استهلت هذه السنة وقد استقر الركاب الشريف النبوي بالمدينة النبوية المطهرة مرجعه من حجة الوداع ، وقد وقعت في هذه السنة أمور عظام ، من أعظمها خطبا وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنه ، عليه الصلاة والسلام ، نقله الله ، عز وجل من هذه الدار الفانية إلى النعيم الأبدي في محلة عالية رفيعة ، ودرجة في الجنة لا أعلى منها ولا أسنى ، كما قال تعالى : وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى [ الضحى : 4 ، 5 ] . وذلك بعد ما أكمل أداء الرسالة التي أمره الله تعالى بإبلاغها ، ونصح أمته ، ودلهم على خير ما يعلمه لهم ، وحذرهم ونهاهم عما فيه مضرة عليهم في دنياهم وأخراهم .
وقد قدمنا ما رواه صاحبا " الصحيح " من حديث عمر بن الخطاب ، أنه قال : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [ المائدة : 3 ] يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة . نزل قوله تعالى :
[ ص: 6 ] وروينا من طريق جيد أن عمر بن الخطاب حين نزلت هذه الآية بكى ، فقيل : ما يبكيك ؟ فقال : إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان . وكأنه استشعر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد أشار ، عليه الصلاة والسلام ، إلى ذلك فيما رواه مسلم من حديث عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، جابر العقبة وقال لنا : " خذوا عني مناسككم ; فلعلي لا أحج بعد عامي هذا " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عند جمرة .
وقد قدمنا ما رواه الحافظان أبو بكر البزار من حديث والبيهقي موسى بن عبيدة الربذي ، عن صدقة بن يسار ، عن ابن عمر قال : نزلت هذه السورة : إذا جاء نصر الله والفتح . في أوسط أيام التشريق ، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الوداع ، فأمر براحلته القصواء فرحلت . ثم ذكر خطبته في ذلك اليوم كما تقدم .
وهكذا قال رضي الله عنهما ، عبد الله بن عباس ، لعمر بن الخطاب ; حين سأله عن تفسير هذه السورة بمحضر كثير من الصحابة ; ليريهم فضل ابن عباس وتقدمه وعلمه ، حين لامه بعضهم على تقديمه وإجلاسه له مع مشايخ بدر ، فقال : إنه من حيث تعلمون . ثم سألهم حاضر عن تفسير هذه السورة وابن عباس إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا [ : 1 - 3 ] . [ ص: 7 ] فقالوا : أمرنا إذا فتح لنا أن نذكر الله ونحمده ونستغفره . فقال : ما تقول يا ابن عباس ؟ فقال : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي إليه . فقال عمر : لا أعلم منها إلا ما تعلم . وقد ذكرنا في تفسير هذه السورة ما يدل على قول ابن عباس من وجوه ، وإن كان لا ينافي ما فسرها به الصحابة أيضا ، رضي الله عنهم .
وكذلك ما رواه الإمام أحمد ، حدثنا عن وكيع ، ابن أبي ذئب ، عن صالح مولى التوأمة ، عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حج بنسائه قال : أبي هريرة ، " إنما هي هذه الحجة ، ثم الزمن ظهور الحصر " تفرد به أحمد من هذا الوجه . وقد رواه أبو داود في " سننه " من وجه آخر جيد .
والمقصود أن النفوس استشعرت بوفاته ، عليه الصلاة والسلام في هذه السنة ، ونحن نذكر ذلك ونورد ما روي فيما يتعلق به من الأحاديث والآثار ، وبالله المستعان ، ولنقدم على ذلك ما ذكره الأئمة محمد بن إسحاق بن يسار ، وأبو جعفر بن جرير ، في هذا الموضع قبل الوفاة ; من تعداد حججه وغزواته وسراياه وكتبه ورسله إلى الملوك ، فلنذكر ذلك ملخصا مختصرا ، ثم نتبعه بالوفاة . وأبو بكر البيهقي
ففي " الصحيحين " من حديث عن أبي إسحاق السبيعي ، [ ص: 8 ] زيد بن أرقم ، وحج بعد ما هاجر حجة الوداع ، ولم يحج بعدها . رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة ، قال أن أبو إسحاق : وواحدة بمكة . كذا قال . أبو إسحاق السبيعي
وقد قال عن زيد بن الحباب ، عن سفيان الثوري ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، جابر ، حجتين قبل أن يهاجر ، وحجة بعد ما هاجر ، معها عمرة ، وساق ستا وثلاثين بدنة ، وجاء علي بتمامها من رسول الله صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجات ; اليمن . أن
وقد قدمنا عن غير واحد من الصحابة ، منهم أنس بن مالك في " الصحيحين " عمرة أنه ، عليه الصلاة والسلام ، اعتمر أربع عمر ; الحديبية وعمرة القضاء ، وعمرة الجعرانة والعمرة التي مع حجة الوداع .
