فمنهم بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عاصم بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري النجاري أبو حمزة المدني أنس بن مالك بن النضر ، نزيل البصرة . خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة مقامه بالمدينة عشر سنين ، فما عاتبه على شيء أبدا ، ولا قال لشيء فعله : لم فعلته . ولا لشيء لم يفعله : ألا فعلته ؟ وأمه هي التي أعطته رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله ، وسألته أن يدعو له ، أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام ، اللهم أكثر ماله وولده ، وأطل عمره ، وأدخله الجنة قال فقال : أنس فقد رأيت اثنتين ، وأنا أنتظر الثالثة ، والله إن مالي لكثير ، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو من مائة . وفي رواية : وإن كرمي ليحمل في السنة مرتين ، وإن ولدي لصلبي مائة وستة أولاد . وقد اختلف في شهوده بدرا ، وقد روى الأنصاري ، عن أبيه ، عن ثمامة قال : قيل لأنس : أشهدت بدرا ؟ فقال : وأين أغيب عن بدر لا أم لك ؟ والمشهور أنه لم يشهد بدرا لصغره ، ولم يشهد أحدا أيضا لذلك . وشهد الحديبية وخيبر ، وعمرة [ ص: 302 ] القضاء ، والفتح ، وحنينا ، والطائف ، وما بعد ذلك . قال ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم سليم . يعني أبو هريرة أنس بن مالك وقال ابن سيرين كان أحسن الناس صلاة في سفره وحضره . وكانت وفاته بالبصرة ، وهو آخر من كان قد بقي فيها من الصحابة فيما قاله ، وذلك في سنة تسعين ، وقيل : إحدى . وقيل : اثنتين . وقيل : ثلاثا وتسعين . وهو الأشهر ، وعليه الأكثر . وأما عمره يوم مات فقد روى الإمام علي بن المديني أحمد في " مسنده " : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن حميد ، أن أنسا عمر مائة سنة غير سنة . وأقل ما قيل ست وتسعون . وأكثر ما قيل مائة وسبع سنين . وقيل : ست . وقيل : مائة وثلاث سنين . فالله أعلم .
الأسلع بن شريك بن عوف الأعرجي . قال ومنهم رضي الله عنهم محمد بن سعد : كان اسمه ميمون بن سنباذ ، قال الربيع بن بدر الأعرجي ، عن أبيه ، عن جده ، الأسلع قال : كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأرحل له ، فقال ذات ليلة : يا أسلع ، قم فارحل قال : أصابتني جنابة [ ص: 303 ] يا رسول الله . قال : فسكت ساعة ، وأتاه جبريل بآية الصعيد . قال : فتمسحت وصليت ، فلما انتهيت إلى الماء قال : يا أسلع قم فاغتسل ثم مسح بهما وجهه ، ثم ضرب يديه الأرض ، ثم نفضهما فمسح بهما ذراعيه ; باليمنى على اليسرى ، وباليسرى على اليمنى ، ظاهرهما وباطنهما . قال فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه إلى الأرض ثم نفضهما ، الربيع : وأراني أبي كما أراه أبوه كما أراه الأسلع كما أراه رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال عن الربيع : فحدثت بهذا الحديث فقال : هكذا والله رأيت عوف بن أبي جميلة الحسن يصنع . رواه ابن منده والبغوي في كتابيهما " معجم الصحابة " من حديث الربيع بن بدر هذا ، قال البغوي : ولا أعلمه روى غيره . قال : وقد روى - يعني هذا الحديث - ابن عساكر الهيثم بن رزيق المالكي المدلجي ، عن أبيه ، عن الأسلع بن شريك .
ومنهم ; رضي الله عنهم ، بن سعد بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى الأسلمي أسماء بن حارثة بن سعيد بن عبد الله بن غياث . وكان من أهل الصفة ، قاله محمد بن سعد . وهو أخو هند بن حارثة ، وكانا [ ص: 304 ] يخدمان النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، ثنا وهيب ، ثنا عبد الرحمن بن حرملة ، عن يحيى بن هند بن حارثة ، وكان هند من أصحاب الحديبية وكان أخوه الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر قومه وهو بالصيام يوم عاشوراء ، أسماء بن حارثة . فحدثني يحيى بن هند ، عن أسماء بن حارثة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه فقال : مر قومك بصيام هذا اليوم قال : أرأيت إن وجدتهم قد طعموا ؟ قال فليتموا آخر يومهم وقد رواه أحمد بن خالد الوهبي عن محمد بن إسحاق ، حدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن حبيب بن هند بن أسماء الأسلمي ، عن أبيه هند قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوم من أسلم فقال : مر قومك فليصوموا هذا اليوم ، ومن وجدت منهم أكل في أول يومه فليصم آخره .
وقال محمد بن سعد ، عن الواقدي : أنبأنا محمد بن نعيم بن عبد الله المجمر ، عن أبيه قال : سمعت يقول : ما كنت أظن أن أبا هريرة هندا وأسماء ابني حارثة إلا مملوكين لرسول الله صلى الله عليه وسلم . قال الواقدي : كانا يخدمانه لا يبرحان بابه هما . قال وأنس بن مالك محمد بن سعد : وقد توفي أسماء بن حارثة في سنة ست وستين بالبصرة عن ثمانين سنة .
ومنهم ، رضي الله عنهم بلال بن رباح الحبشي . ولد ، بمكة ، وكان مولى [ ص: 305 ] لأمية بن خلف ، فاشتراه أبو بكر بمال جزيل ; لأنه كان أمية يعذبه عذابا شديدا ليرتد عن الإسلام ، فيأبى إلا الإسلام رضي الله عنه ، فلما أبو بكر أعتقه ابتغاء وجه الله ، وهاجر حين هاجر الناس ، وشهد اشتراه بدرا ، وأحدا وما بعدهما من المشاهد رضي الله عنه . وكان يعرف ببلال بن حمامة ، وهي أمه ، وكان من أفصح الناس لا كما يعتقده بعض الناس أن سينه كانت شينا ، حتى إن بعض الناس يروي حديثا في ذلك لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن سين بلال عند الله شين . وهو أحد المؤذنين الأربعة كما سيأتي ، وهو كما قدمنا . وكان يلي أمر النفقة على العيال ، ومعه حاصل ما يكون من المال . ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيمن خرج إلى أول من أذن الشام للغزو ، ويقال : إنه أقام يؤذن لأبي بكر أيام خلافته . والأول أشهر . قال الواقدي : مات بدمشق سنة عشرين وله بضع وستون سنة . وقال الفلاس : قبره بدمشق ، ويقال : بداريا . وقيل : إنه مات بحلب . والصحيح أن الذي مات بحلب أخوه خالد . قال مكحول : حدثني من رأى بلالا قال : كان شديد الأدمة نحيفا أجنأ ، له شعر كثير ، وكان لا يغير شيبه رضي الله عنه .
[ ص: 306 ] ومنهم رضي الله عنهم ، بكير بن الشداخ الليثي . ذكر ابن منده من طريق أبي بكر الهذلي ، عن عبد الملك بن يعلى الليثي ، بكير بن شداخ الليثي كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ، فاحتلم ، فأعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : إني كنت أدخل على أهلك ، وقد احتلمت الآن يا رسول الله . فقال : اللهم صدق قوله ، ولقه الظفر . فلما كان في زمان أن عمر قتل رجل من اليهود ، فقام عمر خطيبا فقال : أنشد الله رجلا عنده من ذلك علم ؟ فقام بكير فقال : أنا قتلته يا أمير المؤمنين . فقال عمر : بؤت بدمه ، فأين المخرج ؟ فقال يا أمير المؤمنين ، إن رجلا من الغزاة استخلفني على أهله ، فجئت فإذا هذا اليهودي عند امرأته ، وهو يقول :
وأشعث غره الإسلام مني خلوت بعرسه ليل التمام أبيت على ترائبها ويمسي على قود الأعنة والحزام
كأن مجامع الربلات منها فئام ينهضون إلى فئام
ومنهم ، رضي الله عنهم ، حبة وسواء ابنا خالد رضي الله عنهما . قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية . قال : وثنا ، ثنا وكيع الأعمش ، عن سلام بن شرحبيل ، عن حبة وسواء ابنى خالد قالا : دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلح شيئا [ ص: 307 ] فأعناه فقال : لا تيئسا من الرزق ما تهزهزت رءوسكما ، فإن الإنسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشرة ثم يرزقه الله عز وجل .
