السؤال
السلام عليكم.
أود في بادئ الأمر أن أشكركم جزيل الشكر، على ما تسدونه من مجهودات لصالح المسلمين، فجزاكم الله عنا خير الجزاء، أما بعد:
فمشكلتي أراها أعوص ما يكون؛ لأنها تحوي مشاكل عديدة وفي نفس الإطار، وأستسمحكم من الآن؛ لأن مشكلتي طويلة ومعقدة.
أنا شابة في الـ 22 من عمري، مشكلتي بدأت منذ الصغر حيث كنت أعاني - وما زلت - من وسواس قهري شديد يتعبني نفسياً وبدنياً، أعاني من وسواس النظافة، ووسواس الأفكار التسلطية ووسواس الخوف، لدرجة أني كنت في صغري أكره من يقبلني! إذ كان الناس وأقاربي يقبلونني بشكل كبير، ويقال أني لذيذة وجميلة!
كما كنت أكره فراشي الذي كنت أنام فيه، لو أن أحداً آخر من إخوتي نام فيه، كما كنت أكره أن أشرب من نفس الكأس، حتى المراحيض أخشى دخولها ولو كانت نظيفة، ناهيك عن الاستحمام!
لقد كنت أعيش العذاب! ليس هذا فقط، فإلى جانب وسواس النظافة، كان وسواس الأفكار التسلطية والخوف والتشاؤم، لقد كنت - ولا زلت - لا أنقطع عن التفكير، وتتملكني أفكار تافهة أكبر من حجمها، وأخشى دائماً المجهول وما سيجيء بعد ذلك! كما أني كنت ولا زلت أخشى النوم في الظلام، وأخشى البقاء وحدي في البيت، وأخشى الخروج وحدي؛ لأني كنت - ولازلت - أخاف إن خرجت وحدي أن يعتدى علي جنسياً أو يحدث لي مكروه!
أيضاً أنا فتاة ثورية، إذ أني أحس بأن مجتمعنا يحرم الفتاة حقوقها، ويصادر آراءها ولا يفهمها، ودائماً ألسن الناس وراءها، علماً بأني إنسانة رقيقة القلب وحساسة لأقصى الحدود، وتخشى الله تعالى! وتؤمن بالقدر خير الإيمان، والناس كلهم يرون في القدوة الصالحة والفتاة العفيفة العاقلة، لا تفاخرا ولكن هذا صحيح.
كما أسلفت الذكر، أنا فتاة متمردة على مجتمعنا الذي أرى فيه أنه أبتعد عن إسلامنا الصحيح فظلمت المرأة فيه، ونتج عن تمردي على المجتمع ـ وتقاليده التي لا تمت للدين بصلة ـ كرهي للرجال، مع أني أحب أبي حباً كبيراً وأخي لأنهما حنونان جداً ويخافان الله في عائلتي، وأبي ربانا ولله الحمد تربية صالحة، وزرع فينا خشية الله وكل معاني وقيم إسلامنا العظيم.
في صغري كنت تلك الفتاة السهلة الهادئة عند عائلتي؛ لأن كل المشاكل كانت بداخلي وأخشى البوح بها، وعندما وصلت سن المراهقة أصبحت فتاة عصبية لأقصى الحدود مع تفوقي دائماً في الدراسة.
عصبيتي غذتها الوساوس القهرية التي كنت أقاسيها، لم أكن أصارح أمي بكل ذلك؛ لأنها رغم حنانها لم تنصت لي يوماً، كما كنت أرفع صوتي عليها عندما أغضب وكنت دائماً أندم على فعل ذلك، وأعاهد نفسي أن أتمالك أعصابي في المرة القادمة، لكن دون جدوى! مع أني كنت أعلم بالغ العلم بسخط الله على من يعق والديه، فكنت أعاني وأتعذب داخلياً، وأعتزل الناس مع نفسي وأجهش بالبكاء، كان البكاء الحل الوحيد لأفرغ ما بداخلي.
علماً بأن أبي هاجر إلى الخارج للعمل منذ صغري، فلذا كانت الضغوطات كلها على أمي، حتى كنت أشفق عليها ولا أتوقف عن تأنيب نفسي، ولكن دون جدوى مع العلم أننا أسرة متضامنة ومحافظة وتقية.
كنت أيضاً أعاني من مرض زاد علي المعاناة وضاعفها، حيث كنت أعاني من حساسية الأمعاء الدقيقة، وكنت على الأقل مرة كل أسبوع يغمى علي؛ بسبب الإسهال الشديد الذي كان يصيبني.
وفي سن 17 سنة، تمكن أبي من جمع شملنا به وإدخالنا إلى فرنسا، هذا البلد الذي طالما حلمت بأنه سيحقق أحلامي الدراسية العلمية، مع مجيئنا اصطدمت بهذا المجتمع البعيد كل البعد عن ثقافتنا، ولا تربطنا به أي صلة! رغم حبي للدراسة قررت التمسك بديني ومتابعة دراستي، والحمد لله فقد نجحت في الأولى، لكن دراستي باءت بالفشل؛ لأنني فوجئت بتغير حالتي الصحية 180 درجة، فأصبحت هزيلة وضعيفة البنية وذهبت كل قواي، فتركت الرياضة وأصبحت تحركاتي ضئيلة، وأصبحت أتقوقع كثيراً في البيت، ولا أخرج إلا للدراسة، وأصبحت معدلاتي ضعيفة بعد أن كنت من الأوائل!
تدهورت صحتي ونفسيتي، وأصابني الاكتئاب البالغ، حتى الأطباء احتاروا واحتارت عائلتي، وعندها تعرفت على شاب في مثل سني، هاجر في نفس الظروف، وقد أغرم بي لدرجة الجنون، فتزوجنا رغم ترددي الكبير لأني كما قلت لكم أكره الرجال! ووقعت في حبه ولم أكن أتصور أنه يوجد رجال حنونون، فتزوجته شرعياً، وهو نعم الزوج؛ فهو حنون ويخشى الله في، وعطوف وحساس مثلي.
عندما تزوجنا كنت في الثانوية العامة، ولمرضي فشلت فأصابني الاكتئاب والخمول، وزادت حالتي الصحية تدهوراً، حتى كدت أفارق الحياة؛ لأني أصبحت غير قادرة على المشي، وضعفت بنيتي كثيراً، وأصبحت شبحا منهك القوى.
اكتشف الأطباء أخيراً أن عندي حساسية من القمح والحليب (Gluten et le lactose) فعملت (Régime) وأنا في تحسن، لكن بعد فشلي في الدراسة، أنا الآن - رغم تحسن الصحة - مكتئبة وأكره كل من حولي، وثقتي بنفسي منعدمة تماماً، ولا أحب فعل أي شيء.
لقد مر عام على زواجي، وصارحت زوجي في البداية بكل مشاكلي النفسية؛ لخوفي أن أظلمه، فاندهشت من تفهمه لي، وإرادته مساعدتي ومصارحته لي، بأني إنسانة (غير طبيعية)، أنا إنسانة حساسة جداً، وضعيفة لدرجة أن زوجي دخل بي بعد شهرين من زواجنا، وصبر لأنه يحبني ومتفهم لحساسيتي.
عرض علي زوجي أن أعرض نفسي على طبيب نفسي، وأنا مترددة؛ لأني أعلم أن الأطباء هنا كفار! وأفضل طبيباً من نفس ثقافتي وديني، إنني أعيش حالياً عذاب ذكريات الصغر السوداء، وتفاقمها في الكبر، وأنا الآن أتعذب وأعاني ولم أجد حلاً منذ الصغر، ساعدوني أناشدكم الله، فأنا أتعذب!
علماً بأن مشاكلي النفسية المذكورة في البداية، أعانيها حتى الآن مع العصبية الزائدة عن الحد، لقد جربت كل شيء بلا جدوى، وأحمد الله تعالى لأنه بعث لي زوجاً يحبني، ويفهمني ويخشى الله في.
كنت قد بدأت حفظ القرآن الكريم بمساعدة زوجي لي؛ لأنه حامل لكتاب الله ويدرس العلوم الشرعية، وهو داعية وطالب متفوق. أحس أن دماغي سينفجر، أنا لست راضية عن نفسي، ولا أفعل شيئاً، حتى الأطفال عندي مشكلة معهم، وهي أني لا أحب الأطفال، أحس أني إنسانة مريضة وغير طبيعية، أنا مكتئبة! ساعدوني أرجوكم
أعتذر عن الإطالة، سامحوني.