[ ص: 615 ] ثم دخلت سنة ثمان عشرة وأربعمائة
في ربيع الأول وقع برد أهلك شيئا كثيرا من الزروع والثمار ، وقتل خلقا كثيرا من الغنم والوحوش .
قال : وقد قيل : إنه كان في كل بردة رطلان وأكثر ، وفي ابن الجوزي واسط بلغت البردة أرطالا ، وفي بغداد بقدر البيض .
وفي ربيع الآخر سألت الأسفهسلارية والغلمان الخليفة أن يعزل عنهم أبا كاليجار ; لتهاونه بأمرهم ، وفساده وفساد الأمور في أيامه ، ويولي جلال الدولة الذي كانوا قد عدلوا عنه أول مرة ، فماطلهم الخليفة في ذلك ، وكتب إلى أن يتدارك أمره ، وأن يسرع الأوبة إلى أبي كاليجار بغداد قبل أن يفوت الأمر ، وألح أولئك على الخليفة في تولية جلال الدولة ، وأقاموا له الخطبة ببغداد ، وتفاقم الحال ، وفسد النظام .
وفي هذه السنة ورد يمين الدولة محمود بن سبكتكين أنه دخل بلاد الهند أيضا ، وأنه كسر الصنم الأعظم الذي لهم المسمى بسومنات ، وقد كانوا يفدون إليه من كل فج عميق ، وينفقون عنده من الأموال شيئا كثيرا جدا ، وكان عليه من الأوقاف عشرة آلاف قرية مشهورة وقد امتلأت خزائنه أموالا ، [ ص: 616 ] وعنده ألف رجل يخدمونه ، وثلاثمائة يحلقون حجيجه ، وثلاثمائة وخمسون يغنون ويرقصون على باب الصنم ، وقد كان العبد - يعني كتاب من الملك محمود بن سبكتكين - يتمنى قلع هذا الصنم ، وكان يعوقه عنه طول المفاوز وكثرة الموانع ، ثم استخار الله تعالى وتجشم بجيشه تلك الأهوال إليه في ثلاثين ألفا ممن اختارهم سوى المطوعة ، فسلم الله تعالى حتى انتهينا إلى بلد هذا الوثن ، فملكناه وقتلنا من أهله خمسين ألفا ، وقلعنا هذا الوثن وأوقدنا تحته النار .
وقد ذكر غير واحد أن الهنود بذلوا أموالا جزيلة للملك محمود بن سبكتكين ليترك لهم هذا الصنم الأعظم ، فأشار من أشار من الأمراء بقبول تلك الأموال الجزيلة ، فقال : حتى أستخير الله تعالى . فلما أصبح قال : إني فكرت في الأمر فرأيت إذا نوديت يوم القيامة ، فيقال : أين محمود الذي كسر الصنم ؟ أحب إلي من أن يقال : أين محمود الذي ترك الصنم ؟ ثم عزم فكسره ، فوجد عليه وفيه من الذهب واللآلئ والجواهر النفيسة ما ينيف على ما بذلوه بأضعاف مضاعفة ، مع ما ادخر الله تعالى له من الأجر الجزيل في الآخرة والثناء الجميل في الأولى ، فرحمه الله وأكرم مثواه .
وفي يوم السبت ثالث رمضان دخل جلال الدولة إلى بغداد فتلقاه الخليفة في دجلة في الطيار ، ومعه الأكابر والأعيان ، فلما واجه جلال الدولة قبل الأرض دفعات ، ثم سار إلى دار الملك ، وعاد الخليفة إلى داره ، وأمر جلال الدولة أن يضرب له الطبل في أوقات الصلوات الثلاث ، كما كان الأمر في زمن عضد الدولة وصمصامها وشرفها وبهائها ، وكان الخليفة يضرب له الطبل في أوقات الصلوات الخمس ، فأراد جلال الدولة ذلك ، فقيل : لا يحسن مساواة الخليفة . ثم صمم على ذلك في أوقات الصلوات الخمس .
[ ص: 617 ] قال : وفيها وقع برد شديد حتى جمد الخل والنبيذ وأبوال الدواب والمياه الكبار وحافات ابن الجوزي دجلة .
ولم يحج في هذه السنة أحد من أهل المشرق .