الباب السابع والستون في إليه صلى الله عليه وسلم عدي بن حاتم وفود
روى رضي الله تعالى عنه عن الإمام أحمد عباد بن حبيش ، عن والبيهقي أبي عبيدة بن حذيفة عن رجل ، عن والطبراني ، الشعبي عن والبيهقي ، كلهم عن علي ، عدي بن حاتم عن والبيهقي واللفظ له . قال ابن إسحاق رضي الله تعالى عنه : عدي بن حاتم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنبوة ولا أعلم أحدا من العرب كان أشد كراهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به مني ، أما أنا فكنت أمرأ شريفا وكنت نصرانيا ، وكنت أسير في قومي بالمرباع ، وكنت في نفسي على دين وكنت ملكا في قومي لما كان يصنع بي ، فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته أشد ما كرهت شيئا ، فقلت لغلام كان لي عربي وكان راعيا لإبلي : لا أبا لك أعدد لي من إبلي أجمالا ذللا سمانا فاحتبسها قريبا مني ، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني . ففعل . ثم إنه أتاني ذات غداة فقال : يا عدي ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن ، فإني رأيت رايات فسألت عنها فقالوا : هذه جيوش محمد ، فقلت : قرب إلي أجمالي ، فقربها فاحتملت بأهلي وولدي ، ثم قلت : ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام ، فسلكت الجوشية .
وفي حديث أبي عبيدة رضي الله تعالى عنه : فخرجت إلى أقصى العرب مما يلي الروم ، ثم كرهت مكاني أشد ما كرهت مكاني الأول . وعند قال ابن إسحاق عدي : وخلفت بنتا لحاتم في الحاضر . وفي حديث : جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا عمي وناسا . قال : فلما قدمت الشام أقمت بها وتخالفني خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتصيب ابنة حاتم فيمن أصابت ، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيئ ، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام . قال : فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبس فيها ، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت إليه ، وكانت امرأة جزلة .
وفي حديث رضي الله تعالى عنه : علي طيئ وقفت جارية جماء حمراء ، لعساء ، ذلفاء ، عيطاء ، شماء الأنف ، معتدلة القامة والهامة ، درماء الكعبين ، خدلجة الساقين ، لفاء الفخذين ، حميصة الخصرين ، ضامرة الكشحين ، مصقولة المتنين . قال : فلما رأيتها أعجبت بها وقلت : لأطلبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعلها في فيئي .
فلما تكلمت أنسيت جمالها لما سمعت من فصاحتها .
فقالت : يا محمد إن رأيت أن تخلي عنا ولا تشمت بنا أحياء العرب فإني ابنة سيد قومي ، وإن أبي كان يحمي الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويكسو العاري ويقري الضيف ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط ، أنا ابنة حاتم طيئ . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : [ ص: 377 ]
«يا جارية هذه صفة المؤمنين حقا ، لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق والله يحب مكارم الأخلاق» . وفي حديث لما أتي بسبايا : ابن إسحاق . قال : «الفار من الله ورسوله» . قالت : ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني ، حتى إذا كان من الغد مر بي فقلت له مثل ذلك وقال لي مثل ما قال بالأمس . قالت : حتى إذا كان الغد مر بي وقد يئست منه فأشار إلي رجل من خلفه أن قومي فكلميه . قالت : فقمت إليه فقلت : يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك . فقال صلى الله عليه وسلم : «قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني» . فسألت عن الرجل الذي أشار إلي أن أكلمه فقيل عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه . علي بن أبي طالب
وأقمت حتى قدم ركب من بلي أو قضاعة . قلت : وإنما أريد أن آتي أخي بالشام . قالت : فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ . قالت : فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملني وأعطاني نفقة ، فخرجت معهم حتى قدمت الشام .
