باب: وفي الحكم بين الأقارب هل يوقف القاضي الحكم فيما أشكل الأمر فيه، أو يدعو إلى الصلح؟
ويبتدئ القاضي في النازلة بما ورد فيها، من نص القرآن أو السنة أو الإجماع، فإن لم يجد اجتهد رأيه على ما يرى أنه أصل لتلك النازلة، من القرآن أو السنة أو الإجماع، فإن لم يتبين له ذلك وأشكل عليه الحكم، وقف ولم يحكم بإسقاط ولا وجوب، وحسن أن يدعوهما إلى الصلح.
قال -في كتاب ابنه إذا كانت شبهة وأشكل الأمر-: فلا بأس أن يأمرهما بالصلح. وقال سحنون -في كتاب مالك محمد في بعض المسائل-: لو اصطلحا.
واختلف وأن يقلده أحسن; لأنه يصير فيها كالعامي المقلد، بعد أن يسأل الآخر عن الأدلة التي تبين له بها ذلك القول، فإن أشكل عنده الأمر بعد ذلك جاز له أن يقلده، وإن تبين له أن ذلك لا يوجب ترجيحا لم يقلده، والإشكال يتصور من ثلاثة أوجه: [ ص: 5336 ] إذا كان القاضي من أهل الاجتهاد؟ وأشكل عليه الحكم في نازلة، هل يقلد غيره ممن هو من أهل الاجتهاد؟
أحدها: ألا يعلم لتلك النازلة أصلا في كتاب ولا سنة ولا غير ذلك.
والثاني: أن يشك هل هي من أصل كذا أم لا؟
والثالث: أن يجد لها أصلين ولا يترجح أحدهما.
ويختلف في هذا القسم هل يكون حكمه حكم الوقف أو يكون بالخيار فيحكم بأيهما شاء، قياسا على الحديثين يتعارضان ويعدم التواريخ؟ فقيل: الحكم الوقف. وقيل: المفتي بالخيار يفتي بأيهما شاء، وقيل: غير ذلك، والوقف في جميع ذلك أحسن، ولا يدعو إلى الصلح إن تبين الحق لأحدهما، إلا أن يرى لذلك وجها، وأنه متى ما أوقع الحكم، تفاقم ما بين المتنازعين، وعظم الأمر وخشيت الفتنة، ويندب أهل الفضل والصلاح إلى ترك الخصومات.
وتخاصم إلى رجلان من أصحابه صالحان فأقامهما، وقال: استرا على أنفسكما ولا تطلعاني على أمركما. سحنون
وروي عن -رضي الله عنه- أنه قال: "ردوا الحكم بين ذوي الأرحام حتى يصطلحا، فإن عمر بن الخطاب وهذا بين الأقارب حسن وإن تبين الحق لأحدهما أو لهما. [ ص: 5337 ] فصل القضاء يورث الضغائن".