فصل
في كيفية التحالف
قاعدته أن يحلف كل واحد على إثبات قوله ونفي قول صاحبه . وفيمن يبدأ بيمينه ؟ طريقان .
أحدهما : البائع . وأصحهما : أنه على ثلاثة أقوال . أظهرها : البائع . والثاني : المشتري . والثالث : يتساويان . وعلى هذا وجهان .
أصحهما : [ ص: 582 ] يتخير الحاكم فيبدأ بمن اتفق . والثاني : يقرع بينهما . ولو تحالف الزوجان في الصداق ، فعلى الطريق الأول يبدأ بالزوج . وعلى الثاني : إن قدمنا البائع ، فوجهان .
أصحهما وأقربهما إلى النص : يبدأ بالزوج . والثاني : بالمرأة . وإن قدمنا المشتري ، فالقياس انعكاس الوجهين . ولا يخفى من ينزل منزلة البائع في سائر العقود . ثم جميع ما ذكرناه في الاستحباب دون الاشتراط ، نص عليه ، وصاحبا " التتمة " و " التهذيب " . وتقديم أحد الجانبين مخصوص بما إذا باع عرضا بثمن في الذمة . فأما إذا تبادلا عرضا بعرض ، فلا يتجه إلا التسوية . قاله الإمام . وينبغي أن يخرج على أن الثمن ماذا ؟ الشيخ أبو حامد
فرع
المذهب وظاهر النص : الاكتفاء بيمين واحدة - من كل واحد - تجمع النفي والإثبات ، فيقول البائع : ما بعت بخمسمائة ، وإنما بعت بألف . ويقول المشتري : ما اشتريت بألف ، وإنما اشتريت بخمسمائة ، وفيه قول ضعيف مخرج : أنه يحلف أولا على مجرد النفي . فإن اكتفينا بيمين تجمع النفي والإثبات ، فحلف أحدهما ، ونكل الآخر ، قضي للحالف ، سواء نكل عن النفي والإثبات معا ، أو عن أحدهما . وينبغي أن يقدم النفي على الإثبات ; لأن النفي هو الأصل . وقال الإصطخري : يقدم الإثبات ؛ لأنه المقصود . والصحيح الأول . وهذا الخلاف في الاستحباب على الأصح . وقيل : في الاستحقاق . فإذا قلنا بالمخرج : إنه يحلف أولا على مجرد النفي ، فأضاف إليه الإثبات كان لغوا . فإذا حلف من ابتدئ به ، عرضنا اليمين على الآخر . فإن نكل ، حلف الأول يمينا ثانية على الإثبات ، وقضي له ، وإن نكل عن الإثبات ، لم يقض له . قال الشيخ أبو محمد : ويكون كما لو تحالفا ; لأن نكول المردود عليه عن يمين الرد ، نازل في الدعاوى [ ص: 583 ] منزلة حلف الناكل أولا . ولو نكل الأول عن يمين النفي أولا ، حلف الآخر على النفي والإثبات ، وقضي له . ولو حلفا على النفي فوجهان .
أصحهما وبه قال الشيخ أبو محمد : يكفي ذلك ، ولا حاجة بعده إلى يمين الإثبات ; لأن المحوج إلى الفسخ جهالة الثمن وقد حصلت . والثاني : تعرض يمين الإثبات عليهما . فإن حلفا تم التحالف . وإن نكل أحدهما ، قضي للحالف . والكلام على هذا القول المخرج في تقديم النفي أو الإثبات كما ذكرنا على المذهب . فلو نكلا جميعا فوجهان . أحدهما : أنه كتحالفهما . والثاني : يوقف الأمر وكأنهما تركا الخصومة .
قلت : هذان الوجهان ذكرهما احتمالين لنفسه ، وذكر أن أئمة المذهب لم يتعرضوا لهذه المسألة ، ثم ذكر في آخر كلامه أنه رأى التوقف لبعض المتقدمين . وقال إمام الحرمين في " البسيط " : له حكم التحالف على الظاهر . والأصح : اختيار التوقف . والله أعلم . الغزالي