باب في العفو عن القاذف، ومن قذف غائبا أو ميتا ومن يقوم بحق الميت في ذلك من الأولياء
اختلف قول في مالك ورآه مرة حقا لله سبحانه، فلا يجوز له أن يعفو عنه لا قبل الإمام ولا بعده، إلا أن يعلم أنه أراد سترا، وقال أيضا: يجوز عفوه قبل ولا يجوز بعد إلا أن يعلم أنه أراد سترا ، وهذا راجع إلى القول أنه حق لله سبحانه، فيحمل عليه إذا عفا قبل على أنه أراد سترا، ولا يجوز له ذلك بعد; لأن الغالب في من كان ذلك فيه أنه لا يرفع إلى الإمام، خوف أن يثبت عليه ما رمي به. حد القذف هل هو حق لله، أو حق للمقذوف؟ فجعله مرة حقا للمقذوف ; فيجوز له أن يعفو عنه قبل بلوغ الإمام وبعده؟
ولم يختلف أن عفوه جائز إذا أراد سترا، وهذا يحسن فيمن لم يعرف بذلك وكان ذلك منه فلتة، وإن كان المقذوف على غير ذلك- لم يؤمر بالستر عليه.
ومن المدونة قال في قوم شهدوا على رجل أنه قذف فلانا، وفلان يكذبهم ويقول: لم يقذفني، قال: لا يلتفت إلى شهادتهم، وإن قام بهم ثم كذبهم- لم ينظر إلى قوله ، وهذا راجع إلى القول أنه حق لله تعالى، فيحمل [ ص: 6246 ] عليه إذا كذبهم أنه أراد سترا، وإذا قام بهم لم يحمل على ذلك. ابن القاسم
وقال في مدونته فيمن أشهب قال: لأن ذلك حد من حدود الله تعالى . عفا عن قاذفه، ثم أتى بعد زمان فأراد أن يحده أن ذلك له،
قلت: وقول -أن ذلك حق للمقذوف- أحسن، وليس تعدي القاذف في قذفه بأعظم من تعديه على قتله، ولا خلاف أن له أن يعفو عن قاتله، ولأن القذف مبني على حرمة المقذوف، ويفترق الجواب فيه إذا كان حرا أو عبدا، فدل ذلك على أنه حق لآدمي، ولم يختلف المذهب أن عفو الابن عن أبيه جائز وإن بلغ الإمام، ولو كان حقا لله تعالى لم يجز عفوه إذا كان الابن المقذوف. مالك
وقال ابن القاسم لو قذفه جده لأبيه لجاز عفوه وإن بلغ الإمام، وإن كان قذف أمه لم يجز . وإن قام الأب بقذف ابنه بعد موته لم يجز عفوه، بخلاف حياته. وأشهب:
وكل هذا اضطراب وترجح في الأصل; لأنه لم يجره على أنه حق للمقذوف، فيجوز العفو في جميع ذلك، أو حق لله فيمنع العفو في الجميع.
وأرى العفو عن من عرض بالزنى جائزا، للاختلاف في ذلك هل يقام به الحد قبل العفو أم لا؟