قال عدي : فوالله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة تصوب إلي تؤمنا . قال : فقلت : ابنة حاتم قال : فإذا هي هي . قال : فلما وقفت علي انسلحت تقول : القاطع الظالم ، احتملت بأهلك وولدك وتركت بقية والدك عورتك . قال : قلت : أي أخية لا تقولي إلا خيرا فوالله ما لي من عذر ، لقد صنعت ما ذكرت . قال : ثم نزلت فأقامت عندي . فقلت لها ، وكانت امرأة حازمة : ماذا ترين في أمر هذا الرجل ؟ قالت : أرى والله أن تلحق به سريعا ، فإن يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله ، فقد أتاه فلان فأصاب منه وأتاه فلان فأصاب منه ، وإن يكن ملكا فلن تذل في عز اليمن وأنت أنت . قال : قلت : والله إن هذا للرأي . فقالت : يا رسول الله ، هلك الوالد ، وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك . قال : «من وافدك ؟ » قالت :
وفي حديث : قال : الشعبي المدينة فدخلت عليه وهو في مسجده وعنده امرأة وصبيان أو صبي . وذكر قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فعرفت أنه ليس بملك كسرى ولا قيصر ، فسلمت عليه فقال : «من الرجل ؟ » فقلت : . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق بي إلى بيته ، فوالله إنه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته ، فوقف لها طويلا فكلمته في حاجتها فقلت في نفسي : والله ما هذا بملك . عدي بن حاتم
قال : ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفا فقدمها إلي فقال : «اجلس على هذه» . قال : قلت : يا رسول بل أنت فاجلس عليها ، قال : «بل [ ص: 378 ]
أنت» فجلست عليها وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض . فقال : «يا عدي أخبرك ألا إله إلا الله ، فهل من إله إلا الله ؟ وأخبرك أن الله تعالى أكبر ، فهل من شيء هو أكبر من الله عز وجل ؟ » ثم قال : «يا عدي اسلم تسلم» . فقلت : إني على ديني . فقال : «أنا أعلم منك بدينك» . فقلت : أنت أعلم مني بديني ؟ قال : «نعم» يقولها ثلاثا . «ألست ركوسيا ؟ » فقلت : بلى . قال : «ألست ترأس قومك ؟ » قلت : بلى . قال : «أولم تكن تسير في قومك بالمرباع ؟ » قلت : بلى والله ، وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل . قال : «فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك» . ثم قال : «يا عدي لعلك إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين أن رأيت خصاصة من عندنا ، فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ، ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم ، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف» . فلما بلغني ما يدعو إليه من الأخلاق الحسنة وما قد اجتمع إليه من الناس خرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي رواية الحيرة ؟ » قلت : لم أرها وقد علمت مكانها . قال : «فإن الظعينة سترحل من الحيرة تطوف بالبيت في غير جوار لا تخاف أحدا إلا الله عز وجل والذئب على غنمها» . قال : فقلت في نفسي فأين ذعار طيئ الذين سعروا البلاد ؟ قال : «فلعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى الملك والسلطان في غيرهم والله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم» . وفي رواية : قال : «هل رأيت كسرى بن هرمز » .
قلت : كنوز كسرى بن هرمز . قال : «كنوز كسرى بن هرمز » . «لتفتحن عليهم كنوز
وفي رواية : عدي رضي الله تعالى عنه : فأسلمت فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استبشر فقد رأيت الظعينة ترحل من الكوفة حتى تطوف بالبيت لا تخاف إلا الله عز وجل ، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة سترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم . «ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج بملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدا يقبله منه ، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم وينظر عن شماله فلا يرى إلا جهنم ، فاتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا شق تمرة فبكلمة طيبة» . قال
تنبيه : في بيان غريب ما سبق :
عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي [بن أخزم بن أبي أخزم] بن ربيعة بن جرول- بفتح الجيم وسكون الراء- ابن ثعل- بضم الثاء المثلثة وفتح العين المهملة- ابن عمرو بن الغوث بن طيئ الطائي ، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان سنة تسع كما ذكره في حاويه ، شهد مع علي رضي الله تعالى عنه حروبه ، مات [ ص: 379 ] الماوردي
بالكوفة سنة تسع أو ثمان وستين وهو ابن مائة وعشرين أو مائة وثمانين . قال ابن قتيبة رحمه الله تعالى : «ولم يبق له عقب إلا من جهة ابنتيه [ أسدة ] وعمرة ، وإنما عقب حاتم الطائي من ولده عبد الله بن حاتم » .
المرباع : بكسر الميم وسكون الراء : ربع الغنيمة كان سادات الجاهلية يأخذونه .
لا أبا لك : بهمزة فموحدة مفتوحتين ، أكثر ما يستعمل في المدح ، وقد يذكر في معرض الذم والتعجب ، وبمعنى جد في أمرك وشمر لأن من له أب اتكل عليه في بعض شأنه ، وقد تحذف اللام فيقال : أباك .
ذللا : بضم الذال المعجمة واللام جمع ذلول بفتح الذال المعجمة فلامين بينهما واو من الذل بكسر الذال المعجمة : اللين ضد الصعب .
آذني : بمد الهمزة : أعلمني .
ألحق : بفتح الهمزة والحاء المهملة مرفوع ، فعل مضارع .
خلفت : بتشديد اللام .
بنتا لحاتم : اسمها سفانة بفتح السين المهملة وتشديد الفاء وبعد الألف نون مفتوحة فتاء تأنيث .
الحاضر : بالحاء المهملة والضاد المعجمة : الجماعة النزول على الماء .
قدم بها : بضم القاف وكسر الدال المهملة : مبني للمفعول .
فجعلت ابنة حاتم : بالبناء للمفعول .
الحظيرة : بحاء مهملة وظاء معجمة مشالة : شيء يعمل للإبل من شجر ليقيها البرد والحر والريح .
تحبس : بالبناء للمفعول .
جزلة : بفتح الجيم وسكون الزاي : عاقلة .
جماء : بجيم فميم مشددة مفتوحتين : التي لا قرن لها .
حمراء : بحاء مهملة مفتوحة فميم ساكنة فراء : بيضاء .
لعساء : بلام مفتوحة فعين مهملة ساكنة فسين مهملة فهمزة ممدودة : في لونها سواد ومشربة بالحمرة ، ويقال أيضا لمن في شفتها سواد ، وللرجل ألعس .
