بكر بن شاذان بن بكر ، أبو القاسم المقرئ الواعظ
سمع أبا بكر الشافعي ، [ ص: 557 ] وجعفرا الخلدي ، وعنه الأزهري والخلال ، وكان ثقة أمينا صالحا عابدا زاهدا ، له قيام ليل ، وكريم أخلاق . مات في هذه السنة وقد نيف على الثمانين ، ودفن بباب حرب .
بدر بن حسنويه بن الحسين ، أبو النجم الكردي ، كان من خيار الملوك بناحية الدينور وهمذان ، له سياسة وصدقة كثيرة ، كناه القادر بالله أبا النجم ، ولقبه ناصر الدولة ، وعقد له لواء وأنفذه إليه ، وكانت أعماله في غاية الأمن ، بحيث إذا أعيا جمل أحد من المسافرين فتركه بما عليه في البرية ، رد إليه - ولو بعد حين - بما كان عليه لا ينقص منه شيء .
ولما عاثت أمراؤه في البلاد فسادا عمل لهم ضيافة حسنة ، فقدمها إليهم ولم يأتهم بخبز ، فجلسوا ينتظرون الخبز ، فلما طال ذلك سألوا عنه ، فقال : إذا كنتم تهلكون الحرث ، فمن أين تؤتون بخبز ؟ ! ثم قال : لا أسمع بأحد أفسد في الأرض إلا أرقت دمه .
واجتاز مرة في بعض أسفاره برجل قد حمل حزمة حطب وهو يبكي ، فقال له : ما لك ؟ فقال : إني كان معي رغيفان أريد أن أتقوت بهما ، فأخذهما مني بعض الجند . فقال له : أتعرفه إذا رأيته ؟ قال : نعم . فوقف به في مضيق حتى مر عليه الجند ، فلما اجتاز به ذلك الرجل الذي أخذ منه الرغيفين ، قال : هذا هو . فأمر به أن ينزل عن فرسه ، وأن يحمل هذه الحزمة من الحطاب حتى يبلغ بها إلى المدينة فأراد أن يفتدي من ذلك بمال جزيل ، فلم يقبل منه ، حتى تأدب به الجيش كلهم .
[ ص: 558 ] وكان يصرف في كل جمعة عشرة آلاف درهم على الفقراء والأرامل والأيتام ، وفي كل شهر عشرين ألف درهم في تكفين الموتى ، ويصرف في كل سنة ألف دينار إلى عشرين نفسا يحجون عن والديه وعن عضد الدولة ; لأنه كان السبب في تمليكه ، وثلاثة آلاف دينار في كل سنة إلى الحدادين والحذائين للمنقطعين بين همذان وبغداد ، يصلحون لهم الأحذية ونعال دوابهم ، ويصرف في كل سنة مائة ألف دينار إلى الحرمين صدقة على المجاورين ، ، وإطلاقا لأهل المنازل ، وحفر الآبار وإصلاحها ، وما اجتاز في طريقه بماء جار إلا بني عنده قرية ، وعمر في أيامه من المساجد والخانات ما ينيف على ألفي مسجد وخان ، هذا كله خارجا عما يصرف من ديوانه من الجرايات ، والنفقات والصدقات ، والبر والصلات ، على أصناف الناس ، من الفقهاء ، والقضاة ، والمؤذنين ، والأشراف ، والشهود ، والفقراء ، والمساكين ، والأيتام ، والضعفاء . وكان كثير الصلاة والذكر ، وكان له من الدواب المرتبطة في سبيل الله وفي الجشر ما ينيف عن عشرين ألفا . وكانت وفاته في هذه السنة ، ومدة إمارته اثنتان وثلاثون سنة ، ودفن وعمارة المصانع ، وإصلاح المياه في طريق الحجاز بمشهد علي ، وترك من الأموال أربعة عشر ألف بدرة ، ونيفا وأربعين بدرة ، البدرة عشرة آلاف ، رحمه الله تعالى .
الحسن بن الحسين بن حمكان ، أبو علي الهمذاني
[ ص: 559 ] أحد الفقهاء الشافعية ببغداد ، عني أولا بالحديث ، فسمع شيئا كثيرا ، حتى قيل : إنه كتب بالبصرة عن نحو من خمسمائة شيخ . ثم اشتغل بالفقه على أبي حامد المروروذي ، وروى عنه الأزهري ، وقال : كان ضعيفا ، ليس بشيء في الحديث .
