الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
القضاء والكفارة والفدية وإمساك بقية النهار تشبيها بالصائمين .
أما القضاء فوجوبه عام على كل مسلم مكلف ترك الصوم بعذر أو بغير عذر nindex.php?page=treesubj&link=655فالحائض تقضي وكذا المرتد وأما الكافر والصبي والمجنون فلا قضاء عليهم
ولنعد إلى شرح كلام المصنف قال -رحمه الله تعالى- (وأما لوازم الإفطار) وموجباته (فأربعة القضاء والكفارة والفدية وإمساك بقية النهار تشبيها بالصائمين أما القضاء فوجوبه عام على كل مسلم) خرج به الكافر (مكلف) خرج به الصبي والمجنون (ترك الصوم) من رمضان (بعذر أو بغير عذر) فإذا وجب على المعذور فغيره أولى وسبب الوجوب تحصيل المصلحة الفائتة إذ في صوم هذا اليوم مصلحة لأنه مأمور به والحكيم لا يأمر إلا بما فيه مصلحة وقد فوته فيقضيه لتحصيلها nindex.php?page=treesubj&link=655 (فالحائض تقضي ) ما فاتها من (الصوم) دون الصلاة والنفساء في ذلك كالحائض وفي عبارة أصحابنا وتقضيانه دون الصلاة وقد تقدمت المسألة في كتاب الصلاة (وكذا المرتد) nindex.php?page=treesubj&link=2340يجب عليه قضاء ما فات بالردة إذا عاد إلى الإسلام لأنه التزم الوجوب بالإسلام وقدر على الأداء فهو كالمحدث يجب عليه أن يتطهر ويصلي وكذا يجب على السكران قضاء ما فات به وفي المرتد خلاف لأبي حنيفة (أما الكافر والصبي والمجنون) فلا يجب الصوم عليهم (فلا قضاء عليهم) .
والمراد بالكافر الكافر الأصلي فما فاته بسبب الكفر لا يجب عليه قضاؤه قال الله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ولما في وجوبه من التنفير من الإسلام وأما الصبي والمجنون فلارتفاع القلم عنهما ولو ارتد ثم جن أو سكر ثم جن فالأصح في المجموع في الأولى قضاء الجميع وفي الثانية أيام السكر لأن حكم الردة مستمر بخلاف السكر قال nindex.php?page=showalam&ids=14345الرافعي : nindex.php?page=treesubj&link=2527وما فات بالإغماء يجب قضاؤه سواء استغرق جميع الشهر أو لم يستغرق لأنه نوع مرض يغشى العقل بخلاف الجنون ويخالف الصلاة حيث يسقط الإغماء قضاءها لأن الصلاة تتكرر والإغماء قد يمتد وقد يتكرر فوجوب القضاء يجر عسرا وحرجا ولا فرق في إسقاط الجنون القضاء بين أن يستغرق النهار أو لا يستغرقه ولا بين أن يستغرق الشهر أو لا يستغرقه وقال مالك : الجنون لا يسقط القضاء كالإغماء وهو إحدى الروايتين عن [ ص: 218 ] nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وفيما علق عن الشيخ أبي محمد حكاية قول في المذهب مثله وحكى المحاملي وآخرون عن nindex.php?page=showalam&ids=13216ابن سريج مثل ذلك وهو ينافي ما نقل عنه في الإغماء ويشبه أن يكون أحدهما غلطا وهذا أقرب إليه لأن كل من نقله ضعفه وعند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=treesubj&link=2376_2527إذا أفاق المجنون في أثناء الشهر فعليه قضاء ما مضى من الشهر وذكر المحاملي أن المزني نقل في المنثور عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مثله وحكي عن nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر مثل قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وعبارة أصحابنا ويقضي بإغماء سوى يوم حدث في ليلته الإغماء لوجود الصوم فيه إذ الظاهر أنه ينوي من الليل حملا لحال المسلم على الصلاح فلو أغمي عليه رمضان كله قضاه كله إلا أول يوم منه أو في شعبان قضاه كله لعدم النية وبجنون غير ممتد أي : غير مستوعب لشهر رمضان لأن في الممتد المستوعب حرجا وهو مدفوع ثم لا فرق بين الجنون الأصلي والعارض وعن محمد أنه فرق بينهما بالصبا واختاره بعض المتأخرين واعلم أن nindex.php?page=treesubj&link=30504الأعذار أربعة أقسام :
- ما لا يمتد غالبا كالنوم فلا يسقط به شيء من العبادات لعدم الحرج ولهذا لم يجب عليه .
- وما يمتد خلقة كالصبا فيسقط به جميع العبادات لدفع الحرج عنه .
- وما يمتد وقت الصلاة لا وقت الصوم غالبا كالإغماء فإن امتد في الصلاة بأن زاد على يوم وليلة جعل عذرا دفعا للحرج لكونه غالبا ولم يجعل عذرا في الصوم لأن امتداده شهرا فلم يكن في إيحائه حرج والدليل على أنه لا يمتد طويلا أنه لا يأكل ولا يشرب ولو امتد طويلا لهلك وبقاء حياته بدونهما نادر ولا حرج في النوادر .
- وما يمتد وقت الصلاة والصوم وقد لا يمتد وهو الجنون فإن امتد فيهما أسقطهما وإلا فلا والله أعلم .
(فصل)
وفي كتاب الشريعة : اتفقوا على nindex.php?page=treesubj&link=2527وجوب القضاء على المغمى عليه واختلفوا في nindex.php?page=treesubj&link=2351كون الإغماء والجنون مفسدا للصوم فمن قائل أنه مفسد ومن قائل أنه غير مفسد وفرق قوم بين أن يكون أغمي عليه قبل الفجر أو بعده وقال قوم إن أغمي عليه بعدما مضى أكثر النهار أجزأه أو قليله قضى .
الاعتبار الإغماء حالة الفناء والجنون حالة الوله وكل واحد من أهل هذا الوصف ليس بمكلف فلا قضاء عليه على أن القضاء عندنا لا يتصور في الطريق فإن كل زمان له وارد يخصه فما ثم زمان يكون فيه حكم الزمان الذي مضى فما مضى من الزمان مضى بحاله وما نحن فيه فنحن تحت سلطانه وما لم يأت فلا حكم له فينا فإن قالوا قد يكون من حكم الزمان الحالي الذي هو الآن قضاها كان لنا أداؤه في الزمان الأول قلنا له فهو مؤد إذا إذ هو زمان أداء ما سميته قضاء فإن أردت به هذا فمسلم في الطريق فأنت سميته قاضيا وزمان الحال ما عنده خبر لا بما مضى ولا بما يأتي فإنه موجود بين طرفي عدم فلا علم له بالماضي ولا بما جاء ولا بما فات صاحبه منه وقد يشبه ما يأتي به زمان الحال ما أتى به زمان الماضي في الصورة لا في الحقيقة كما تشبه صلاة العصر في زمان الحال الوجودي صلاة الظهر التي كانت في الزمان الماضي في أحوالها كلها حتى كأنها هي ومعلوم أن حكم العصر ما هو حكم الظهر والله أعلم .