وأما الغزوات فروى عن البخاري ، عن أبي عاصم النبيل ، عن يزيد بن أبي عبيد ، قال : سلمة بن الأكوع تسع غزوات يؤمره علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم . زيد بن حارثة غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات ، ومع
وفي " الصحيحين " عن قتيبة ، عن حاتم بن إسماعيل ، عن يزيد ، عن سلمة قال : أبو بكر ، ومرة علينا أسامة بن زيد . غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات ، وفيما يبعث من البعوث تسع غزوات ، مرة علينا
[ ص: 9 ] وفي " صحيح " من حديث البخاري إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة غزوة .
وفي " الصحيحين " من حديث شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن زيد بن أرقم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة ، شهد معه منها سبع عشرة ، أولها العشير أو العسير .
وروى مسلم ، عن عن أحمد بن حنبل ، معتمر ، عن كهمس بن الحسن ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، . وفي رواية أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة لمسلم من طريق الحسين بن واقد ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، وفي رواية عنه بهذا الإسناد : وبعث أربعا وعشرين سرية ، قاتل يوم أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة ، قاتل منها في ثمان . بدر وأحد ، والأحزاب ، والمريسيع وقديد ، وخيبر ، ومكة ، وحنين .
وفي " صحيح مسلم " من حديث عن أبي الزبير ، جابر ، بدرا ولا أحدا ، منعني أبي ، فلما قتل أبي يوم أحد لم أتخلف عن غزوة غزاها . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا إحدى وعشرين غزوة ، غزوت معه منها تسع عشرة غزوة ، [ ص: 10 ] ولم أشهد
وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن الزهري قال : سمعت يقول : سعيد بن المسيب . غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة غزوة . قال : وسمعته مرة أخرى يقول : أربعا وعشرين غزوة . فلا أدري أكان ذلك وهما أو شيئا سمعه بعد ذلك
وقال قتادة : . غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة ، قاتل في ثمان منها ، وبعث من البعوث أربعا وعشرين ، فجميع غزواته وسراياه ثلاث وأربعون
وقد ذكر عروة بن الزبير ، والزهري ، وموسى بن عقبة وغير واحد من أئمة هذا الشأن ، ومحمد بن إسحاق بن يسار ، بدر في رمضان من سنة اثنتين ، ثم في أحد في شوال سنة ثلاث ، ثم في الخندق وبني قريظة في شوال أيضا من سنة أربع ، وقيل : خمس . ثم في بني المصطلق بالمريسيع في شعبان سنة خمس ، ثم في خيبر في صفر سنة سبع ، ومنهم من يقول : سنة ست . والصحيح أنه في أول سنة سبع وآخر سنة ست ، ثم قاتل [ ص: 11 ] أهل مكة في رمضان سنة ثمان ، وقاتل هوازن وحاصر أهل الطائف في شوال وبعض ذي القعدة سنة ثمان ، كما تقدم تفصيله ، وحج في سنة ثمان بالناس عتاب بن أسيد نائب مكة ثم في سنة تسع أبو بكر الصديق ، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين سنة عشر أنه عليه الصلاة والسلام ، قاتل يوم
وقال محمد بن إسحاق : وكان جميع ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة سبعا وعشرين غزوة ; غزوة ودان وهي غزوة الأبواء ثم غزوة بواط من ناحية رضوى ثم غزوة العشيرة من بطن ينبع ثم غزوة بدر الأولى يطلب كرز بن جابر ، ثم غزوة بدر العظمى التي قتل الله فيها صناديد قريش ، ثم غزوة بني سليم حتى بلغ الكدر ، ثم غزوة السويق يطلب ثم غزوة أبا سفيان بن حرب ، غطفان وهي غزوة ذي أمر ، ثم غزوة نجران - معدن بالحجاز - ثم غزوة أحد ثم حمراء الأسد ثم غزوة بني النضير ، ثم غزوة ذات الرقاع من نخل ، ثم غزوة بدر الآخرة ، ثم غزوة دومة الجندل ، ثم غزوة الخندق ، ثم غزوة بني قريظة ، ثم غزوة بني لحيان من هذيل ، ثم غزوة ذي قرد ، ثم غزوة بني المصطلق من خزاعة ، ثم غزوة الحديبية لا يريد قتالا فصده المشركون ، ثم غزوة خيبر ثم عمرة القضاء ، ثم غزوة الفتح ، ثم غزوة حنين ثم غزوة الطائف ثم غزوة تبوك .
قال ابن إسحاق قاتل منها في تسع غزوات ; غزوة بدر وأحد ، والخندق ، [ ص: 12 ] وقريظة ، والمصطلق ، وخيبر ، والفتح ، وحنين ، والطائف .
قلت : وقد تقدم ذلك كله مبسوطا في أماكنه بشواهده وأدلته . ولله الحمد .
قال ابن إسحاق ، من بين بعث وسرية . ثم شرع ، رحمه الله ، في ذكر تفصيل ذلك . وكانت بعوثه ، عليه الصلاة والسلام ، وسراياه ثمانيا وثلاثين
وقد قدمنا ذلك كله أو أكثره مفصلا في مواضعه ، ولله الحمد والمنة . ولنذكر ملخص ما ذكره ابن إسحاق ; عبيدة بن الحارث إلى أسفل ثنية المرة . ثم بعث حمزة بن عبد المطلب إلى الساحل من ناحية العيص ، ومن الناس من يقدم هذا على بعث بعث عبيدة ، كما تقدم . فالله أعلم . إلى سعد بن أبي وقاص الخرار . بعث عبد الله بن جحش إلى نخلة . بعث إلى زيد بن حارثة القردة . بعث محمد بن مسلمة إلى كعب بن الأشرف . بعث مرثد بن أبي مرثد إلى الرجيع . بعث بعث المنذر بن عمرو إلى بئر معونة . بعث أبي عبيدة إلى ذي القصة . بعث عمر بن الخطاب إلى تربة في أرض بني عامر . بعث علي إلى اليمن . بعث غالب بن عبد الله الكلبي إلى الكديد فأصاب بني الملوح ، أغار عليهم في الليل ، فقتل طائفة منهم واستاق نعمهم ، فجاء نفيرهم في طلب النعم ، فلما اقتربوا حال بينهم وبينهم واد من السيل ، وأسروا في مسيرهم هذا [ ص: 13 ] الحارث بن مالك بن البرصاء . وقد حرر ابن إسحاق هذا هاهنا ، وتقدم بيانه . بعث علي بن أبي طالب إلى أرض فدك . بعث أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم ، أصيب هو وأصحابه . بعث عكاشة إلى الغمرة . بعث أبي سلمة بن عبد الأسد إلى قطن ، وهو ماء بنجد لبني أسد . بعث محمد بن مسلمة إلى القرطاء من هوازن . بعث بشير بن سعد إلى بني مرة بفدك ، وبعثه أيضا إلى ناحية حنين . بعث إلى زيد بن حارثة الجموم من أرض بني سليم . إلى زيد بن حارثة جذام من أرض بني خشين . قال بعث ابن هشام : وهي من أرض حسمى . وكان سببها ، فيما ذكره ابن إسحاق وغيره ، أن لما رجع من عند قيصر وقد أبلغه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الله ، فأعطاه من عنده تحفا وهدايا ، فلما بلغ واديا في أرض دحية بن خليفة بني جذام يقال له : شنار . أغار عليه الهنيد بن عوص وابنه عوص بن الهنيد الصليعيان ، والصليع بطن من جذام ، فأخذا ما معه ، فنفر حي منهم قد أسلموا ، فاستنقذوا ما كان أخذ لدحية فردوه عليه ، فلما رجع دحية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر ، واستسقاه دم الهنيد وابنه عوص ، فبعث حينئذ في جيش إليهم ، فساروا إليهم من ناحية زيد بن حارثة الأولاج ، فأغار بالماقص من ناحية الحرة ، فجمعوا ما وجدوا من مال وناس ، وقتلوا الهنيد وابنه ورجلين من بني الأحنف ورجلا من بني خصيب ، فلما احتاز زيد أموالهم وذراريهم اجتمع نفر منهم برفاعة بن زيد ، وكان قد جاءه كتاب من [ ص: 14 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الله ، فقرأه عليهم رفاعة ، فاستجاب له طائفة منهم ولم يكن يعلم بذلك ، فركبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زيد بن حارثة المدينة في ثلاثة أيام ، فأعطوه الكتاب ، فأمر بقراءته جهرة على الناس ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع بالقتلى ؟ ثلاث مرات . فقال رجل منهم يقال له : أبو زيد بن عمرو : أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ، ومن قتل فهو تحت قدمي هذه . فبعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ، فقال علي : إن زيدا لا يطيعني . فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه علامة ، فسار معهم على جمل لهم ، فلقوا زيدا وجيشه ومعهم الأموال والذراري بفيفاء الفحلتين ، فسلمهم علي جميع ما كان أخذ لهم لم يفقدوا منه شيئا . أيضا إلى زيد بن حارثة بني فزارة بوادي القرى ، فقتل طائفة من أصحابه ، وارتث هو من بين القتلى ، فلما رجع آلى أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزوهم أيضا ، فلما استبل من جراحه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانيا في جيش ، فقتلهم بعث بوادي القرى ، وأسر أم قرفة فاطمة بنت ربيعة بن بدر ، وكانت عند مالك بن حذيفة بن بدر ، ومعها ابنة لها ، فأمر زيد بن حارثة قيس بن المسحر اليعمري ، فقتل أم قرفة واستبقى ابنتها ، وكانت من بيت شرف ، يضرب بأم قرفة المثل في عزها ، وكانت بنتها مع فاستوهبها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه إياها ، فوهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لخاله سلمة بن الأكوع ، حزن بن أبي وهب ، فولدت له ابنه عبد الرحمن . عبد الله بن رواحة إلى خيبر مرتين ; إحداهما التي أصاب فيها بعث اليسير بن رزام ، [ ص: 15 ] وكان يجمع غطفان لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في نفر ، منهم عبد الله بن أنيس ، فقدموا عليه ، فلم يزالوا يرغبونه ; ليقدموه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسار معهم ، فلما كانوا بالقرقرة على ستة أميال من خيبر ندم اليسير على مسيره ، ففطن له عبد الله بن أنيس وهو يريد السيف ، فضربه بالسيف فأطن قدمه ، وضربه اليسير بمخرش من شوحط في رأسه فأمه ، ومال كل رجل من المسلمين على صاحبه من اليهود فقتله ، إلا رجلا واحدا أفلت على رجليه ، فلما قدم ابن أنيس تفل في رأسه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقح جرحه ولم يؤذه .
قلت : وأظن البعث الآخر إلى خيبر لما بعثه ، عليه الصلاة والسلام ، خارصا على نخيل خيبر . والله أعلم . بعث عبد الله بن عتيك وأصحابه إلى خيبر فقتلوا أبا رافع اليهودي . عبد الله بن أنيس إلى خالد بن سفيان بن نبيح ، فقتله بعرنة . وقد روى بعث ابن إسحاق قصته هاهنا مطولة ، وقد تقدم ذكرها في سنة خمس . والله أعلم . زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة إلى مؤتة من أرض بعث الشام فأصيبوا ، كما تقدم . بعث كعب بن عمير إلى ذات أطلاح من أرض الشام فأصيبوا جميعا أيضا . عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر إلى بني العنبر من تميم ، فأغار عليهم ، فأصاب منهم أناسا ، وسبى منهم أناسا ، [ ص: 16 ] ثم ركب وفدهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسراهم ، فأعتق بعضا وفدى بعضا . بعث بعث غالب بن عبد الله أيضا إلى أرض بني مرة ، فأصيب بها مرداس بن نهيك حليف لهم من الحرقة من جهينة ، قتله أسامة بن زيد ورجل من الأنصار أدركاه ، فلما شهرا السلاح قال : لا إله إلا الله . فلما رجعا لامهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد اللوم ، فاعتذرا بأنه ما قال ذلك إلا تعوذا من القتل ، فقال لأسامة هلا شققت عن قلبه ؟ ! وجعل يقول لأسامة " من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة ؟ " قال أسامة : فما زال يكررها حتى تمنيت أن لم أكن أسلمت قبل ذلك . وقد تقدم الحديث بذلك . عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل من أرض بعث بني عذرة يستنفر العرب إلى أرض الشام وذلك أن أم العاص بن وائل كانت من بلي ، فلذلك بعث عمرا يستنفرهم ; ليكون أنجع فيهم ، فلما وصل إلى ماء لهم يقال له : السلسل . خافهم ، فبعث يستمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ; فيهم أبو بكر وعمر ، وعليها أبو عبيدة بن الجراح ، فلما انتهوا إليه تأمر عليهم كلهم عمرو ، وقال : إنما بعثتم مددا لي . فلم يمانعه أبو عبيدة ; لأنه كان رجلا سهلا لينا ، هينا عليه أمر الدنيا ، فسلم له وانقاد معه ، فكان عمرو يصلي بهم كلهم ، ولهذا لما رجع قال : يا رسول الله ، أي الناس أحب إليك ؟ قال " عائشة " قال فمن الرجال قال " أبوها " بعث عبد الله بن أبي حدرد إلى بطن إضم ، وذلك قبل فتح مكة وفيها قصة محلم بن [ ص: 17 ] جثامة ، وقد تقدم مطولا في سنة سبع . ابن أبي حدرد أيضا إلى الغابة . بعث عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل . بعث
قال محمد بن إسحاق : حدثني من لا أتهم ، عن عطاء بن أبي رباح قال : سمعت رجلا من أهل البصرة يسأل عن عبد الله بن عمر بن الخطاب . قال : فقال إرسال العمامة من خلف الرجل إذا اعتم عبد الله : أخبرك ، إن شاء الله ، عن ذلك بعلم ; كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده ; أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وحذيفة بن اليمان ، وأنا ، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أقبل فتى من وأبو سعيد الخدري ، الأنصار فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس ، فقال : المهاجرين ، خمس خصال إذا نزلن بكم ، وأعوذ بالله أن تدركوهن ; إنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون ، والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ، وشدة المؤنة وجور السلطان ، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين ، فلولا البهائم ما مطروا ، وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله صلى الله عليه وسلم إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم ، فأخذ بعض ما كان في [ ص: 18 ] أيديهم ، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله وتحيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم " ولم يمنعوا الزكاة من أموالهم إلا منعوا القطر من السماء قال : ثم أمر يا رسول الله ، أي المؤمنين أفضل ؟ قال " أحسنهم خلقا " . قال فأي المؤمنين أكيس ؟ قال " أكثرهم ذكرا للموت ، وأحسنهم استعدادا له قبل أن ينزل به ، أولئك الأكياس " ثم سكت الفتى ، وأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " يا معشر عبد الرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية بعثه عليها ، فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سوداء ، فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم نقضها ، ثم عممه بها ، وأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوا من ذلك . ثم قال : هكذا " يا ابن عوف فاعتم ; فإنه أحسن وأعرف " ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء ، فدفعه إليه ، فحمد الله وصلى على نفسه ثم قال : " خذه يا ابن عوف ، اغزوا جميعا في سبيل الله ، فقاتلوا من كفر بالله ، لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا " ، فهذا عهد الله وسيرة نبيه فيكم ، فأخذ عبد الرحمن بن عوف اللواء . قال ابن هشام : فخرج إلى دومة الجندل . أبي عبيدة بن الجراح وأصحابه ، وكانوا قريبا من ثلاثمائة راكب إلى سيف البحر ، وتزويده ، عليه الصلاة والسلام ، إياهم جرابا من تمر ، وفيها قصة العنبر ، وهي الحوت العظيم الذي دسره البحر ، وأكلهم كلهم منه قريبا من شهر حتى سمنوا ، وتزودوا منه وشائق - أي شرائح - حتى رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعموه منه ، فأكل منه ، كما تقدم بذلك الحديث . بعث
قال ابن هشام : ومما لم يذكر ابن إسحاق من البعوث - يعني هاهنا - لقتل عمرو بن أمية الضمري أبي سفيان صخر بن حرب بعد مقتل بعث خبيب [ ص: 19 ] بن عدي وأصحابه . فكان من أمره ما قدمناه ، وكان مع عمرو بن أمية جبار بن صخر ، ولم يتفق لهما قتل أبي سفيان ، بل قتلا رجلا غيره ، وأنزلا خبيبا عن جذعه . وبعث سالم بن عمير أحد البكائين إلى أبي عفك أحد بني عمرو بن عوف ، وكان قد نجم نفاقه حين قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم ، فقال يرثيه ويذم ، قبحه الله ، الدخول في الدين : الحارث بن سويد بن الصامت ،
لقد عشت دهرا وما إن أرى من الناس دارا ولا مجمعا أبر عهودا وأوفى لمن
يعاقد فيهم إذا ما دعا من اولاد قيلة في جمعهم
يهد الجبال ولم يخضعا فصدعهم راكب جاءهم
حلال حرام لشتى معا فلو أن بالعز صدقتم
أو الملك تابعتم تبعا
تكذب دين الله والمرء أحمد لعمر الذي أمناك بئس الذي يمني
[ ص: 20 ] حباك حنيف آخر الليل طعنة أبا عفك خذها على كبر السن
باست بني مالك والنبيت وعوف وباست بني الخزرج أطعتم أتاوي من غيركم
فلا من مراد ولا مذحج ترجونه بعد قتل الرءوس
كما يرتجى مرق المنضج ألا أنف يبتغي غرة
فيقطع من أمل المرتجي
بنو وائل وبنو واقف وخطمة دون بني الخزرج
