فمنهم الخلفاء الأربعة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم ، وسيأتي ترجمة كل واحد منهم في أيام خلافته ، إن شاء الله تعالى وبه الثقة .
ومنهم ، رضي الله عنهم ، بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي الأموي أبان بن سعيد بن العاص . أسلم بعد أخويه خالد وعمرو ، وكان إسلامه بعد الحديبية; لأنه هو الذي أجار عثمان حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة يوم الحديبية وقيل : أسلم قبل ذلك زمن خيبر; لأن له ذكرا في " الصحيح " من حديث في قسمة غنائم أبي هريرة خيبر وكان سبب إسلامه أنه اجتمع براهب وهو في تجارة بالشام ، فذكر له أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له الراهب : ما اسمه؟ قال : محمد . قال : فأنا أنعته لك . فوصفه بصفته سواء ، وقال : إذا رجعت إلى أهلك فأقرئه السلام . فأسلم بعد مرجعه ، وهو أخو [ ص: 322 ] عمرو بن سعيد الأشدق الذي قتله عبد الملك بن مروان
قال أبو بكر بن أبي شيبة : كان أبي بن كعب ، فإذا لم يحضر كتب أول من كتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكتب له زيد بن ثابت عثمان وخالد بن سعيد . هكذا قال ، وكأنه يعني وأبان بن سعيد بالمدينة ، وإلا فالسور المكية لم يكن أبي بن كعب حال نزولها ، وقد كتبها الصحابة بمكة رضي الله عنهم . وقد اختلف في وفاة أبان بن سعيد هذا ، فقال موسى بن عقبة ومصعب بن الزبير وأكثر أهل النسب : قتل يوم والزبير بن بكار أجنادين . يعني في جمادى الأولى سنة ثنتي عشرة . وقال آخرون : قتل يوم مرج الصفر سنة أربع عشرة .
وقال محمد بن إسحاق : قتل هو وأخوه عمرو يوم اليرموك لخمس مضين [ ص: 323 ] من رجب سنة خمس عشرة . وقيل أنه تأخر إلى أيام عثمان ، وأنه أمره عثمان رضي الله عنه ، أن يمل المصحف على ، ثم توفي سنة تسع وعشرين . فالله أعلم . زيد بن ثابت
ومنهم ، رضي الله عنهم الأنصاري أبو المنذر أبي بن كعب بن قيس بن عبيد الخزرجي ، ويقال : ، أبو الطفيل . سيد القراء ، شهد العقبة الثانية وبدرا وما بعدها . وكان ربعة نحيفا ، أبيض الرأس واللحية ، لا يغير شيبه . قال أنس : - يعني من الأنصار - جمع القرآن أربعة أبي بن كعب ، ، ومعاذ بن جبل ، ورجل من وزيد بن ثابت الأنصار يقال له : أبو زيد . أخرجاه
وفي " الصحيحين " عن أنس ، قال : وسماني لك يا رسول الله؟! قال : " نعم " . قال : فذرفت عيناه ومعنى " أن أقرأ عليك " ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي : إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن قراءة إبلاغ وإسماع لا قراءة تعلم منه ، هذا لا يفهمه أحد من أهل العلم ، وإنما نبهنا على هذا لئلا يعتقد خلافه . وقد ذكرنا في موضع آخر سبب هذه القراءة عليه ، وأنه صلى الله عليه وسلم قرأ عليه سورة : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وذلك أبي بن [ ص: 324 ] كعب كان قد أنكر على رجل قراءة سورة على خلاف ما كان يقرأ أبي ، فرفعه أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " اقرأ يا أبي " . فقرأ ، فقال : " هكذا أنزلت " . ثم قال لذلك الرجل : " اقرأ " . فقرأ فقال : " هكذا أنزلت " . قال أبي : فأخذني من الشك ولا إذ كنت في الجاهلية . قال : فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدري ففضت عرقا ، وكأنما أنظر إلى الله فرقا . فبعد ذلك تلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذه السورة كالتثبيت له والبيان له أن أن رحمة ولطفا بالعباد . هذا القرآن حق وصدق ، وإنه أنزل على أحرف كثيرة;
وقال : هو أول من كتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني ابن أبي خيثمة بالمدينة .
وقال محمد بن سعد : كان يكتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد اختلف في وفاته ، فقيل : في سنة تسع عشرة . وقيل : سنة عشرين . وقيل : ثلاث وعشرين . وقيل : قبل مقتل عثمان بجمعة . فالله أعلم .
ومنهم ، رضي الله عنهم ، ، واسمه عبد مناف بن أسد بن جندب بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي أرقم بن أبي الأرقم . أسلم قديما ، وهو الذي [ ص: 325 ] كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيا في داره عند الصفا ، وتعرف تلك الدار بعد ذلك بالخيزران ، وهاجر وشهد بدرا وما بعدها ، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الله بن أنيس ، وهو الذي كتب أقطاع عظيم بن الحارث المحاربي بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفخ وغيره; وذلك فيما رواه الحافظ من طريق ابن عساكر عتيق بن يعقوب الزبيري ، حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده ، عن عمرو بن حزم . وقد توفي في سنة ثلاث - وقيل : خمس - وخمسين . وله خمس وثمانون سنة .
وقد روى الإمام أحمد له حديثين; الأول : قال أحمد ، واللفظ والحسن بن عرفة لأحمد : حدثنا ، عن عباد بن عباد المهلبي هشام بن زياد ، عن عمار بن سعد ، عن عثمان بن أرقم بن أبي الأرقم ، عن أبيه - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة ، ويفرق بين الاثنين بعد خروج الإمام كالجار قصبه في النار والثاني : قال أحمد : حدثنا عصام بن خالد ، ثنا العطاف بن خالد ، ثنا يحيى بن [ ص: 326 ] عمران ، عن عبد الله بن عثمان بن الأرقم ، عن جده الأرقم ، أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أين تريد؟ قال : أردت يا رسول الله هاهنا . وأومأ بيده إلى حيز بيت المقدس قال : ما يخرجك إليه؟ أتجارة؟ قال : لا ، ولكن أردت الصلاة فيه . قال : الصلاة هاهنا - وأومأ بيده إلى مكة - خير من ألف صلاة ، وأومأ بيده إلى الشام تفرد بهما أحمد .
ومنهم ، رضي الله عنهم الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن ثابت بن قيس بن شماس ، ويقال : ، أبو محمد . المدني خطيب الأنصار ، ويقال له : خطيب النبي صلى الله عليه وسلم . قال محمد بن سعد : أنبأنا بأسانيده عن شيوخه في وفود العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : علي بن محمد المدايني قدم عبد الله بن علس الثمالي ، ومسلية بن هران الحداني على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من قومهما بعد فتح مكة فأسلموا وبايعوا على قومهم ، وكتب لهم كتابا بما فرض عليهم من الصدقة في أموالهم; كتبه ، وشهد فيه ثابت بن قيس بن شماس سعد بن معاذ ومحمد بن مسلمة ، رضي الله عنهم . وهذا الرجل ممن ثبت في " صحيح مسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة .
وروى الترمذي في " جامعه " بإسناد على شرط مسلم ، عن ، [ ص: 327 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة نعم الرجل أبو بكر ، نعم الرجل عمر ، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح ، نعم الرجل ، نعم الرجل أسيد بن حضير ، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس معاذ بن جبل ، نعم الرجل . عمرو بن الجموح
وقد قتل رضي الله عنه ، شهيدا يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة في أيام أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، وله قصة سنوردها ، إن شاء الله تعالى ، إذا انتهينا إلى ذلك ، بحول الله وقوته وعونه ومعونته .
ومنهم ، رضي الله عنهم ، بن رباح بن الحارث بن مخاشن بن معاوية بن شريف بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم التميمي الأسيدي حنظلة بن الربيع بن صيفي الكاتب . وأخوه رباح صحابي أيضا ، وعمه أكثم بن صيفي كان حكيم العرب .
قال : الواقدي : كتب للنبي صلى الله عليه وسلم كتابا . وقال غيره : بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الطائف في الصلح . وشهد مع خالد حروبه بالعراق وغيرها ، وقد أدرك أيام علي ، وتخلف ، عن القتال معه في الجمل وغيره ، ثم انتقل عن الكوفة لما شتم بها عثمان ، ومات بعد أيام علي ، وقد ذكر في " الغابة " أن امرأته لما مات جزعت عليه فلامها جاراتها في ذلك فقالت : ابن الأثير
تعجبت دعد لمحزونة تبكي على ذي شيبة شاحب [ ص: 328 ] إن تسأليني اليوم ما شفني
أخبرك قولا ليس بالكاذب إن سواد العين أودى به
حزن على حنظلة الكاتب
قلت : وصح قول ابن البرقي أنه لم يرو سوى حديثين . والله أعلم .
ومنهم ، رضي الله عنهم ، بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، أبو سعيد الأموي ، خالد بن سعيد بن العاص أسلم قديما . يقال بعد الصديق بثلاثة أو [ ص: 330 ] أربعة . وأكثر ما قيل خمسة . وذكروا أن سبب إسلامه أنه رأى في النوم كأنه واقف على شفير جهنم . فذكر من سعتها ما الله به عليم . قال : وكأن أباه يدفعه فيها ، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بيده ليمنعه من الوقوع فيها . فقص هذه الرؤيا على أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، فقال له : لقد أريد بك خير ، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه تنج مما خفته . فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ، فلما بلغ أباه إسلامه غضب عليه ، وضربه بعصا في يده حتى كسرها على رأسه ، وأخرجه من منزله ، ومنعه القوت ، ونهى بقية إخوته أن يكلموه ، فلزم خالد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا ونهارا ، ثم أسلم أخوه عمرو ، فلما هاجر الناس إلى أرض الحبشة هاجرا معهم ، ثم كان هو الذي ولي العقد في تزويج أم حبيبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قدمنا ، ثم هاجرا من أرض الحبشة صحبة جعفر ، فقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وقد افتتحها ، فأسهم لهما عن مشورة المسلمين ، وجاء أخوهما أبان بن سعيد ، فشهد فتح خيبر كما قدمنا ، ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوليهم الأعمال ، فلما كانت خلافة الصديق خرجوا إلى الشام للغزو ، فقتل خالد بأجنادين ، ويقال : بمرج الصفر . والله أعلم .
قال عتيق بن يعقوب : حدثني عبد الملك بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن جده ، عن عمرو بن حزم يعني أن خالد بن سعيد كتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أعطى محمد رسول الله راشد بن عبد رب السلمي أعطاه غلوتين بسهم وغلوة بحجر برهاط ، فمن حاقه فلا [ ص: 331 ] حق له ، وحقه حق وكتب خالد بن سعيد .
وقال محمد بن سعد عن الواقدي : حدثني جعفر بن محمد بن خالد ، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان قال : أقام خالد بن سعيد بعد أن قدم من أرض الحبشة بالمدينة ، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي كتب كتاب أهل الطائف لوفد ثقيف ، وسعى في الصلح بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومنهم ، رضي الله عنهم ، بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أبو سليمان المخزومي خالد بن الوليد بن المغيرة . وهو أمير الجيوش المنصورة الإسلامية ، والعساكر المحمدية والمواقف المشهودة ، والأيام المحمودة ، ذو الرأي السديد ، والبأس الشديد ، والطريق الحميد ، أبو سليمان خالد بن الوليد ، رضي الله عنه . ويقال : إنه لم يكن في جيش فكسر ، لا في جاهلية ولا إسلام . قال الزبير بن بكار كانت إليه في قريش القبة وأعنة الخيل . أسلم هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة بعد الحديبية وقيل : خيبر . ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه فيما يبعثه أميرا ، ثم كان المقدم على العساكر كلها في أيام الصديق ، رضي الله عنه ، فلما ولي عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، عزله وولى أبا عبيدة أمين الأمة ، على أن لا يخرج عن رأي أبي سليمان ، ثم مات خالد في أيام عمر ، وذلك في سنة إحدى وعشرين ، وقيل : اثنتين وعشرين . [ ص: 332 ] والأول أصح ، بقرية على ميل من حمص .