المعروف بابن الأكفاني عبد الله بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم ، أبو محمد الأسدي ، قاضي قضاة بغداد ولد سنة ست عشرة وثلاثمائة ، وروى عن القاضي المحاملي ومحمد بن مخلد وغيرهم ، وعنه وابن عقدة البرقاني والتنوخي ، يقال : إنه أنفق على طلب العلم مائة ألف دينار . وكان عفيفا نزها ، صين العرض . وكانت وفاته في هذه السنة عن خمس وثمانين سنة ، ولي الحكم منها أربعين سنة نيابة واستقلالا ، رحمه الله تعالى .
المعروف بالإدريسي عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس ، أبو سعد الحافظ الإستراباذي ، رحل في طلب الحديث ، وعني به ، وسمع الأصم وغيره ، وسكن سمرقند وصنف لها تاريخا ، وعرضه على فاستحسنه ، وحدث الدارقطني ببغداد ، فسمع منه الأزهري والتنوخي ، وكان ثقة حافظا ، رحمه الله تعالى .
أبو نصر ، عبد العزيز بن عمر بن محمد بن أحمد بن نباتة السعدي
[ ص: 560 ] الشاعر المشهور ، امتدح سيف الدولة وغيره من الأكابر والأمراء والوزراء ، وشعره المشهور بالجودة والإحسان ، وهو القائل البيت المطروق المشهور :
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والداء واحد
ومن شعره أيضا قوله :وإذا عجزت عن العدو فداره وامزح له إن المزاح وفاق
فالماء بالنار الذي هو ضدها تعطي النضاج وطبعها الإحراق
عبد الغفار بن عبد الرحمن ، أبو بكر الدينوري
الفقيه السفياني ، وهو آخر من كان يفتي على مذهب سفيان الثوري ببغداد في جامع المنصور ، وكان إليه النظر في الجامع والقيام بأمره . وكانت وفاته في شوال من هذه السنة ، ودفن خلف الجامع ، رحمه الله .
الحاكم النيسابوري
صاحب " المستدرك " محمد بن عبد الله بن محمد [ ص: 561 ] بن حمدويه بن نعيم بن الحكم ، أبو عبد الله الحاكم الضبي الحافظ ، ويعرف بابن البيع ، من أهل نيسابور وكان من أهل العلم والحفظ للحديث ، ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة ، وأول سماعه من سنة ثلاثين وثلاثمائة ، سمع الكثير ، وطوف في الآفاق ، وصنف الكتب الكبار والصغار ، فمن ذلك " المستدرك على الصحيحين " و " علوم الحديث " و " الإكليل " و " تاريخ نيسابور " ، وقد روى عنه مشايخه الدارقطني وابن أبي الفوارس وغيرهما ، وقد كان من أهل العلم والحفظ ، والأمانة ، والديانة ، والصيانة ، والضبط ، والثقة ، والتحرز ، والورع ، رحمه الله ، لكن قال : كان الخطيب البغدادي ابن البيع يميل إلى التشيع ، فحدثني أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأرموي : قال : جمع أحاديث زعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم ، يلزمهما إخراجها في " صحيحيهما " ، فمنها حديث الطير ، و " الحاكم أبو عبد الله فعلي مولاه " ، فأنكر عليه أصحاب الحديث ، ولم يلتفتوا إلى قوله ، ولا صوبوه في فعله . من كنت مولاه
وقال : قال محمد بن طاهر المقدسي : حديث الطير لم يخرج في " الصحيح " ، وهو صحيح . قال الحاكم ابن طاهر : بل موضوع ، لا يروى إلا عن سقاط أهل الكوفة من المجاهيل ، عن أنس ، فإن كان لا يعرف هذا فهو جاهل ، وإلا فهو معاند كذاب . الحاكم
وقال أبو عبد الرحمن السلمي : دخلت على وهو مختف من الحاكم الكرامية ، لا يستطيع أن يخرج منهم ، فقلت له : لو خرجت فأمليت حديثا في [ ص: 562 ] فضائل معاوية لاسترحت مما أنت فيه . فقال : لا يجيء من قلبي ، لا يجيء من قلبي . توفي في صفر من هذه السنة عن أربع وثمانين سنة .
يوسف بن أحمد بن كج ، أبو القاسم القاضي
أحد أئمة الشافعية ، وله وجوه غريبة يحكيها في المذهب ، وكانت له نعمة عظيمة جدا ، وولي القضاء بالدينور لبدر بن حسنويه ، فلما تغيرت البلاد بعد موت بدر وثب عليه جماعة من العيارين فقتلوه ليلة سبع وعشرين من رمضان من هذه السنة ، رحمه الله تعالى .