الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أسامح أبي وهو يظلمنا ويظلم أمي ويريد الابتعاد عنا؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا طالبة متفوّقة -والحمد لله- أعيش مع أسرتي الصغيرة، أسرتي تهتم بي جداً، وتوفر لي كل شيء لتعليمي وتربيتي، وها أنا ذا أصبحت تلك الفتاة التي تمنوها أن تكون، زرعوا في جميع الصفات المثالية، وعلموني إياها مراراً وتكراراً، والحمد لله.

في أحد الأيام تغيّر تعامل أبي معي، كنت أرى أن أبي يحبني ويهتم بي، ويفضلني عن سائر أحبابه، فلطالما درسني وعلمني الكثير من المبادئ، لكن في ذلك اليوم الذي أعتبره أسوء يوم في حياتي، تغيّر وأصبح لا يصرف علينا، لا غذاء ولا عشاء إلا القليل جداً.

كما صار يفتعل المشاكل ويجعل نفسه المظلوم، ويقلق أمي كثيراً، فتبيت باكية مظلومة جريحة، وأنا وأخواي نخفف عنها، وتعدى أبي حدوده، ما أدى بي وإخوتي لحالة نفسية سيئة جداً، وما تمالكت أمي نفسها تجاه تلك المناظر فسقطت أرضاً، وأصبحت تتنفس بصعوبة، وآثار أخرى، فبكينا أنا وأخواي، وحاولنا إسعافها، فتأفف أبي وقال: دعوها تموت فإن لكل أجله!

تأثرت كثيراً جراء تلك الكلمة، وجاءت جارتنا لإسعافها، وجلست إلى جانبها، فقررت الذهاب إلى أبي والحديث معه، قلت له: يا أبي أرجوك انظر إلى وجهي، ولأجلي تصالح أنت وأمي، ظالما كنت أم مظلوماً، فكيف يمكن لنا أن نعيش بعد هذا؟! لكنه رفض وقال: إنها ستموت وسيدخل السجن، لأني وأخوي نحبها أكثر منه، وسنشهد أنه قاتلها، وقال: إنه لا يحتاجنا، وسيرسلنا إلى منزل جدي أنا وإخوتي وأمي، ويأتي بأخته لترعاه.

صدمني أبي وقال الكثير من الأشياء من هذا النوع، وهذا أبسط مثال، وما عادت لي رغبة في شيء، اعتدت أن أسامح أي شخص لأن أبي علّمني ذلك، لكني لا أستطيع مسامحته، فهل يمكن لي ذلك؟ وكيف وقد دمر كل أحلامي التي رسمتها ورسمته فيها؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك – أختي العزيزة – ونشكر لك تواصلك مع الموقع، وحرصك على السؤال عن دينك، وأسأل الله أن يفرّج همك ويشرح صدرك وييسّر أمرك، ويرزقك التوفيق والسداد والثبات على الدين والهداية إلى الصراط المستقيم.

بخصوص تغيّر معاملة والدك للأسرة؛ فهو أمر جدير بالتأمل والنظر في الأسباب، حيث يحتمل توفر ضغوط وأزمات مالية أو اجتماعية أو نفسية وغيرها، الأمر الذي يستلزم معه ضرورة الدخول معه في حوار هادئ ومتزن ومناسب، ومن المفيد هنا الاستعانة بمن تأنسون منه احترام وتقدير وثقة والدك – غفر الله له – به، والتأثر بنصيحته ومشورته من أهل العلم أو الأهل والأقارب المعروفين بالحكمة والشهامة والمروءة.

غير بعيد توفر جهة قد أثّرت على والدك سلباً بدعمه بالأخبار المكذوبة أو المغلوطة عن أسرته، أو طروء سوء الظن عليه بتفسير بعض تصرفاتكم بما يجلب له الغيرة من أمكم، أو كراهيتكم، أو اتهامكم بالباطل، مما ينفع معه الحوار لإزالة الشبهات عنه -سلمه الله وعافاه وغفر له-.

ضرورة لزوم الصبر والحلم والأدب والاحترام مع والدك – غفر الله له – لما لا يخفى عليكِ من وجوب البر به وطاعته والإحسان إليه والأدب معه، كما قال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكِبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربِ ارحمهما كما ربياني صغيراً)، بل أوجب الشرع مصاحبة الوالدين بالمعروف ولو كانا مشركين ويجاهدان أولادهم على الشرك، كما قال تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً).

عدم المبالغة والإفراط في القلق والعاطفة السلبية، فلا تبأسي ولا تيأسي ما دمتِ قائمة بواجب البر بوالديك والتعامل مع المشكلة بهدوء وحكمة.

محاولة التخلص من الطاقة السلبية بتنمية الإيمان وطلب العلم، والترويح عن النفس بالقراءة والمشي، والابتهاج بالجوانب الطيبة والجميلة والمشرقة في الحياة.

العفو عن والدك –حفظه الله– ومسامحته ومحاولة التقرب له بخدمته وممازحته وشكر معروفه، وحسن الثناء عليه، وحسن الحديث معه ونحو ذلك من صور حسن المعاملة له، والتأثير عليه بهدوء وحكمة.

الاستغفار له ولزوم الدعاء له بالصلاح والاستقامة، وأن يرزقه الله الرحمة والحكمة وصلة الأرحام، ويكشف عنه وساوس النفس الأمّارة بالسوء والهوى وشياطين الإنس والجن (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)؟ (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ)، فتحرّي أوقات الإجابة كالدعاء في جوف الليل وأدبار الصلوات المكتوبات، ولزوم الحوقلة (لا حول ولا قوة إلا بالله) والاسترجاع (إنا لله وإنا إليه راجعون) ومن المفيد خاصة تكرار: (حسبي الله ونعم الوكيل).

حسن الظن بالله تعالى، وتعزيز الثقة بالنفس، والقدرة على الاحتمال والتغيير بإذنه سبحانه، وفي الحديث : (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)، والرقية الشرعية له ما أمكن، لدفع ما يحتمل من إصابته بالسحر والعين ونحوهما، والدفع به في الصحبة الصالحة واستماع المحاضرات والخطب المؤثرة

التقرّب إلى الله تعالى بملازمة الأذكار وقراءة القرآن وصالح الأعمال من نوافل الصلاة والصدقة والصوم (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، وفي الحديث: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك).

أسأل الله تعالى لكِ ولوالدك الكريم ووالدتك الصبورة والصالحة وأسرتك الطيبة التوفيق والسداد والهدى والبركة، والخير والرشاد، والصبر والسعادة في الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً