قال الحافظ عماد الدين بن كثير رحمه الله تعالى: الظاهر أن حليمة لم تدرك البعثة.
قال الحافظ في شرح الدرر: وهو غير فقد روى مسلم، أبو يعلى والطبراني عن وابن حبان، عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما قال: حدثتني حليمة . وعبد الله إنما ولد بعد البعثة بمدة، بل لم يتهيأ له السماع من حليمة إلا بعد الهجرة بسبع سنين أو أكثر، لأنه قدم من الحبشة مع أبيه وهو صغير ليلة الغزوة في خيبر سنة سبع، وحليمة إنما قدمت في هذه المدة أو بعدها بسنة في الجعرانة.
ومستند ابن كثير كثير الاختلاف على في حديث حدثه عبد الله، فمنهم من قال: ابن إسحاق عبد الله بن جعفر، عن حليمة . ومنهم من قال: عن عبد الله بن جعفر حدثتني حليمة .
قلت: ليس هذا مستنده إنما مستنده قول من قال: عن عبد الله بن جعفر حدثت عن حليمة. والله تعالى أعلم.
قال الحافظ: فرأى ابن كثير أن هذه علة تمنع من الجزم بإدراك عبد الله بن جعفر لها، وليست هذه في التحقيق علة، فإن الشواهد التي تدل على إدراك عبد الله بن جعفر لها كثيرة وأسانيدها جيدة.
وروى ابن سعد بسند رجاله رجال الصحيح، عن محمد بن المنكدر - مرسلا- قال: استأذنت امرأة على النبي صلى الله عليه وسلم. قد كانت ترضعه فلما دخلت عليه قال: أمي أمي! وعمد إلى ردائه فبسطه لها فقعدت عليه
انتهى.
قلت: ويجاب عن رواية: «حدثت عن حليمة » أنه سمع منها بعض القصة وبعضها عمن سمع منها أو أنه سمع ممن روى عنها. ثم سمع منها. والله تعالى أعلم.
وقد ألف الحافظ مغلطاي رحمه الله تعالى جزءا في إيمانها وهذه خلاصته مع زيادة:
روى في الأدب البخاري وأبو داود والطبراني في صحيحه عن وابن حبان رضي الله تعالى عنه قال: أبي الطفيل . رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لحما بالجعرانة- وأنا يومئذ غلام أحمل عظم الجزور- إذ أقبلت امرأة حتى دنت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه فجلست عليه فقلت: من هذه؟ قالوا هذه أمه صلى الله عليه وسلم التي أرضعته
وقول الذهبي : يجوز أن تكون هذه ثويبة مردود بما ثبت أنها توفيت سنة سبع من الهجرة. [ ص: 383 ]
ثم ذكر الحافظ مغلطاي حديث الرضاع ثم قال: فإن قيل: ما وجه الاستدلال من هذين الحديثين؟ قلنا: من وجوه: الأول: دفع شبهة من زعم أن القادمة في حنين أخته صلى الله عليه وسلم لأنه يستبعد أن تكون عمرت إلى ذلك الحين تخرصا من غير يقين، لأن رواية هذين الصحابيين عنها مشافهة مع صغرهما يقرب ذلك الاستبعاد.
قلت: قال الحافظ بعد أن أورد عدة آثار في مجيء أمه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة إليه ثم قال:
ففي تعدد الطرق ما يقتضي أن لها أصلا أصيلا، وفي اتفاق الطرق على أنها أمه رد على من زعم أن التي قدمت عليه أخته، وزاعم ذلك هو الحافظ الدمياطي رحمه الله تعالى والله تعالى أعلم.
وقد ذكرها في الصحابة جماعة. قال أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة في تاريخه: ذكر ما انتهى إلينا من سند النساء اللاتي روين عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: باب الحاء: حليمة بنت أبي ذؤيب وقال الحافظ أبو محمد المنذري في مختصر سنن : أبي داود حليمة أمه صلى الله عليه وسلم أسلمت وجاءت إليه وروت عنه عليه الصلاة والسلام.
قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله تعالى في الحدائق: قدمت حليمة ابنة الحارث على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما تزوج فشكت إليه جدب البلاد فكلم خديجة فأعطتها أربعين شاة وبعيرا، ثم قدمت عليه بعد النبوة فأسلمت وبايعت وأسلم زوجها خديجة الحارث.
وقال القاضي أبو الفضل عياض رحمه الله تعالى: لما وردت حليمة السعدية على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسط لها رداءه وقضى حاجتها فلما توفي قدمت على فصنع لها مثل ذلك. أبي بكر
قلت: هذا كلام القاضي في الشفاء وروى ابن سعد عن عمر بن سعد مرسلا قال:
ففعل ذلك، ثم جاءت أبا بكر ففعل ذلك عمر والله تعالى أعلم. جاءت ظئر النبي صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه وقضى حاجتها ثم جاءت
الوجه الثاني: أن لفظ الأم لا ينطلق عرفا ولغة إلا على الأم الحقيقية، ولم نر من يسمي الأخت أما، على أنه قد جاء ما يدفع هذا لو قيل به.
وروى بسند صحيح عن أبو داود عمرو بن السائب رحمه الله تعالى أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست إليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجلسه بين يديه.
وذكر عن أبو عمر رحمه الله تعالى عن زيد بن أسلم قال: عطاء بن يسار جاءت حليمة [ ص: 384 ]
ابنة عبد الله أم النبي صلى الله عليه وسلم، فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم، وبسط لها رداءه فجلست عليه. وهو مرسل جيد الإسناد.
الوجه الثالث: ليس لقائل أن يقول: سلمنا أن القادمة أمه صلى الله عليه وسلم، فما الدليل على إسلامها حينئذ؟ ولعل الدليل من قول من قال أسلمت وبايعت وقول من قال: روت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروي عنها.
قال الحافظ مغلطاي رحمه الله تعالى: ورأيت ليلة الأحد ثاني وعشرين شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة في المنامعيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام وسألته عنها فقال مجيبا: رضي الله تعالى عنها. ثم قال الحافظ مغلطاي : أنشدنا الإمام العالم العلامة أبو الحسن علي بن جابر الهاشمي رحمه الله تعالى لنفسه:
أما حليمة مرضع المختار فبه غدت تزهى على الأخيار في جنة الفردوس دار مقامها
أكرم بها يا صاحبي من دار
أضحت حليمة تزدهي بمفاخر ما نالها في عصرها اثنان
منها الكفالة والرضاع وصحبة والغاية القصوى رضا الرحمن
وذكره في رواية ابن إسحاق فقال: حدثني والدي يونس بن بكير إسحاق بن يسار عن رجال من بني سعد بن بكر قالوا: قدم الحارث بن عبد العزى أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقالت له قريش، حين نزل عليه: ألا تسمع يا حارث ما يقول ابنك هذا؟
قال ما يقول: قالوا يزعم أن الناس يبعثون بعد الموت وأن لله دارا من نار يعذب فيها من عصاه ودارا يكرم فيها من أطاعه، شتت أمرنا وفرق جماعتنا. فأتاه فقال: أي بني ما لك ولقومك يشانئونك ويزعمون أنك تقول إن الناس يبعثون بعد الموت ثم يصيرون إلى جنة ونار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أزعم ذلك، ولو قد كان ذلك اليوم يا أبت لقد أخذت بيدك حتى [ ص: 385 ] أعرفك حديثك اليوم .
فأسلم الحارث بعد ذلك فحسن إسلامه وكان يقول حين أسلم: لو قد أخذ ابني بيدي فعرفني ما قال لم يرسلني إن شاء الله تعالى حتى يدخلني الجنة.
قال رحمه الله تعالى: وبلغني أن ابن إسحاق الحارث إنما أسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. [ ص: 386 ]