[ ص: 115 ] ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة
قال في " منتظمه " : في غرة المحرم منها ظهرت في الجو حمرة شديدة من ناحية الشمال والمغرب ، وفيها أعمدة بيض عظيمة كثيرة العدد . ابن الجوزي
وفيها وصل الخبر بأن ركن الدولة أبا علي الحسن بن بويه الديلمي وصل إلى واسط فركب الخليفة وبجكم لقتاله فانصرف راجعا ، ورجعا إلى بغداد .
وفي هذه السنة ملك ركن الدولة بن بويه مدينة أصبهان أخذها من وشمكير أخي مرداويج ; لقلة جيشه في ذلك الحين .
وفي شعبان زادت دجلة زيادة عظيمة ، وانتشرت في الجانب الغربي ، وسقطت دور كثيرة ، وانبثق بثق من نواحي الأنبار فغرق قرى كثيرة ، وهلك بسببه حيوانات وسباع كثيرة في البرية .
وفيها تزوج بجكم بسارة بنت أبي عبد الله البريدي ، وهو محمد بن أحمد بن يعقوب الوزير يومئذ ببغداد ، ثم صرف عن الوزارة بسليمان بن الحسن ، وضمن البريدي بلاد واسط وأعمالها بستمائة ألف دينار .
[ ص: 116 ] وفيها توفي قاضي القضاة أبو الحسين عمر بن محمد بن يوسف ، وتولى مكانه ولده أبو نصر يوسف بن عمر بن محمد بن يوسف ، وخلع عليه الراضي يوم الخميس لخمس بقين من شعبان منها . ولما خرج أبو عبد الله البريدي إلى واسط كتب إلى بجكم يحثه على الخروج إلى بلاد الجبل ; ليفتحها ويساعده هو على أخذ الأهواز من يد ، وإنما كان مقصوده أن يستغيبه عن عماد الدولة بن بويه بغداد ليأخذها ، فلما انفصل بجكم بالجنود بلغه ما يؤمله أبو عبد الله البريدي من المكيدة ، فرجع سريعا إلى بغداد وركب في جيش كثيف إليه ، وأخذ الطرق من كل جانب ; لئلا يشعر به إلا وهو عنده على حافة السفينة ، فاتفق أنه كان راكبا في زورق ، وعنده كاتب له ، إذ سقطت حمامة على جانب السفينة في ذنبها كتاب ، فأخذه بجكم ، فقرأه فإذا فيه كتاب من هذا الكاتب إلى بعض أصحاب البريدي يعلمهم بخبر بجكم ، فقال له : ويحك ! أهذا خطك ؟ قال : نعم ، ولم يقدر على الإنكار ، فأمر بقتله ، فقتل ، وألقي في دجلة ، وحين أحس البريدي بقدوم بجكم هرب إلى البصرة ولم يقم بها أيضا ، فاستولى بجكم على بلاد واسط وتسلط الديلم على جيشه الذين خلفهم بالجبل ، ففروا سراعا إلى بغداد .
وفي هذه السنة محمد بن رائق على بلاد الشام فدخل حمص أولا [ ص: 117 ] فأخذها ، ثم جاء إلى استولى دمشق وعليها بدر بن عبد الله الإخشيدي المعروف ببدير ، من جهة الإخشيد محمد بن طغج ، فأخرجه ابن رائق منها قهرا ، واستولى عليها .
ثم ركب في جيش إلى الرملة فأخذها ، ثم قصد عريش مصر ; ليدخلها ، فلقيه محمد بن طغج ، فاقتتلا هناك ، فهزمه ابن رائق واشتغل أصحابه بالنهب ، ونزلوا في خيام المصريين ، فكر عليهم المصريون ، فقتلوهم قتلا عظيما ، وهرب محمد بن رائق في سبعين رجلا من أصحابه ، فدخل دمشق في أسوأ حالة وشرها ، وسير إليه محمد بن طغج أخاه نصر بن طغج في جيش ، فاقتتلوا عند اللجون في رابع ذي الحجة ، فهزم المصريون وقتل أخو الإخشيد فيمن قتل ، فغسله محمد بن رائق وكفنه ، وبعث به إلى أخيه بمصر ، وأرسل معه ولده ، وكتب إليه يحلف له أنه ما أراد قتله ، وهذا ولدي فاقتد منه . فأكرم الإخشيد ولد محمد بن رائق ، واصطلحا على أن تكون الرملة وما بعدها إلى ديار مصر للإخشيد ، ويحمل إليه الإخشيد في كل سنة مائة ألف دينار وأربعين ألف دينار ، وما بعد الرملة يكون لمحمد بن رائق .