79 - (000) : حدثنا قال : ثنا الربيع بن سليمان ، شعيب بن الليث ، قال : ثنا عن الليث ، عن محمد بن العجلان ، عن أبيه ، عن سهيل بن أبي صالح رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة " لا يجتمعان في النار اجتماعا - يعني أحدهما مسلم قتل كافرا ، ثم سدد المسلم وقارب " .
قال كذاك نقول في فضائل الأعمال التي ذكرنا أن من عمل من المسلمين بعض تلك الأعمال ، ثم سدد وقارب ومات على إيمانه دخل الجنة ، ولم يدخل النار ، موضع الكفار منها ، وإن ارتكب بعض المعاصي لذلك لا يجتمع قاتل الكافر إذا مات على إيمانه مع الكافر المقتول في موضع واحد من النار ، لا أنه لا يدخل النار ، ولا موضعا منها ، وإن ارتكب جميع الكبائر ، خلا الشرك بالله عز وجل ، إذا لم يشأ الله أن يغفر له ما دون الشرك فقد خبر الله عز وجل أن للنار سبعة [ ص: 834 ] أبواب : فقال لإبليس : أبو بكر : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ، إلى قوله تعالى : لكل باب منهم جزء مقسوم فأعلمنا ربنا عز وجل أنه قسم تابعي إبليس من الغاوين سبعة أجزاء على عدد أبواب النار ، فجعل لكل باب منهم جزءا معلوما واستثنى عباده المخلصين من هذا القسم .
فكل مرتكب معصية زجر الله عنها ، فقد أغواه إبليس ، والله عز وجل قد يشاء غفران كل معصية يرتكبها المسلم دون الشرك ، وإن لم يتب منها ، لذاك أعلمنا في محكم تنزيله في قوله : ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .
وأعلمنا خالقنا - عز وجل - أن آدم خلقه بيده ، وأسكنه جنته ، وأمر ملائكته بالسجود له ، عصاه فغوى ، وأنه عز وجل برأفته ورحمته اجتباه بعد ذلك ، فتاب عليه وهدى ، ولم يحرمه الله بارتكاب هذه الحوبة ، بعد ارتكابه إياها ، فمن لم يغفر الله له حوبته التي ارتكبها ، وأوقع عليها اسم غاو ، فهو داخل في الأجزاء ، جزاء وقسما لأبواب النار السبعة .
وفي ذكر آدم - صلى الله عليه وسلم - وقوله عز وجل : وعصى آدم ربه فغوى ما يبين ويوضح أن اسم الغاوي قد يقع على مرتكب خطيئة ، قد زجر الله عن إتيانها ، وإن لم تكن تلك الخطيئة كفرا ولا شركا ، ولا ما يقاربها ويشبهها ، ومحال أن يكون المؤمن الموحد لله - عز وجل - قلبه ولسانه المطيع لخالقه في أكثر ما فرض الله عليه ، وندبه إليه من أعمال البر غير المفترض عليه ، المنتهي عن أكثر المعاصي - وإن ارتكب بعض المعاصي والحوبات - في قسم من كفر بالله ودعا معه آلهة ، أو (جعل) له [ ص: 835 ] صاحبة أو ولدا ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولم يؤمن أيضا بشيء (مما أمر الله بالإيمان به ، ولا أطاع الله في شيء أمره به) ، من الفرائض والنوافل ، ولا انزجر عن معصية نهى الله عنها ، محال أن يجتمع هذان في درجة واحدة من النار ، والعقل مركب على أن يعلم أن كل من كان أعظم خطيئة وأكثر ذنوبا لم يتجاوز الله عن ذنوبه ، كان أشد عذابا في النار ، كما يعلم كل عاقل أن كل من كان أكثر طاعة لله عز وجل وتقربا إليه بفعل الخيرات واجتناب السيئات كان أرفع درجة في الجنان ، وأعظم ثوابا وأجزل نعمة ، فكيف يجوز أن يتوهم مسلم أن أهل التوحيد يجتمعون في النار ، في الدرجة ، مع من كان يفتري على الله عز وجل فيدعو له شريكا أو شركاء ، فيدعو له صاحبة وولدا ، ويكفر به ويشرك ، ويكفر بكل ما أمر الله عز وجل بالإيمان به ، ويكذب جميع الرسل ويترك جميع الفرائض ، ويرتكب جميع المعاصي ، فيعبد النيران ويسجد للأصنام ، والصلبان ، فمن لم يفهم هذا الباب لم يجد بدا من تكذيب الأخبار الثابتة المتواترة التي ذكرتها عن النبي - صلى الله عليه وسلم في إخراج أهل التوحيد من النار .
إذ محال أن يقال : أخرجوا من النار من ليس فيها ، وأمحل من هذا أن يقال : يخرج من النار من ليس فيها ، وفي إبطال أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - دروس الدين وإبطال الإسلام ، والله عز وجل لم يجمع بين جميع الكفار في موضع واحد من النار ، ولا سوى [ ص: 836 ] بين عذاب جميعهم ، قال الله عز وجل : إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار . وقال :
أدخلوا آل فرعون أشد العذاب .
قال أبو بكر : وسأبين بمشيئة خالقنا - عز وجل - معنى أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدخل النار من فعل كذا ، ومعنى قوله : (يخرج من النار) ، وأؤلف بين معنى هذه الأخبار تأليفا بينا مشروحا بعد ذكري لأخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - إن حملت على ظاهرها كانت دافعة للأخبار التي ذكرناها في فضائل الأعمال التي خبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن فعل صاحبها بعضها يستوجب الجنة ، ويعاذ من النار .