قال الواقدي : سألت عنها ، فقيل لي : دثرت . وقال : مات دحيم بالمدينة . والأول أصح . وقد روى أحاديث كثيرة يطول ذكرها .
قال عتيق بن يعقوب : حدثني عبد الملك بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن جده ، عن عمرو بن حزم ، أن هذه قطايع أقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى المؤمنين أن عضاه وج لا يعضد ، وصيده لا يقتل ، فمن وجد يفعل من ذلك شيئا فإنه يجلد وتنزع ثيابه ، وإن تعدى ذلك أحد فإنه يؤخذ فيبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن هذا من محمد النبي وكتب خالد بن الوليد بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يتعداه أحد فيظلم نفسه فيما أمره به محمد صلى الله عليه وسلم .
ومنهم ، رضي الله عنهم ، ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، أبو عبد الله الأسدي الزبير بن العوام . أحد العشرة ، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو عنهم راض ، ، وابن عمته وحواري رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت عبد المطلب ، وزوج رضي الله عنه . أسماء بنت أبي بكر الصديق
[ ص: 333 ] روى عتيق بن يعقوب بسنده المتقدم ، أن ، رضي الله عنه ، هو الذي كتب الزبير بن العوام لبني معاوية بن جرول الكتاب الذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتبه لهم . رواه بإسناده ، عن ابن عساكر عتيق به .
أسلم الزبير ، رضي الله عنه ، قديما وهو ابن ست عشرة سنة ، ويقال : ابن ثمان سنين . وهاجر الهجرتين ، وشهد المشاهد كلها ، وهو وقد أول من سل سيفا في سبيل الله ، ، وقال : جمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق أبويه إن لكل نبي حواريا ، وحواري الزبير وقد شهد اليرموك وكان أفضل من شهدها ، واخترق يومئذ صفوف الروم من أولهم إلى آخرهم مرتين ، ويخرج من الجانب الآخر سالما ، لكن ، رضي الله عنه ، وله فضائل ومناقب كثيرة ، وكانت وفاته يوم الجمل ; وذلك أنه كر راجعا عن القتال ، فلحقه جرح في قفاه بضربتين عمرو بن جرموز وفضالة بن حابس ، ورجل ثالث يقال له : نفيع . التميميون ، بمكان يقال له : وادي السباع . فبدر إليه عمرو بن جرموز ، وهو نائم فقتله ، وذلك في يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين ، وله من العمر يومئذ سبع وستون سنة ، وقد خلف رضي الله عنه ، بعده تركة عظيمة ، فأوصى من ذلك بالثلث بعد إخراج ألفي ألف ومائتي ألف دينا كانت عليه ، فلما قضي دينه وأخرج ثلث ماله قسم الباقي على ورثته ، فنال كل امرأة من [ ص: 334 ] نسائه - وكن أربعا - ألف ألف ومائتي ألف ، فمجموع ما ذكرناه مما تركه ، رضي الله عنه ، تسعة وخمسون ألف ألف وثمان مائة ألف ، وهذا كله من وجوه حل نالها في حياته مما كان يصيبه من الفيء والمغانم ، ووجوه متاجر الحلال ، وذلك كله بعد إخراج الزكوات في أوقاتها ، والصلات البارعة الكثيرة لأربابها في أوقات حاجاتها ، رضي الله عنه وأرضاه وجعل جنات الفردوس مثواه ، وقد فعل ; فإنه قد شهد له سيد الأولين والآخرين ، ورسول رب العالمين بالجنة ، ولله الحمد والمنة . وذكر في " الغابة " أنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج ، وأنه كان يتصدق بذلك كله ، وقال فيه ابن الأثير حسان بن ثابت يمدحه ويفضله بذلك :
أقام على عهد النبي وهديه حواريه والقول بالفعل يعدل
أقام على منهاجه وطريقه يوالي ولي الحق والحق أعدل
هو الفارس المشهور والبطل الذي يصول إذا ما كان يوم محجل
وإن امرأ كانت صفية أمه ومن أسد في بيته لمرفل
له من رسول الله قربى قريبة ومن نصرة الإسلام مجد مؤثل
فكم كربة ذب الزبير بسيفه عن المصطفى والله يعطي ويجزل
[ ص: 335 ] إذا كشفت عن ساقها الحرب حشها بأبيض سباق إلى الموت يرقل
فما مثله فيهم ولا كان قبله وليس يكون الدهر ما دام يذبل
وقد روى الزبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة يطول ذكرها ، ولما قتل الزبير بن العوام بوادي السباع ، كما تقدم ، قالت امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ترثيه ، رضي الله عنها وعنه :
[ ص: 336 ]
غدر ابن جرموز بفارس بهمة يوم اللقاء وكان غير معرد
يا عمرو لو نبهته لوجدته لا طائشا رعش الجنان ولا اليد
كم غمرة قد خاضها لم يثنه عنها طرادك يا ابن فقع القردد
ثكلتك أمك إن ظفرت بمثله فيمن مضى ممن يروح ويغتدي
والله ربك إن قتلت لمسلما حلت عليك عقوبة المتعمد
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود ، ثنا عبد الرحمن ، عن أبي [ ص: 337 ] الزناد ، عن ، أن أباه خارجة بن زيد زيدا أخبره أنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قال زيد : ذهب بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجب بي ، فقالوا : يا رسول الله ، هذا غلام من بني النجار ، معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة . فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : يا زيد تعلم لي كتاب يهود ; فإني والله ما آمن يهود على كتابي . قال زيد : فتعلمت له كتابهم ، ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته ، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه ، وأجيب عنه إذا كتب . ثم رواه أحمد عن سريج بن النعمان ، عن ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن خارجة ، عن أبيه ، فذكر نحوه . وقد علقه في الأحكام ، عن البخاري بصيغة الجزم ، فقال : وقال : خارجة بن زيد بن ثابت فذكره . ورواه خارجة بن زيد أبو داود عن ، أحمد بن يونس عن والترمذي علي بن حجر ، كلاهما عن ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد خارجة ، عن أبيه به نحوه . وقال الترمذي : حسن صحيح . وهذا ذكاء مفرط جدا ، وقد كان ممن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من القراء ، كما ثبت في " الصحيحين " عن أنس . وروى أحمد من حديث والنسائي أبي قلابة ، عن أنس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ، وأشدها في دين الله عمر ، [ ص: 238 ] وأصدقها حياء عثمان ، وأقضاهم علي بن أبي طالب ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وأعلمهم بالفرائض ، ولكل أمة أمين ، وأمين هذه الأمة زيد بن ثابت أبو عبيدة بن الجراح ومن الحفاظ من يجعله مرسلا إلا ما يتعلق بأبي عبيدة ففي " صحيح " من هذا الوجه . البخاري
وقد كتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير ما موطن ، ومن أوضح ذلك ما ثبت في " الصحيح " عنه أنه قال : لما نزل قوله تعالى لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله [ النساء : 95 ] الآية . دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اكتب : لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله فجاء فجعل يشكو ضرارته ، ابن أم مكتوم فنزل : فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت فخذه على فخذي حتى كادت ترضها ، غير أولي الضرر فأمرني فألحقتها ، فقال زيد : فإني لأعرف موضع ملحقها عند صدع في ذلك اللوح . يعني من عظام . الحديث .
وقد شهد زيد اليمامة وأصابه سهم فلم يضره ، وهو الذي وقال له : إنك شاب عاقل لا نتهمك ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه . ففعل ما أمره به الصديق ، فكان في ذلك خير كثير ، ولله الحمد والمنة . وقد استنابه عمر مرتين [ ص: 339 ] في حجتين على أمره الصديق بعد هذا بأن يتتبع القرآن فيجمعه ، المدينة واستنابه لما خرج إلى الشام وكذلك كان عثمان يستنيبه على المدينة أيضا ، وكان علي يحبه ، وكان يعظم عليا ويعرف له قدره ، ولم يشهد معه شيئا من حروبه ، وتأخر بعده حتى توفي سنة خمس وأربعين ، وقيل سنة إحدى - وقيل : خمس - وخمسين . وهو ممن كان التي نفذ بها يكتب المصاحف الأئمة عثمان بن عفان إلى سائر الآفاق ، اللائي وقع على التلاوة طبق رسمهن الإجماع والاتفاق ، كما قررنا ذلك في كتاب فضائل القرآن الذي كتبناه مقدمة في أول كتابنا " التفسير " . ولله الحمد والمنة .
ومنهم ، رضي الله عنهم ، السجل . كما ورد به الحديث المروي في ذلك ، عن ابن عباس - إن صح - وفيه نظر . قال أبو داود : حدثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا نوح بن قيس ، عن يزيد بن كعب ، عن عمرو بن مالك ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس ، رضي الله عنه ، قال : السجل كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم . وهكذا رواه عن النسائي قتيبة به . وعن ابن عباس أنه كان يقول في هذه الآية : ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب ) [ الأنبياء : 104 ] قال : السجل : الرجل . هذا لفظه . وكذا رواه أبو جعفر بن جرير في " تفسيره " عند قوله تعالى : يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب . عن نصر بن علي ، عن [ ص: 340 ] نوح بن قيس ، وهو ثقة من رجال مسلم ، وقد ضعفه ابن معين في رواية عنه . وأما شيخه يزيد بن كعب العوذي البصري فلم يرو عنه سوى نوح بن قيس ، وقد ذكره مع ذلك في " الثقات " . وقد عرضت هذا الحديث على شيخنا الحافظ الكبير ابن حبان أبي الحجاج المزي فأنكره جدا ، وأخبرته أن شيخنا العلامة أبا العباس ابن تيمية كان يقول : هو حديث موضوع ، وإن كان في " سنن أبي داود " . فقال شيخنا المزي : وأنا أقوله .
قلت : وقد رواه الحافظ في " كامله " من حديث ابن عدي محمد بن سليمان الملقب ببومة ، عن يحيى بن عمرو بن مالك النكري ، عن أبيه ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له : السجل . وهو قوله تعالى : " يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب " قال : كما يطوي السجل الكتاب كذلك نطوي السماء . وهكذا رواه ، عن البيهقي أبي نصر بن قتادة ، عن أبي علي الرفاء عن علي بن عبد العزيز ، عن مسلم بن إبراهيم ، عن يحيى بن عمرو بن مالك به . ويحيى هذا ضعيف جدا فلا يصلح للمتابعة . والله أعلم .
[ ص: 341 ] وأغرب من ذلك أيضا ما رواه الحافظ أبو بكر الخطيب وابن منده من حديث أحمد بن سعيد البغدادي المعروف بحمدان ، عن ابن نمير ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : كان للنبي صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له : سجل . فأنزل الله " يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب " . قال ابن منده : غريب ، تفرد به حمدان . وقال البرقاني : قال : تفرد به أبو الفتح الأزدي ابن نمير ، إن صح .
قلت : وهذا أيضا منكر عن ابن عمر كما هو منكر عن ابن عباس ، وقد ورد عن ابن عباس خلاف ذلك ، فقد روى وابن عمر الوالبي والعوفي عن ابن عباس ، أنه قال في هذه الآية : قال : كطي الصحيفة على الكتاب . وكذلك قال مجاهد . وقال ابن جرير هذا هو المعروف في اللغة أن السجل هو الصحيفة . قال : ولا يعرف في الصحابة أحد اسمه السجل . وأنكر أن يكون السجل اسم ملك من الملائكة كما رواه عن أبي كريب ، عن ابن يمان ، ثنا أبو الوفاء الأشجعي ، عن أبيه ، عن ابن عمر في قوله " يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب " . قال : السجل ملك ، فإذا صعد بالاستغفار قال الله : [ ص: 342 ] اكتبها نورا ، وحدثنا بندار ، عن مؤمل ، عن سفيان : سمعت يقول . فذكر مثله . السدي
وهكذا قال أبو جعفر الباقر فيما رواه أبو كريب ، عن ابن المبارك ، عن معروف بن خربوذ عمن سمع أبا جعفر يقول : السجل الملك . وهذا الذي أنكره ابن جرير من كون السجل اسم صحابي أو ملك قوي جدا ، والحديث في ذلك منكر جدا . ومن ذكره في أسماء الصحابة كابن منده وأبي نعيم الأصبهاني وابن الأثير في " الغابة " ، إنما ذكره إحسانا للظن بهذا الحديث ، أو تعليقا على صحته . والله أعلم .
ومنهم ، رضي الله عنهم ، سعد بن أبي سرح . فيما قاله خليفة بن خياط وقد وهم إنما هو ابنه ، كما سيأتي قريبا إن شاء الله . عبد الله بن سعد بن أبي سرح
ومنهم ، رضي الله عنهم ، عامر بن فهيرة ، مولى أبي بكر الصديق . قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر قال : قال الزهري : أخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي - وهو ابن أخي سراقة بن مالك - أن أباه أخبره أنه سراقة يقول ، فذكر خبر هجرة النبي صلى الله عليه وسلم . وقال فيه : فقلت [ ص: 343 ] له : إن قومك جعلوا فيك الدية . وأخبرتهم من أخبار سفرهم وما يريد الناس بهم ، وعرضت عليهم الزاد والمتاع ، فلم يرزءوني منه شيئا ، ولم يسألوني إلا أن أخف عنا ، فسألته أن يكتب لي كتاب موادعة آمن به ، فأمر عامر بن فهيرة ، فكتب في رقعة من أديم ، ثم مضى . سمع
قلت : وقد تقدم الحديث بتمامه في الهجرة . وقد روي أن أبا بكر هو الذي كتب لسراقة هذا الكتاب . فالله أعلم .
وقد كان عامر بن فهيرة - ويكنى أبا عمرو - من مولدي الأزد ، أسود اللون ، وكان أولا مولى للطفيل بن الحارث أخي عائشة لأمها أم رومان ، فأسلم قديما قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم - التي عند الصفا - مستخفيا ، فكان عامر يعذب مع جملة المستضعفين بمكة ليرجع عن دينه فيأبى ، فاشتراه أبو بكر الصديق فأعتقه ، فكان يرعى له غنما بظاهر مكة ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر ، كان معهما رديفا لأبي بكر ، ومعهم الدليل الدئلي فقط ، كما تقدم مبسوطا ، ولما وردوا المدينة نزل عامر بن فهيرة على ، وآخى رسول الله بينه وبين سعد بن خيثمة أوس بن معاذ ، وشهد بدرا وأحدا ، وقتل يوم بئر معونة كما تقدم ، وذلك سنة أربع من الهجرة ، وكان عمره إذ ذاك أربعين سنة . فالله أعلم . وقد ذكر عروة وابن إسحاق وغير واحد ، أن والواقدي عامرا قتله يوم بئر معونة رجل يقال له : جبار بن سلمى من بني كلاب . فلما [ ص: 344 ] طعنه بالرمح قال : فزت ورب الكعبة . ورفع عامر حتى غاب عن الأبصار حتى قال عامر بن الطفيل لقد رفع حتى رأيت السماء دونه . وسأل عمرو بن أمية عنه فقال : كان من أفضلنا ومن أول أهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم . قال جبار : فسألت الضحاك بن سفيان عما قال ، ما يعني به؟ فقال : يعني الجنة . ودعاني الضحاك إلى الإسلام فأسلمت ; لما رأيت من قتل عامر بن فهيرة ، فكتب الضحاك إلى رسول الله يخبره بإسلامي وما كان من أمر عامر ، فقال : وارته الملائكة وأنزل عليين وفي " الصحيحين " عن أنس أنه قال : قرأنا فيهم قرآنا أن : ( بلغوا عنا قومنا ، أنا لقينا ربنا ، فرضي عنا وأرضانا ) . وقد تقدم ذلك بتمامه في موضعه عند غزوة بئر معونة .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني ، عن أبيه أن هشام بن عروة عامر بن الطفيل كان يقول : من رجل منكم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء دونه ؟ قالوا : عامر بن فهيرة .
وقال الواقدي : حدثني محمد بن عبد الله ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : رفع عامر بن فهيرة إلى السماء فلم توجد جثته ، يرون أن الملائكة وارته .
ومنهم ، رضي الله عنهم ، عبد الله بن أرقم بن أبي الأرقم المخزومي . أسلم [ ص: 345 ] عام الفتح ، وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم . قال الإمام مالك : وكان ينفذ ما يفعله ويشكره ويستجيده . وقال سلمة ، عن محمد بن إسحاق بن يسار ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عبد الله بن الزبير ، ، وكان يجيب عنه الملوك ، وبلغ من أمانته أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك فيكتب ، ويختم على ما يقرؤه ; لأمانته عنده ، عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث وكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استكتب لأبي بكر ، وجعل إليه بيت المال ، وأقره عليهما عمر بن الخطاب ، فلما كان عثمان عزله عنهما . قلت : وذلك بعد ما استعفاه عبد الله بن أرقم ، ويقال : إن عثمان عرض عليه ثلاثمائة ألف درهم عن أجرة عمالته فأبى أن يقبلها وقال : إنما عملت لله فأجري على الله عز وجل .
قال ابن إسحاق وكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا لم يحضر زيد بن ثابت ابن الأرقم كتب من حضر من الناس ، وقد كتب وزيد بن ثابت عمر وعلي وزيد ، والمغيرة بن شعبة ومعاوية ، وغيرهم ممن سمي من وخالد بن سعيد بن العاص العرب . وقال الأعمش قلت : من كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لشقيق بن سلمة عبد الله بن الأرقم ، وقد جاءنا كتاب عمر بالقادسية وفي أسفله : وكتب عبد الله بن الأرقم .
وقال : أنبأنا البيهقي أبو عبد الله الحافظ ، ثنا محمد بن صالح بن هانئ ، [ ص: 346 ] حدثنا الفضل بن محمد البيهقي ، ثنا عبد الله بن صالح ، ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، عن عبد الواحد بن أبي عون ، عن ، عن القاسم بن محمد عبد الله بن عمر قال : : أجب عني فكتب جوابه ، ثم قرأه عليه ، فقال : أصبت وأحسنت ، اللهم وفقه لعبد الله بن الأرقم قال : فلما ولي أتى النبي صلى الله عليه وسلم كتاب رجل ، فقال عمر كان يشاوره . وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال : ما رأيت أخشى لله منه . يعني في العمال . أضر رضي الله عنه قبل وفاته .
ومنهم ، رضي الله عنهم ، . عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الخزرجي صاحب الأذان ، أسلم قديما ، فشهد عقبة السبعين ، وحضر بدرا وما بعدها ، ومن أكبر مناقبه رؤيته الأذان والإقامة في النوم ، وعرضه ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقريره عليه ، وقوله له : إنها لرؤيا حق فألقه على بلال ; فإنه أندى صوتا منك وقد قدمنا الحديث بذلك في موضعه . وقد روى الواقدي بأسانيده ، عن ابن عباس أنه كتب كتابا لمن أسلم من جرش ، فيه الأمر لهم بإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وإعطاء خمس المغنم . وقد توفي رضي الله عنه سنة اثنتين وثلاثين ، عن أربع وستين سنة ، وصلى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه .
ومنهم ، رضي الله عنهم ، . أخو عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي [ ص: 347 ] العامري عثمان بن عفان من الرضاعة ; أرضعت أمه عثمان ، وكتب الوحي ، ثم ارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين بمكة ، فلما فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان قد أهدر دمه فيمن أهدر من الدماء - فجاء إلى عثمان بن عفان ، فاستأمن له ، فأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قدمنا في غزوة الفتح ، ثم حسن إسلام عبد الله بن سعد جدا بعد ذلك .
قال أبو داود : حدثنا أحمد بن محمد المروزي ، ثنا علي بن الحسين بن واقد ، عن أبيه ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأزله الشيطان فلحق بالكفار ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل ، فاستجار له عبد الله بن سعد بن أبي سرح عثمان بن عفان ، فأجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورواه كان من حديث النسائي علي بن الحسين بن واقد به .
قلت : وكان على ميمنة عمرو بن العاص حين افتتح عمرو مصر سنة عشرين في الدولة العمرية ، فاستناب عمر بن الخطاب عمرا عليها ، فلما صارت الخلافة إلى عثمان عزل عنها عمرو بن العاص ، وولى عليها عبد الله بن سعد سنة خمس وعشرين ، وأمره بغزو بلاد إفريقية فغزاها ، ففتحها وحصل للجيش منها مال عظيم ، كان قسم الغنيمة لكل فارس من الجيش ثلاثة آلاف مثقال من ذهب ، وللراجل ألف مثقال ، وكان معه في جيشه هذا ثلاثة من العبادلة ; عبد الله بن الزبير ، ، وعبد الله بن عمر ، ثم غزا وعبد الله بن عمرو عبد الله بن سعد بعد إفريقية الأساود من أرض النوبة فهادنهم فهي إلى اليوم ، [ ص: 348 ] وذلك سنة إحدى وثلاثين ، ثم غزا غزوة الصواري في البحر إلى الروم ، وهي غزوة عظيمة ، كما سيأتي بيانها في موضعها ، إن شاء الله تعالى ، فلما اختلف الناس على عثمان خرج من مصر ، واستناب عليها ليذهب إلى عثمان لينصره ، فلما قتل عثمان أقام بعسقلان ، وقيل : بالرملة ، ودعا الله أن يقبضه في الصلاة ، فصلى يوما الفجر ، وقرأ في الأولى منها " بفاتحة الكتاب " ، و " العاديات " ، وفي الثانية " بفاتحة الكتاب " ، وسورة ، ولما فرغ من التشهد سلم التسليمة الأولى ، ثم أراد أن يسلم الثانية فمات بينهما ، رضي الله عنه ، وذلك في سنة ست وثلاثين . وقيل : سنة سبع . وقيل إنه تأخر إلى سنة تسع وخمسين . والصحيح الأول . قلت : ولم يقع له رواية في الكتب الستة ولا في " المسند " للإمام أحمد .
ومنهم ، رضي الله عنهم ، عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق وقد تقدم الوعد بأن ترجمته ستأتي في أيام خلافته إن شاء الله عز وجل ، وبه الثقة ، وقد جمعت مجلدا في سيرته ، وما رواه من الأحاديث ، وما روي عنه من الآثار .
والدليل على كتابته ما ذكره عن موسى بن عقبة الزهري ، عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم ، عن أبيه ، سراقة بن مالك في حديثه حين اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج هو وأبو بكر من الغار فمروا على أرضهم ، فلما غشيهم - وكان من أمر فرسه ما كان - سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتاب أمان ، فأمر أبا بكر فكتب له كتابا ، ثم ألقاه إليه . عن
وقد روى الإمام أحمد من طريق الزهري بهذا السند أن عامر بن فهيرة [ ص: 349 ] كتبه . فيحتمل أن أبا بكر كتب بعضه ، ثم أمر مولاه عامرا فكتب باقيه . والله أعلم .
ومنهم ، رضي الله عنهم ، عثمان بن عفان أمير المؤمنين . وستأتي ترجمته في أيام خلافته . وكتابته بين يديه عليه الصلاة والسلام مشهورة .
وقد روى الواقدي بأسانيده أن نهشل بن مالك الوائلي لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان فكتب له كتابا فيه شرائع الإسلام .
ومنهم ، رضي الله عنهم ، علي بن أبي طالب أمير المؤمنين . وستأتي ترجمته في خلافته ، وقد تقدم أنه قريش يوم الحديبية; أن يأمن الناس ، وأنه لا إسلال ، ولا إغلال ، وعلى وضع الحرب عشر سنين ، وقد كتب غير ذلك من الكتب بين يديه صلى الله عليه وسلم ، وأما ما يدعيه طائفة من يهود كتب الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبين خيبر أن بأيديهم كتابا من النبي صلى الله عليه وسلم بوضع الجزية عنهم ، وفي آخره : وكتب علي بن أبي طالب وفيه شهادة جماعة من الصحابة ، منهم سعد بن معاذ ، فهو كذب مفتعل ، وبهتان مختلق موضوع مصنوع ، وقد بين جماعة من العلماء بطلانه ، واغتر به بعض الفقهاء المتقدمين فقالوا بوضع الجزية عنهم ، وهذا ضعيف جدا ، وقد جمعت في ذلك جزءا مفردا بينت فيه بطلانه ، وأنه موضوع ، اختلقوه ووضعوه ، وهم أهل لذلك وبينته ، [ ص: 350 ] وجمعت متفرق كلام الأئمة فيه ، ولله الحمد والمنة . ومعاوية بن أبي سفيان
ومنهم ، رضي الله عنهم ، عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ، وستأتي ترجمته في موضعها ، وقد أفردت له مجلدا على حدة ، ومجلدا ضخما في الأحاديث التي رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والآثار والأحكام المروية عنه رضي الله عنه ، وقد تقدم بيان كتابته في ترجمة عبد الله بن الأرقم .
ومنهم رضي الله عنهم ، واسم الحضرمي عباد ، ويقال : عبد الله بن عباد بن أكبر بن ربيعة بن عويف بن مالك بن الخزرج بن إياد بن الصدف بن زيد بن مقنع بن حضرموت بن قحطان العلاء بن الحضرمي . وقيل غير ذلك في نسبه ، وهو من حلفاء بني أمية . وقد تقدم بيان كتابته في ترجمة وكان له من الإخوة عشرة غيره ، فمنهم أبان بن سعيد بن العاص ، عمرو بن الحضرمي أول قتيل من المشركين قتله المسلمون في سرية عبد الله بن جحش ، وهي أول سرية ، كما تقدم ، ومنهم عامر بن الحضرمي الذي أمره أبو جهل ، لعنه الله ، فكشف عن عورته وناداه : واعمراه . حين اصطف المسلمون والمشركون يوم بدر فهاجت الحرب ، وقامت على ساق ، وكان ما كان مما قدمناه مبسوطا في موضعه ، ومنهم شريح بن الحضرمي ، وكان من خيار الصحابة . قال فيه [ ص: 351 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك رجل لا يتوسد القرآن يعني لا ينام ويتركه ، بل يقوم به آناء الليل والنهار ، ولهم كلهم أخت واحدة ، وهي الصعبة بنت الحضرمي أم طلحة بن عبيد الله ، وقد إلى العلاء بن الحضرمي المنذر بن ساوى ملك البحرين ثم ولاه عليها أميرا حين افتتحها ، بعث النبي صلى الله عيه وسلم وأقره عليها الصديق ، ثم عمر بن الخطاب ، ولم يزل بها حتى عزله عنها عمر بن الخطاب وولاه البصرة فلما كان في أثناء الطريق توفي ، وذلك في سنة إحدى وعشرين . وقد روى وغيره عنه البيهقي كثيرة منها ; أنه سار بجيشه على وجه البحر ما يصل إلى ركب خيولهم ، وقيل : إنه ما بل أسافل نعال خيولهم . وأمرهم كلهم ، فجعلوا يقولون : يا حليم يا عظيم . وأنه كان في جيشه ، فاحتاجوا إلى ماء ، فدعا الله فأمطرهم قدر كفايتهم . وأنه لما دفن لم ير له أثر بالكلية ، وكان قد سأل الله ذلك ، وسيأتي هذا في كتاب دلائل النبوة قريبا ، إن شاء الله عز وجل . كرامات
له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثلاثة أحاديث ; الأول : قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان بن عيينة ، حدثني عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، السائب بن يزيد ، عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : العلاء بن الحضرمي ، يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا وقد أخرجه الجماعة من حديثه .
والثاني : قال أحمد حدثنا هشيم ، ثنا منصور ، عن ابن سيرين ، ابن [ ص: 352 ] العلاء بن الحضرمي ، أن أباه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ بنفسه . وكذا رواه عن أبو داود عن . أحمد بن حنبل
والحديث الثالث رواه أحمد من طريق وابن ماجه محمد بن زيد ، عن حبان الأعرج عنه ، أنه كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من البحرين في الحائط - يعني البستان - يكون بين الإخوة فيسلم أحدهم ، فأمره أن يأخذ العشر ممن أسلم ، والخراج . يعني ممن لم يسلم .
ومنهم العلاء بن عقبة . قال الحافظ : كان كاتبا للنبي صلى الله عليه وسلم ، ولم أجد أحدا ذكره إلا فيما أخبرنا . . . ثم ذكر إسناده إلى ابن عساكر عتيق بن يعقوب ، حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده ، عن عمرو بن حزم : إن هذه قطائع أقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء القوم . فذكرها ، وذكر فيها : " بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى النبي محمد عباس بن مرداس السلمي ، أعطاه مدفورا ، فمن حاقه فيها فلا حق له ، وحقه حق " . وكتب العلاء بن عقبة وشهد ، ثم قال : " بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى محمد رسول الله عوسجة بن حرملة الجهني ، من ذي المروة وما بين بلكثة إلى [ ص: 353 ] الظبية إلى الجعلات إلى جبل القبلية فمن حاقه فلا حق له ، وحقه حق " . وكتبه العلاء بن عقبة . وروى الواقدي بأسانيده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع لبني شنخ من جهينة ، وكتب كتابهم بذلك العلاء بن عقبة وشهد . وقد ذكر في " الغابة " هذا الرجل مختصرا فقال : ابن الأثير العلاء بن عقبة كتب للنبي صلى الله عليه وسلم ، ذكره في حديث عمرو بن حزم ، ذكره جعفر . أخرجه في كتابه . أبو موسى . يعني المديني
ومنهم ، رضي الله عنهم ، بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج الأنصاري الحارثي الخزرجي أبو عبد الله ، محمد بن مسلمة بن سلمة بن حريش ويقال : أبو عبد الرحمن . ويقال : أبو سعيد المدني ، حليف بني عبد الأشهل . أسلم على يدي وقيل مصعب بن عمير ، سعد بن معاذ وأسيد بن حضير . وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة بينه وبين وشهد أبي عبيدة بن الجراح ، بدرا والمشاهد بعدها ، المدينة عام تبوك واستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على .
[ ص: 354 ] قال في " الاستيعاب " كان شديد السمرة طويلا أصلع ذا جثة ، وكان من فضلاء الصحابة ، وكان ممن ابن عبد البر . ومات اعتزل الفتنة ، واتخذ سيفا من خشب بالمدينة سنة ثلاث وأربعين على المشهور عند الجمهور ، وصلى عليه وقد روى حديثا كثيرا عن النبي صلى الله عليه وسلم . وذكر مروان بن الحكم ، محمد بن سعد عن بأسانيده ، أن علي بن محمد المدايني محمد بن مسلمة هو الذي كتب لوفد مهرة كتابا عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومنهم ، رضي الله عنهم ، بن حرب بن أمية الأموي ، معاوية بن أبي سفيان صخر وستأتي ترجمته في أيام إمارته ، إن شاء الله تعالى . وقد ذكره مسلم بن الحجاج في كتابه عليه الصلاة والسلام . وقد روى مسلم في " صحيحه " من حديث عن عكرمة بن عمار ، أبي زميل سماك بن الوليد ، عن ابن عباس ، أن أبا سفيان قال : يا رسول الله ، ثلاث أعطنيهن . قال : " نعم " قال : تؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين . قال : " نعم " قال : ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك . قال : " نعم " . الحديث . وقد أفردت لهذا الحديث جزءا على حدة بسبب ما وقع فيه من ذكر طلبه تزويج أم حبيبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن فيه من المحفوظ تأمير أبي سفيان وتوليته معاوية منصب الكتابة بين يديه ، صلوات [ ص: 355 ] الله وسلامه عليه ، وهذا قدر متفق عليه بين الناس قاطبة .
فأما الحديث الذي قال الحافظ في " تاريخه " في ترجمة ابن عساكر معاوية ها هنا : أخبرنا أبو غالب بن البنا ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو علي محمد بن أحمد بن يحيى بن عبد الله العطشي ، حدثنا أحمد بن محمد البوراني ، ثنا السري بن عاصم ، ثنا الحسن بن زياد ، عن القاسم بن بهرام ، عن عن أبي الزبير ، جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار جبريل في استكتاب معاوية ، فقال : استكتبه فإنه أمين . فإنه حديث غريب بل منكر ، والسري بن عاصم هذا هو أبو عاصم الهمذاني ، وكان يؤدب كذبه في الحديث المعتز بالله ، ابن خراش . وقال ابن حبان وابن عدي : كان يسرق الحديث . زاد : ويرفع الموقوفات ، لا يحل الاحتجاج به . وقال ابن حبان : كان ضعيف الحديث . وشيخه الدارقطني الحسن بن زياد ; إن كان اللؤلؤي فقد تركه غير واحد من الأئمة ، وصرح كثير منهم بكذبه ، وإن كان غيره فهو مجهول العين والحال . وأماالقاسم بن بهرام فاثنان ; أحدهما يقال له : القاسم بن بهرام الأسدي الواسطي الأعرج . أصله من أصبهان روى له عن النسائي ، سعيد بن جبير ، عن ابن عباس حديث الفتون بطوله ، وقد وثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو داود وابن حبان . والثاني القاسم بن بهرام أبو همدان ، قاضي هيت . قال : ابن معين : [ ص: 356 ] كان كذابا . وبالجملة فهذا الحديث من هذا الوجه ليس بثابت ولا يغتر به ، والعجب من الحافظ مع جلالة قدره واطلاعه على صناعة الحديث أكثر من غيره من أبناء عصره - بل ومن تقدمه بدهر - كيف يورد في " تاريخه " هذا وأحاديث كثيرة من هذا النمط ، ثم لا يبين حالها ، ولا يشير إلى شيء من ذلك إشارة لا ظاهرة ، ولا خفية ! ومثل هذا الصنيع فيه نظر . والله أعلم . ابن عساكر
ومنهم ، رضي الله عنهم ، ، المغيرة بن شعبة الثقفي وقد تقدمت ترجمته فيمن كان يخدمه ، عليه الصلاة والسلام ، من أصحابه من غير مواليه ، وأنه كان سيافا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد روى بسنده ، عن ابن عساكر عتيق بن يعقوب بإسناده المتقدم غير مرة أن المغيرة بن شعبة هو الذي كتب إقطاع حصين بن نضلة الأسدي الذي أقطعه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره .
فهؤلاء كتابه الذين كانوا يكتبون بأمره بين يديه ، صلوات الله وسلامه عليه .