الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

فأود أن أستفسر عن حديث سمعته للرسول صلى الله عليه وسلم، وأريد أن أتأكد إن كان صحيحاً أم لا؟
مما جاء في الحديث أن مجموعة من الصحابة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم تاهوا في البحر، فأخذهم الموج إلى جزيرة، وكان مما شاهدوه في هذه الجزيرة دابة لا يعرف وجهها من ظهرها، وبعد ذلك اتجهوا إلى كهف فوجدوا رجلاً أعور العين، مثبتًا إلى جدار في الكهف، فحدثوه وحدثهم، وعندما عاد الصحابة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وأخبروه بما حدث معهم، قال لهم: إن هذا الشخص هو المسيح الدجال.
أفيدونا، وجزاكم الله خيرًا، فإذا كان الحديث صحيحاً أرجو أن تكتبوا ليَّ نصَّه.
ولكم جزيل الشكر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالحديث الذي تسأل عنه رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الفتن وأشرط الساعة تحت باب قصة الجساسة عن فاطمة بنت قيس، وفيه قالت: فَلَمّا انْقَضَتْ عِدّتِي سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي، مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُنَادِي: الصّلاَةَ جَامِعَةً. فَخَرَجْتُ إِلَىَ الْمَسْجِدِ. فَصَلّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَكُنْتُ فِي صَفّ النّسَاءِ الّتِي تَلِي ظُهُورَ الْقَوْمِ. فَلَمّا قَضَىَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَتَهُ، جَلَسَ عَلَىَ الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ. فَقَالَ: "لِيَلْزَمْ كُلّ إِنْسَانٍ مُصَلاّهُ". ثُمّ قَالَ: "أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ؟" قَالُوا: اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: "إِنّي، وَاللّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلاَ لِرَهْبَةٍ. وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ، لأَنّ تَمِيماً الدّارِيّ، كَانَ رَجُلاً نَصْرَانِيّا، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ. وَحَدّثَنِي حَدِيثاً وَافَقَ الّذِي كُنْتُ أُحَدّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدّجّالِ. حَدّثَنِي أَنّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيّةٍ، مَعَ ثَلاَثِينَ رَجُلاً مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ. فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْراً فِي الْبَحْرِ. ثُمّ أَرْفَؤُوا إِلَىَ جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حَتّىَ مَغْرِبِ الشّمْسِ. فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السّفِينَةِ. فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ. فَلَقِيَتْهُمْ دَابّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشّعَرِ. لاَ يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ. مِنْ كَثْرَةِ الشّعَرِ. فَقَالُوا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسّاسَةُ. قَالُوا: وَمَا الْجَسّاسَةُ؟ قَالَتْ: أَيّهَا الْقَوْمُ انْطَلِقُوا إِلَىَ هَذَا الرّجُلِ فِي الدّيْرِ. فَإِنّهُ إِلَىَ خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ. قَالَ: لَمّا سَمّتْ لَنَا رَجُلاً فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً.
قَالَ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعاً. حَتّىَ دَخَلْنَا الدّيْرَ. فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطّ خَلْقاً. وَأَشَدّهُ وِثَاقاً. مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَىَ عُنُقِهِ، مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَىَ كَعْبَيْهِ، بِالْحَدِيدِ. قُلْنَا: وَيْلَكَ مَا أَنْتَ؟ قَالَ: قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَىَ خَبَرِي. فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ. رَكِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيّةٍ. فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ. فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْراً. ثُمّ أَرْفَأْنَا إِلَىَ جَزِيرَتِكَ هَذِهِ. فَجَلَسْنَا فِي أَقْرُبِهَا. فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ. فَلَقِيَتْنَا دَابّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشّعَرِ. لاَ يُدْرَىَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشّعَرِ. فَقُلْنَا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسّاسَةُ. قُلْنَا: وَمَا الْجَسّاسَةُ؟ قَالَتِ: اعْمِدُوا إِلَىَ هَذَا الرّجُلِ فِي الدّيْرِ. فَإِنّهُ إِلَىَ خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ. فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعاً. وَفَزِعْنَا مِنْهَا، وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً.
فقالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ. قُلْنَا: عَنْ أَيّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا، هَلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنّهُ يُوشِكُ أَنْ لاَ تُثْمِرَ. قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطّبَرِيّةِ. قُلْنَا: عَنْ أَيّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قَالُوا: هِيَ كَثِيرَةُ المَاءِ. قَالَ: أَمَا إِنّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ. قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ. قَالُوا: عَنْ أَيّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِر؟ قَالَ: هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ. هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا. قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيّ الأُمّيّينَ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ. قَالَ: أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَىَ مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ. قَالَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ.
قَالَ: أَمَا إِنّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ. وَإِنّي مُخْبِرُكُمْ عَنّي. إِنّي أَنَا الْمَسِيحُ. وَإِنّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ. فَأَخْرُجُ فَأَسِيرُ فِي الأَرْضِ فَلاَ أَدَعُ قَرْيَةً إِلاّ هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً. غَيْرَ مَكّةَ وَطَيْبَةَ. فَهُمَا مُحَرّمَتَانِ عَلَيّ. كِلْتَاهُمَا. كُلّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً، أَوْ وَاحِداً مِنْهُمَا، اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السّيْفُ صَلْتاً. يَصُدّنِي عَنْهَا. وَإِنّ عَلَىَ كُلّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلاَئِكَةً يَحْرُسُونَهَا. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ "هَذِهِ طَيْبَةُ. هَذِهِ طَيْبَةُ. هَذِهِ طَيْبَةُ" يَعْنِي الْمَدِينَةَ "أَلاَ هَلْ كُنْتُ حَدّثْتُكُمْ ذَلِكَ؟" فَقَالَ النّاسُ: نَعَمْ. "فَإِنّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنّهُ وَافَقَ الّذِي كُنْتُ أُحَدّثُكُمْ عَنْهُ وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكّةَ. أَلاَ إِنّهُ فِي بَحْرِ الشّامِ أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ. لاَ بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، مَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، مَا هُومِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، مَا هُوَ". وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَىَ الْمَشْرِقِ. قَالَتْ: فَحَفِظْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم.

والحديث علم من أعلام النبوة، وكان سبباً في إسلام الصحابي الجليل تميم الداري رضي الله عنه وأرضاه. وقوله صلى الله عليه وسلم: "من قبل المشرق ما هو" قال القاضي عياض في معنى ذلك: لفظة (ما) زائدة صلة للكلام ليست بنافية، والمراد: إثبات أنه في جهة المشرق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني