فصل
، فالصحيح المنصوص : أنه لا ينفسخ العقد بمجرد التحالف . وفي وجه : ينفسخ ، حكي ذلك عن إذا تحالفا أبي بكر الفارسي ، فإن قلنا : ينفسخ ، فتصادقا بعده ، لم يعد البيع ، بل لا بد من تجديد عقد . وهل ينفسخ في الحال ، أو نتبين ارتفاعه من أصله ؟ وجهان .
أصحهما الأول لنفوذ تصرفات المشتري قبل الاختلاف . وإن قلنا : لا ينفسخ دعاهما الحاكم بعد التحالف إلى الموافقة ، فإن دفع المشتري ما طلبه البائع ، أجبر عليه البائع ، وإلا فإن قنع بما قاله المشتري فذاك ، وإلا فيفسخ العقد . وفي من يفسخ وجهان . أحدهما : الحاكم . وأصحهما للعاقدين أيضا أن يفسخا ، ولأحدهما أن ينفرد به كالفسخ بالعيب . قال الإمام : وإذا قلنا : الحاكم هو الذي يفسخ ، فذاك إذا استمرا على النزاع ولم يفسخا ، [ ص: 584 ] أو التمسا الفسخ . أما إذا أعرضا عن الخصومة ، ولم يتفقا على شيء ، ولا فسخا ، ففيه تردد . ثم إذا فسخ العقد ارتفع في الظاهر . وفي ارتفاعه في الباطن ثلاثة أوجه . ثالثها : إن كان البائع صادقا ارتفع ؛ لتعذر وصوله إلى حقه . كما لو فسخ بإفلاسه . وإن كان كاذبا فلا ؛ لتمكنه بالصدق من حقه . وهل يجري مثل هذا الخلاف إذا قلنا : ينفسخ بمجرد التحالف ، أم يقطع بالارتفاع باطنا ؟ وجهان . فإذا قلنا : يرتفع باطنا ، ترادا ، وتصرف كل واحد فيما عاد إليه . وإن منعناه ، لم يجز لهما التصرف ، لكن إن كان البائع صادقا ، فقد ظفر بمال من ظلمه ، وهو المبيع الذي استرده ، فله بيعه بالحاكم على وجه ، وبنفسه على الأصح ، ويستوفي حقه من ثمنه .
وقال الإمام : إن صدر الفسخ من المحق ، فالوجه تنفيذه باطنا . وإن صدر من المبطل ، فالوجه منعه . وإن صدر منهما ، فلا شك في الانفساخ باطنا ، وليس ذلك موضع الخلاف ، ويكون كما لو تقابلا . وإذا صدر من المبطل ، ولم ينفذه باطنا فطريق الصادق إنشاء الفسخ إن أراد الملك فيما عاد إليه . وإن صدر من القاضي فالظاهر : الانفساخ باطنا لينتفع به المحق .
فرع
إذا لزم المشتري رد المبيع إن كان باقيا بحاله ، ويبقى له الولد والثمرة والكسب والمهر . وإن كان تالفا لزمه قيمته ، سواء كانت أكثر من الثمن الذي يدعيه البائع ، أم لا . انفسخ البيع بالتحالف أو فسخ
قلت : وفي وجه ضعيف لابن خيران : لا يستحق البائع زيادة على ما ادعاه . والله أعلم .
وفي القيمة المعتبرة أوجه . وقال الإمام : أقوال . أصحها : قيمة يوم التلف . والثاني : يوم القبض . والثالث : أقلها . والرابع : أكثر القيم من القبض إلى [ ص: 585 ] التلف . ولو فيه الخلاف المذكور في مثله إذا وجد الباقي معيبا . إن قلنا : يرد ، فيضم قيمة التالف إليه . وفي القيمة المعتبرة هذه الأوجه . ولو كان المبيع باقيا ، لكن حدث به عيب ، رده مع الأرش ، وهو قدر ما نقص من القيمة ; لأن الكل مضمون عليه بجميع القيمة ، فبعضه ببعضها ، بخلاف ما لو تعيب المبيع في يد البائع ، واقتضى الحال الأرش ، يجب جزء من الثمن ; لأن الكل مضمون على البائع بجميع الثمن ، فبعضه ببعضه . قال اشترى عبدين ، فتلف أحدهما ، ثم اختلفا وتحالفا ، فهل يرد العبد الباقي ؟ الشيخ أبو علي : هذا أصل مطرد في المسائل : أن ما ضمن كله بالقيمة ، فبعضه ببعضها كالمغصوب وغيره ، إلا في صورة ، وهي لو عجل زكاة ماله ، فتلف قبل الحول ، وكان ما عجله تالفا ، يغرم القابض القيمة . ولو كان معيبا ، ففي الأرش وجهان . وقد ذكرنا هذه المسألة في الزكاة وميل الشيخ إلى طرد الأصل فيها .
ثم التلف قد يكون حكميا ، بأن وقف المبيع ، أو أعتقه ، أو باعه ، أو وهبه وأقبضه ، فتجب القيمة ، وهذه التصرفات ماضية على الصحة . وقال أبو بكر الفارسي : نتبين بالتحالف فسادها ، وترد العين ، والصحيح الأول .
والتعيب أيضا قد يكون حقيقيا ، وقد يكون حكميا ، بأن زوج الأمة ، فعليه ما بين قيمتها مزوجة وخلية ، وتعود إلى البائع ، والنكاح صحيح . وعن الفارسي : أنه يبطل النكاح . ومهما اختلفا في القيمة أو الأرش ، فالقول قول المشتري . ولو كان العبد المبيع قد أبق من يد المشتري حين تحالفا ، لم يمتنع الفسخ ، فإن الإباق لا يزيد على التلف ، ويغرم المشتري قيمته ، لتعذر حصوله . وكذا لو كاتبه كتابة صحيحة . وإن رهنه فالبائع بالخيار ، إن شاء صبر إلى فكاكه ، وإن شاء أخذ القيمة . وإن آجره ، بني على جواز بيع المستأجر . إن منعناه ، فهو كما لو رهنه ، وإن جوزناه فللبائع أخذه ، لكنه يترك عند المستأجر إلى انقضاء المدة ، والأجرة المسماة للمشتري ، وعليه للبائع أجرة [ ص: 586 ] المثل للمدة الباقية . وإن كان آجره للبائع ، فله أخذه قطعا .
وفي انفساخ الإجارة وجهان ، كما لو باع الدار لمستأجرها . إن قلنا : لا تنفسخ ، فعلى البائع الأجرة المسماة للمشتري ، وعلى المشتري أجرة مثل المدة الباقية للبائع . وإذا غرم القيمة في هذه الصور ، ثم ارتفع السبب الحائل ، وأمكن الرد ، فهل يرد العين ويسترد القيمة ؟ يبنى ذلك على أنه قبل ارتفاع الحائل ملك لمن ؟ أما الآبق ، ففيه وجهان .
أحدهما : أنه ملك للمشتري ، ولا يرد عليه الفسخ ، كما لا يباع ، وإنما هو وارد على القيمة .
وأصحهما : أنه في إباقه ملك البائع ، والفسخ وارد عليه .
وإنما وجبت القيمة للحيلولة . وأما المرهون والمكاتب ، ففيهما طريقان
أحدهما : طرد الوجهين ، وأصحهما : القطع ببقاء الملك للمشتري ، وبه قال الشيخ أبو محمد .
كما إذا أفلس والمبيع آبق ، يجوز للبائع الفسخ والرجوع إليه . ولو كان مكاتبا أو مرهونا ، لم يكن له ذلك . وأما المستأجر ، فإن منعنا بيعه ، فهل هو كالمرهون ، أم كالآبق ؟ فيه احتمالان للإمام . فإن قلنا ببقاء الملك للمشتري ، فالفسخ وارد على القيمة كما لو تلف ، فلا رد ولا استرداد . وإن قلنا بانقلابه إلى البائع ، ثبت الرد والاسترداد عند زوال الحيلولة .