ذلفاء : بذال معجمة مفتوحة فلام ساكنة ففاء فألف : من الذلف وهو بالتحريك صغر الأنف واستواء الأرنبة وقيل ارتفاع في طرفه مع صغر أرنبته . [ ص: 380 ]
عيطاء : بعين مهملة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فطاء مهملة فهمز ممدود : أي طويلة العنق في اعتدال .
شماء الأنف : بشين معجمة فميم فألف : أي مرتفعة قصبة الأنف مع استواء أعلاها وإشراف الأرنبة قليلا .
درماء الكفين : بدال مهملة مفتوحة فراء ساكنة فميم فألف : لا حجم لعظامها .
خدلجة الساقين : بخاء معجمة فدال مهملة مفتوحتين فلام مشددة مفتوحة فجيم : متدانيتهما من السمن .
لفاء الفخذين : بلام ففاء مشددة مفتوحتين فهمز ممدود : متدانيتهما من السمن .
خميصة الخصرين : بخاء معجمة مفتوحة فميم مكسورة فمثناة تحتية فصاد مهملة فتاء : أي ضامرتهما .
ضامرة الكشحين : بضاد معجمة فألف فميم فراء فتاء تأنيث : أي قليلة لحمهما غير مرهلة .
مصقولة المتنين : بميم فصاد مهملة فقاف فواو فلام أي مضمرتهما .
الدمار : بدال مهملة فميم مفتوحتين فألف فراء : الهلاك .
عاب الوافد : بالواو والفاء ، قال في العيون : وقال بعض الناس لا معنى له إلا على وجه بعيد ، ووجدت الوقار بفتح الواو وبالقاف ، وهو ذكره في كتابه بالراء وهو أشبه .
الفار : بتشديد الراء .
وأشار إلي رجل من خلفه : هو رضي الله تعالى عنه . علي بن أبي طالب
من بلي : بوزن علي .
الرهط : ما دون العشرة من الرجال .
الظعينة : بفتح الظاء المعجمة المشالة وكسر العين المهملة المرأة ، والراحلة التي يرحل عليها ويظعن أي يسار .
تؤمنا : أي تقصدنا .
ابنة حاتم : بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هذه ابنة حاتم .
انسحلت : تقول إن كانت هذه اللفظة بالجيم فيقال أسجلت الكلام أي أرسلته ، وإن [ ص: 381 ] كانت بالحاء المهملة يقال انسحل الخطيب بالكلام إذا جرى به وركب مسحله إذا مضى في خطبته ، قاله في الصحاح . وقال في الإملاء قال في النور : ينبغي أن يحرر هذه اللفظة ، والظاهر أنها بالجيم يقال سجلت الماء فانسجل أي صببته فانصب ويحتمل أن يكون من أسجلت الكلام إذا أرسلته . أبو ذر
الركوسي : بفتح الراء وضم الكاف وتشديد التحتية نسبة إلى فرقة من النصارى والصابئين .
ترأس : بفتح المثناة الفوقية وسكون الراء وهمزة فسين مهملة أي تصير رئيسا .
خصاصة : بخاء معجمة وصادين مهملتين بينهما ألف : أي حاجة وفقر ، وأصل الخصاس الخلل والفرج ومنه خصاص الأصابع وهي الفرج بينها .
القاطع الظالم : بالرفع أي أنت القاطع أنت الظالم .
عورتك : بالنصب بدل من «بقية» ، وهو منصوب على أنه مفعول : « تركت» ، والعورة كل ما يستحى منه . وقول سفانة أخته : «فإن لم يكن نبيا» ، قالته على سبيل العرض والتنزل لتحرضه على مجيئه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنها قد أسلمت ، ثم أطلقت .
إيه إيه : اسم سمي به تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل : إيه بكسر الهاء . قال ابن السكيت فإن وصلت نونت فقلت : إيه حدثنا . قال الزجاج رحمه الله : إذا قلت إيه يا رجل فإنما تأمره أن يزيدك من الحديث المعهود بينكما كأنك قلت : هات الحديث ، وإن قلت إيه كأنك قلت هات حديثا إما لأن التنوين تنكير ، قال في النور : والظاهر أن إيه في هذا المكان بالتنوين . قلت وكذلك هو في نسخ السيرة .
أجل : كنعم وزنا ومعنى .
لم يجهل : بالبناء للمفعول .
القادسية : بالقاف وبعد الألف دال فسين مكسورتين مهملتين فتحتية مشددة فتاء تأنيث : بينها وبين الكوفة نحو مرحلتين .
الحيرة : بكسر الحاء المهملة : البلد القديم بظهر الكوفة ومحلة معروفة بنيسابور .
ذعار : بذال معجمة مضمومة فعين مهملة فألف فراء : الذين يفزعونهم .
سعروا : بفتح السين والعين والمهملتين : أوقدوا .
بابل : بموحدتين الثانية مكسورة .
فتحت : بالبناء للمفعول وكذلك ما بعده [لتفتحن] . [ ص: 382 ]