ومنهم ، رضي الله عنهم ، ذو مخمر . ويقال ذو مخبر . وهو ابن أخي النجاشي ملك الحبشة ، ويقال ابن أخته . والصحيح الأول . كان بعثه ليخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نيابة عنه . قال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ثنا حريز ، عن يزيد بن صليح ، عن ذي مخمر ، وكان رجلا من الحبشة يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : كنا معه في سفر فأسرع السير حتى انصرف ، وكان يفعل ذلك لقلة الزاد ، فقال له قائل : يا رسول الله ، قد انقطع الناس . قال : فحبس ، وحبس الناس معه حتى تكاملوا إليه فقال لهم : هل لكم أن نهجع هجعة ؟ أو قال له قائل ، فنزل ونزلوا ، فقال : من يكلؤنا الليلة ؟ فقلت : أنا ، جعلني الله فداءك . فأعطاني خطام ناقته ، فقال : هاك ، لا تكونن لكعا قال : فأخذت بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخطام ناقتي فتنحيت غير بعيد فخليت سبيلهما ترعيان ، فإني في ذلك أنظر إليهما حتى أخذني النوم ، فلم أشعر بشيء [ ص: 308 ] حتى وجدت حر الشمس على وجهي ، فاستيقظت فنظرت يمينا وشمالا ، فإذا أنا بالراحلتين مني غير بعيد ، فأخذت بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخطام ناقتي ، فأتيت أدنى القوم فأيقظته ، فقلت : أصليت ؟ قال : لا . فأيقظ الناس بعضهم بعضا حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا بلال هل في الميضأة ماء ؟ يعني الإداوة ، فقال : نعم ، جعلني الله فداءك . فأتاه بوضوء ، فتوضأ وضوءا لم يلت منه التراب ، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الركعتين قبل الصبح وهو غير عجل ، ثم أمره فأمر بلالا فأذن ، فقال له قائل : يا رسول الله أفرطنا ؟ قال : لا ، قبض الله عز وجل ، أرواحنا وردها إلينا ، وقد صلينا فأقام الصلاة ، فصلى وهو غير عجل ، .
ومنهم ، رضي الله عنهم ، ربيعة بن كعب الأسلمي ، أبو فراس . قال الأوزاعي : حدثني ، عن يحيى بن أبي كثير أبي سلمة ، عن ربيعة بن كعب قال : كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته ، فكان يقوم من الليل فيقول سبحان ربي وبحمده ، سبحان ربي وبحمده ، سبحان رب العالمين ، سبحان رب العالمين الهوي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل لك حاجة ؟ قلت : يا رسول الله ، مرافقتك في الجنة . قال : فأعني على نفسك [ ص: 309 ] بكثرة السجود .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، ثنا أبي ، ثنا محمد بن إسحاق ، حدثني محمد بن عمرو بن عطاء ، عن ، نعيم بن مجمر عن ربيعة بن كعب قال : كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع ، حتى يصلي العشاء الآخرة ، فأجلس ببابه إذا دخل بيته أقول : لعلها أن تحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة ، فما أزال أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سبحان الله سبحان الله وبحمده . حتى أمل فأرجع ، أو تغلبني عيناي فأرقد . قال : فقال لي يوما لما يرى من خفتي له ، وخدمتي إياه : يا ربيعة بن كعب ، سلني أعطك قال : فقلت : أنظر في أمري يا رسول الله ، ثم أعلمك ذلك . قال : ففكرت في نفسي ، فعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة ، وأن لي فيها رزقا سيكفيني ويأتيني . قال : فقلت : أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي ; فإنه من الله عز وجل بالمنزل الذي هو به . قال : فجئته فقال : ما فعلت يا ربيعة ؟ قال : فقلت : نعم يا رسول الله ، أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار . قال : فقال : من أمرك بهذا يا ربيعة ؟ قال : فقلت : لا والله الذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد ، ولكنك لما قلت : " سلني أعطك " . وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به ، نظرت في أمري فعرفت أن وأن لي [ ص: 310 ] فيها رزقا سيأتيني ، فقلت : أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لآخرتي . قال : فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلا ، ثم قال لي : إني فاعل ، فأعني على نفسك الدنيا منقطعة وزائلة ، بكثرة السجود .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو خيثمة ، أنبأنا ثنا يزيد بن هارون ، ثنا مبارك بن فضالة ، أبو عمران الجوني ، عن ربيعة الأسلمي ، وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم قال : فقال لي ذات يوم : يا ربيعة ، ألا تزوج؟ قال : قلت : يا رسول الله ، ما أحب أن يشغلني عن خدمتك شيء . قال : فسكت ، فلما كان بعد قال لي : ياربيعة ، ألا تزوج؟ قلت : يا رسول الله ، ما أحب أن يشغلني عن خدمتك شيء ، وما عندي ما أعطي المرأة . قال : فقلت بعد ذلك : رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما عندي حتى يدعوني إلى التزويج ، لئن دعاني هذه المرة لأجيبنه . قال : فقال لي : يا ربيعة ، ألا تزوج؟ فقلت : يا رسول الله ، ومن يزوجني؟ ما عندي ما أعطي المرأة . قال : فقال لي : انطلق إلى بني فلان فقل لهم : إن رسول الله يأمركم أن تزوجوني فتاتكم فلانة . قال : فأتيتهم فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم لتزوجوني فتاتكم فلانة . قالوا : فلانة؟! قال : نعم . قالوا : مرحبا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومرحبا برسوله . فزوجوني ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، أتيتك من خير أهل بيت ، صدقوني وزوجوني ، فمن أين لي ما أعطي صداقي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجمعوا لبريدة الأسلمي لربيعة في صداقه في وزن نواة من ذهب قال : فجمعوها فأعطوني ، فأتيتهم فقبلوها ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، قد قبلوا ، فمن أين لي ما أولم؟ [ ص: 311 ] قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبريدة : اجمعوا لربيعة في ثمن كبش قال : فجمعوا ، وقال لي : انطلق إلى عائشة ، فقل لها فلتدفع إليك ما عندها من الشعير قال : فأتيتها فدفعت إلي ، فانطلقت بالكبش والشعير ، فقالوا : أما الشعير فنحن نكفيك ، وأما الكبش فمر أصحابك فليذبحوه . وعملوا الشعير ، فأصبح والله عندنا خبز ولحم ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع أبا بكر أرضا له ، فاختلفنا في عذق ، فقلت : هو في أرضي . وقال أبو بكر : هو في أرضي . فتنازعنا ، فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها ، فندم فأخبرني فقال لي : قل لي كما قلت لك . قال : فقلت : لا والله لا أقول لك كما قلت لي . قال : إذا آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعته ، فجاءني قومي يتبعونني ، فقالوا : هو الذي قال لك وهو يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشكو؟! قال : فالتفت إليهم فقلت : تدرون من هذا؟! هذا الصديق وذو شيبة المسلمين ، ارجعوا لا يلتفت فيراكم فيظن أنكم إنما جئتم لتعينوني عليه فيغضب ، فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره فيهلك ربيعة . قال : فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني قلت لربيعة كلمة كرهها ، فقلت له يقول لي مثل ما قلت له فأبى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . يا ربيعة ، وما لك وللصديق؟ قال : فقلت : يا رسول الله ، لا والله لا أقول له كما قال لي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقل له كما قال لك ، ولكن قل : غفر الله لك يا أبا بكر .
