فصل [التنازع في الدعوى وحال القاضي مع الخصمين]
وإذا أنكر المدعى عليه ثم تنازعا الكلام، فكان من لفظ أحدهما ما تتعلق به منفعة للآخر وأغفل منفعته فيه، فإن على القاضي أن يبين ذلك ويقول للآخر: يلزمك على قوله كذا وكذا، ولا يقول لمن له فيه منفعة: قل له كذا [ ص: 5333 ] وكذا; لأن تقويل أحد الخصمين يوهن الآخر، وليس كقوله: قد قلت كذا فيلزمك عليه كذا، ولا حجة لك في قولك كذا لوجه كذا وكذا.
وقال للقاضي أن يشد على عضد أحدهما، إذا رأى منه ضعفا عن صاحبه وخوفا منه؛ ليسقط له أمله في الإنصاف ورجاءه في العدل، ويلقنه حجة عمي عنها، وإنما يمنع تلقين أحدهما الفجور. أشهب:
وإذا تقررت الدعاوى وتوجه الحكم ولم يبق للآخر حجة أنفده، وإن قال: بقيت لي حجة لم يعجل بالقضاء، قال محمد: فإن كان في طريق اللدد ضرب له أجلا ليس بالبعيد ثم يحكم عليه، وقال -فيمن قامت عليه بينة في دار في يديه، فسئل عن حجته فذكر حجة قوية-: فإنه يضرب له أجل، الشهران والثلاثة.
ومن حق الطالب إذا توجه له الحق أن يكتب له قضيته بما ثبت له، ويذكر الوجه الذي كان عنه الثبت، من بينات أو نكول أو يمين، أو سقوط بينات إن جرحت ; لأنه يخشى أن يقوم عليه بعد ذلك بها.
واختلف في المدعى عليه إذا لم يثبت عليه بتلك الدعوى شيء، هل يكتب له بذلك حكم؟ فقال -فيمن عبد الملك فقال المطلوب للإمام: احكم لي بعجزه عن ذلك؛ لئلا يقوم علي بهم ثانية-: قال: ليس ذلك على القاضي، وقال ادعى دارا أو عبدا، وأقام [ ص: 5334 ] بينة، وعجز عن تزكيتها، على القاضي أن يكتب له ويشهد له بذلك؛ ليكون براءة من تردد الخصوم في ذلك. مطرف:
واختلف أيضا إذا أتى بعد ذلك بمن يزكيها، أو أتى بشاهدين عدلين يشهدان في ذلك الحق، فأصل مالك أنه يقبل. وقال وابن القاسم لا يقبل إلا في ثلاث، العتق والطلاق والنسب. يريد لأن هذه الأشياء يتعلق بها حق لغير من انحصر عنها، فالطلاق والعتق يتعلق بهما حق لله -سبحانه- وفي العتق حق لولاة المعتق ولولاء المعتق، وكذلك النسب يتعلق به حق لمن يلحق نسبه منهم أو قطع، فلم يكن عجز هذا يقطع حق هؤلاء، فمتى وجد أحد منهم حقا جاز القيام به لكل أحد. [ ص: 5335 ] مطرف: