ولكن دلني على غيره حتى أفعله. فقال أبو يزيد ابتدر هذا قبل [ ص: 343 ] كل شيء حتى تسقط جاهك وتذل نفسك ثم بعد ذلك أعرفك ما يصلح لك قال لا أطيق هذا. قال: إنك لا تقبل.