ومنهم رضي الله عنهم سعد مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه . [ ص: 312 ] ويقال : مولى النبي صلى الله عليه وسلم . قال : ثنا أبو داود الطيالسي أبو عامر ، عن الحسن ، عن سعد مولى أبي بكر الصديق ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر - وكان سعد مملوكا لأبي بكر ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه خدمته - : أعتق سعدا فقال : يا رسول الله ، ما لنا خادم هاهنا غيره . فقال : أعتق سعدا أتتك الرجال أتتك الرجال وهكذا رواه أحمد عن . أبي داود الطيالسي
وقال : حدثنا أبو داود الطيالسي أبو عامر ، عن الحسن ، عن سعد قال : . ورواه قربت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرا ، فجعلوا يقرنون ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القران ابن ماجه عن بندار ، عن أبي داود به .
ومنهم رضي الله عنهم ، عبد الله بن رواحة دخل يوم عمرة القضاء مكة وهو يقود بناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول :
خلوا بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تأويله
كما ضربناكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله ويشغل الخليل عن خليله
ومنهم رضي الله عنهم ، بن غافل بن حبيب بن شمخ أبو عبد الرحمن الهذلي عبد الله بن مسعود . أحد أئمة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، هاجر الهجرتين وشهد بدرا وما بعدها ، ويلي طهوره ، ويرحل دابته إذا أراد الركوب ، وكانت له اليد الطولى في تفسير كلام الله تعالى ، وله العلم الجم والفضل والحلم ، وفي الحديث كان يلي حمل نعلي النبي صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ، وقد جعلوا يعجبون من دقة ساقيه ، فقال : والذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أحد ، وقال عمر بن الخطاب في ابن مسعود : هو كنيف ملئ علما . وذكروا أنه نحيف الخلق حسن الخلق ، يقال : إنه كان إذا مشى يسامت الجالس وكان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودله وسمته ، يعني أنه يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في حركاته وسكناته وكلامه ، ويتشبه بما استطاع من عبادته . توفي ، رضي الله عنه ، في أيام عثمان بن عفان ، رضي الله عنه سنة ثنتين أو ثلاث وثلاثين بالمدينة عن ثلاث وستين سنة ، وقيل : إنه توفي بالكوفة . والأول أصح .
ومنهم رضي الله عنهم عقبة بن عامر الجهني قال الإمام أحمد : ثنا ثنا الوليد بن مسلم ، ابن جابر ، عن القاسم أبي عبد الرحمن ، عن عقبة بن عامر [ ص: 314 ] قال : بينما أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في نقب من تلك النقاب ، إذ قال لي : يا عقبة ألا تركب؟ قال : فأجللت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أركب مركبه ، ثم قال : يا عقيب ، ألا تركب؟ قال : فأشفقت أن تكون معصية . قال : فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبت هنيهة ، ثم ركب ، ثم قال : يا عقبة ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟ قلت : بلى يا رسول الله . فأقرأني : قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم أقيمت الصلاة ، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ بهما ، ثم مر بي فقال : كيف رأيت يا عقيب؟ اقرأ بهما كلما نمت وكلما قمت وهكذا رواه من حديث النسائي الوليد بن مسلم عن وعبد الله بن المبارك ، ابن جابر . ورواه أبو داود أيضا من حديث والنسائي ابن وهب ، عن معاوية بن صالح ، عن العلاء بن الحارث ، عن القاسم أبي عبد الرحمن ، عن عقبة به .