متى ما دعت سفها ويحها بعولتها والمنايا تجي
فهزت فتى ماجدا عرقه كريم المداخل والمخرج
فضرجها من نجيع الدما ء بعد الهدو فلم يحرج
ومنا الذي لبى بمكة محرما برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم علقمة بن مجزز المدلجي ; ليأخذ بثأر أخيه وبعث وقاص بن مجزز يوم قتل بذي قرد ، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ; ليرجع في آثار القوم ، فأذن له وأمره على طائفة من الناس ، فلما قفلوا أذن لطائفة منهم في التقدم ، واستعمل عليهم وكانت فيه دعابة ، فاستوقد نارا وأمرهم أن يدخلوها ، فلما [ ص: 22 ] عزم بعضهم على الدخول قال : إنما كنت أضحك . فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال : عبد الله بن حذافة ، " من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه " والحديث في هذا ذكره ابن هشام ، عن الدراوردي ، عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن عمرو بن الحكم بن ثوبان ، عن . أبي سعيد الخدري
كرز بن جابر لقتل أولئك النفر الذين قدموا وبعث المدينة وكانوا من قيس كبة من بجيلة ، فاستوخموا المدينة واستوبئوها ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى إبله فيشربوا من أبوالها وألبانها ، فلما صحوا قتلوا راعيها ، وهو يسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذبحوه وغرزوا الشوك في عينيه ، واستاقوا اللقاح ، فبعث في آثارهم كرز بن جابر في نفر من الصحابة ، فجاء بأولئك النفر من بجيلة مرجعه ، عليه الصلاة والسلام ، من غزوة ذي قرد ، فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسملت أعينهم ، وهؤلاء النفر إن كانوا هم المذكورين في حديث أنس المتفق عليه : أن نفرا ثمانية من عكل أو عرينة قدموا المدينة . الحديث ، والظاهر أنهم هم ، فقد تقدم قصتهم مطولة ، وإن كانوا غيرهم فها قد أوردنا عيون ما ذكره ابن هشام والله أعلم .
قال ابن هشام وغزوة علي بن أبي طالب إلى اليمن ، غزاها مرتين ، قال أبو عمرو المدني : عليا إلى اليمن ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالدا في جند آخر ، وقال إن اجتمعتم فالأمير علي بن أبي طالب قال : وقد ذكر [ ص: 23 ] ابن إسحاق بعث خالد ، ولم يذكره في عدد البعوث والسرايا ، فينبغي أن تكون العدة في قوله تسعة وثلاثين .
قال ابن إسحاق إلى أسامة بن زيد بن حارثة الشام وأمره أن يوطئ الخيل تخوم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم البلقاء والداروم من أرض فلسطين ، فتجهز الناس ، وأوعب مع أسامة المهاجرون الأولون . قال ابن هشام وهو آخر بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال : حدثنا البخاري إسماعيل ، ثنا مالك ، عن عن عبد الله بن دينار ، عبد الله بن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد ، فطعن الناس في إمارته ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل ، وايم الله إن كان لخليقا للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إلي ، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده " ورواه الترمذي من حديث مالك . وقال : حديث صحيح حسن . وقد انتدب كثير من الكبار من المهاجرين الأولين والأنصار في جيشه ، فكان من أكبرهم عمر بن الخطاب ، ومن قال : إن أبا بكر كان فيهم . فقد غلط ; فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد به المرض وجيش أسامة مخيم بالجرف ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس ، كما سيأتي ، فكيف يكون في الجيش وهو إمام المسلمين بإذن الرسول صلى الله عليه وسلم من رب العالمين ؟ ! ولو فرض أنه كان قد انتدب معهم ، فقد استثناه الشارع من بينهم بالنص عليه للإمامة في الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام ، ثم لما توفي عليه الصلاة والسلام استطلق الصديق من أسامة عمر بن الخطاب ، فأذن له في المقام عند الصديق ، ونفذ الصديق جيش أسامة ، كما سيأتي بيانه وتفصيله في موضعه ، إن شاء الله تعالى .