ومنهم رضي الله عنهم . روى قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي عن البخاري أنس قال : من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرط من الأمير قيس بن سعد بن عبادة . وقد كان كان قيس هذا رضي الله عنه من أطول الرجال ، وكان كوسجا ، ويقال : إن سراويله كان يضعه على أنفه من [ ص: 315 ] يكون من أطول الرجال ، فتصل رجلاه الأرض ، وقد بعث سراويله إلى ملك معاوية بن أبي سفيان الروم يقول له : هل عندكم رجل تجيء سراويله على طوله؟ فعجب ملك الروم من ذلك . وذكروا أنه كان كريما ممدحا ذا رأي ودهاء ، وكان مع علي بن أبي طالب أيام صفين . وقال مسعر ، عن معبد بن خالد : كان قيس بن سعد لا يزال رافعا أصبعه المسبحة يدعو رضي الله عنه وأرضاه . وقال الواقدي وغيرهما : توفي وخليفة بن خياط بالمدينة في آخر أيام معاوية .
وقال الحافظ : ثنا أبو بكر البزار عمر بن الخطاب السجستاني ، ثنا علي بن يزيد الحنفي ، ثنا سعد بن الصلت ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن أنس قال : الأنصار يلزمون رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوائجه ، فإذا أراد أمرا بعثهم فيه . كان عشرون شابا من
ومنهم ، رضي الله عنهم ، المغيرة بن شعبة الثقفي ، رضي الله عنه . كان بمنزلة السلحدار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما الحديبية فجعل كلما أهوى عمه عروة بن مسعود الثقفي حين قدم في الرسيلة إلى لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم - على ما جرت به عادة العرب في مخاطباتها - يقرع يده بقائمة السيف ، ويقول : أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا تصل إليك . الحديث كما قدمناه . كان رافعا السيف في يده ، [ ص: 316 ] وهو واقف على رأس النبي صلى الله عليه وسلم في الخيمة يوم
قال محمد بن سعد وغيره : شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وولاه مع أبي سفيان الإمرة حين ذهبا فخربا طاغوت أهل الطائف وهي المدعوة بالربة ، وهي اللات ، وكان داهية من دهاة العرب . قال الشعبي : سمعته يقول : ما غلبني أحد قط . وقال الشعبي : سمعت قبيصة بن جابر يقول : صحبت المغيرة بن شعبة ، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها . وقال الشعبي : القضاة أربعة; علي وعمر وابن مسعود وأبو موسى ، والدهاة أربعة; معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة وزياد . وقال الزهري : الدهاة خمسة; معاوية وعمرو والمغيرة واثنان مع علي ، وهما قيس بن سعد بن عبادة وعبد الله بن بديل بن ورقاء .
وقال الإمام مالك : كان المغيرة بن شعبة رجلا نكاحا للنساء ، وكان يقول : صاحب الواحدة إن حاضت حاض معها ، وإن مرضت مرض معها ، [ ص: 317 ] وصاحب الثنتين بين نارين تشتعلان . قال : فكان ينكح أربعا جميعا ويطلقهن جميعا . وقال غيره : تزوج ثمانين امرأة . وقيل : ثلاثمائة امرأة . وقيل : أحصن ألف امرأة . وقد اختلف في وفاته على أقوال أشهرها وأصحها ، وهو الذي حكى عليه الإجماع ، أنه توفي سنة خمسين . الخطيب البغدادي
ومنهم رضي الله عنهم المقداد بن الأسود أبو معبد الكندي ، حليف بني زهرة . قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، ثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن المقداد بن الأسود قال : قدمت المدينة أنا وصاحبان لي فتعرضنا للناس فلم يضفنا أحد ، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا له ، فذهب بنا إلى منزله ، وعنده أربع أعنز ، فقال : احلبهن يا مقداد ، وجزئهن أربعة أجزاء ، وأعط كل إنسان جزءا فكنت أفعل ذلك ، فرفعت للنبي صلى الله عليه وسلم جزأه ذات ليلة ، فاحتبس واضطجعت على فراشي ، فقالت لي نفسي : إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أتى أهل بيت من الأنصار ، فلو قمت فشربت هذه الشربة . فلم تزل بي حتى قمت فشربت جزأه ، فلما دخل في بطني وتقار أخذني ما قدم وما حدث ، فقلت : يجيء الآن النبي صلى الله عليه وسلم جائعا ظمآن ، فلا يرى في القدح شيئا ، فسجيت ثوبا على وجهي ، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسلم تسليما يسمع اليقظان ولا [ ص: 318 ] يوقظ النائم ، فكشف عنه فلم ير شيئا ، فرفع رأسه إلى السماء فقال : اللهم اسق من سقاني ، وأطعم من أطعمني فاغتنمت دعوته ، وقمت فأخذت الشفرة ، فدنوت إلى الأعنز فجعلت أجسهن أيتهن أسمن لأذبحها ، فوقعت يدي على ضرع إحداهن ، فإذا هي حافل ، ونظرت إلى الأخرى فإذا هي حافل ، فنظرت فإذا هن كلهن حفل ، فحلبت في الإناء فأتيته به فقلت : اشرب . فقال : ما الخبر يا مقداد؟ فقلت : اشرب ثم الخبر . فقال : بعض سوآتك يا مقداد فشرب ثم قال : " اشرب " . فقلت : اشرب يا نبي الله . فشرب حتى تضلع ، ثم أخذته فشربته ، ثم أخبرته الخبر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هيه " . فقلت : كان كذا وكذا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذه بركة منزلة من السماء ، أفلا أخبرتني حتى أسقي صاحبيك فقلت : إذا شربت البركة أنا وأنت فلا أبالي من أخطأت . وقد رواه الإمام أحمد أيضا ، عن أبي النضر ، عن عن سليمان بن المغيرة ، ثابت ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن المقداد . فذكر ما تقدم ، وفيه أنه حلب في الإناء الذي كانوا لا يطمعون أن يحلبوا فيه ، فحلب حتى علته الرغوة ، ولما جاء به قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما شربتم شرابكم الليلة يا مقداد؟ فقلت : اشرب يا رسول الله . فشرب ثم ناولني ، فقلت : اشرب يا رسول الله . فشرب ثم ناولني ، فأخذت ما بقي ثم شربت ، فلما عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد روى فأصابتني دعوته ، ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إحدى سوآتك يا مقداد فقلت : يا رسول الله ، كان [ ص: 319 ] من أمري كذا ، صنعت كذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما كانت هذه إلا رحمة الله ، ألا كنت آذنتني توقظ صاحبيك هذين فيصيبان منها قال : قلت : والذي بعثك بالحق ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك من أصابها من الناس . وقد رواه مسلم والترمذي من حديث والنسائي به . سليمان بن المغيرة
ومنهم رضي الله عنهم مهاجر مولى أم سلمة . قال : حدثنا الطبراني أبو الزنباع روح بن الفرج ، ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني إبراهيم بن عبد الله ، سمعت بكيرا يقول : مهاجرا مولى أم سلمة يقول : ولا لشيء تركته : لم تركته؟ وفي رواية : خدمته عشر سنين أو خمس سنين . خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم سنين ، فلم يقل لي لشيء صنعته : لم صنعته؟ سمعت
ومنهم رضي الله عنهم أبو السمح . قال أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي : ثنا مجاهد بن موسى ، ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ثنا يحيى بن الوليد ، حدثني محل بن خليفة ، حدثني أبو السمح قال : كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، . قال : كان إذا أراد أن يغتسل قال : ناولني إداوتي قال : فأناوله وأستره ، فأتي بحسن أو حسين فبال على صدره ، فجئت لأغسله فقال : يغسل من بول الجارية ، ويرش من بول الغلام وهكذا رواه أبو داود والنسائي عن وابن ماجه مجاهد بن موسى .
[ ص: 320 ] ومنهم ، رضي الله عنهم ، أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه . تولى خدمته بنفسه في سفرة الهجرة ، لا سيما في الغار وبعد خروجهم منه ، حتى وصلوا إلى أفضل الصحابة على الإطلاق المدينة كما تقدم ذلك مبسوطا ، ولله الحمد والمنة .