24 - تخيرهم نقادهم كل بارع وليس على قرآنه متأكلا
تخيرهم: اختارهم وارتضاهم، والضميران المنصوبان للبدور والشهب كليهما. والنقاد: جمع ناقد، وهو الذي يميز الجيد من الرديء. والبارع: هو الحاذق المتقن. وتأكل بكذا: إذا جعله سبب أكله، فعلى في البيت بمعنى باء السببية، و(كل): نصب بدل من ضمير تخيرهم.
المعنى: اختار نقاد العلماء من بين القراء هؤلاء البدور السبعة والشهب الأربعة عشر على غيرهم لفضلهم علما وعملا وزهدا في الدنيا، حيث لم يجعلوا قراءتهم تعلما أو تعليما سبب رزقهم، ومورد كسبهم.
25 - فأما الكريم السر في الطيب نافع فذاك الذي اختار المدينة منزلا
26 - وقالون عيسى ثم عثمان ورشهم بصحبته المجد الرفيع تأثلا
المعنى: هذا شروع في بيان الأئمة السبعة ورواتهم واحدا بعد واحد. و(الكريم السر) الشريف الباطن، و(المجد) الشرف، و(التأثل) الارتقاء إلى أعلى الشيء.
الأصل أسود اللون، كان عالما بوجوه القراءات والعربية، وهو إمام دار الهجرة في القراءة بعد ونافع هو ابن عبد الرحمن بن أبي نعيم وكنيته أبو رويم أصفهاني أبي جعفر، وكان إذا تكلم يشم من فيه رائحة المسك، فقيل له: أتتطيب كلما جلست للإقراء، فقال: لا [ ص: 17 ] أمس طيبا، ولكني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يقرأ في في. فمن ذلك الوقت توجد هذه الرائحة، وقد أشار الناظم إلى هذا بقوله: (فأما الكريم السر في الطيب نافع). قرأ على سبعين من التابعين منهم: ولد أبو جعفر يزيد بن القعقاع، سنة سبعين وتوفي نافع بالمدينة سنة تسع وستين ومائة، وراوياه: قالون وورش.
فأما ولقبه شيخه قالون: فهو عيسى بن مينا، ويكنى أبا موسى، نافع لجودة قراءته، فإن بقالون بلغة الرومية جيد، وكان أصم لا يسمع البوق، وإذا قرئ عليه القرآن سمعه. ولد سنة مائة وعشرين ومات قالون بالمدينة سنة مائتين وعشرين.
وأما ولقبه شيخه ورش: فهو أبو سعيد عثمان بن سعيد المصري نافع لشدة بياضه، ولد بورش بمصر سنة عشر ومائة، ثم رحل إلى نافع بالمدينة فقرأ عليه عدة ختمات، ثم رجع إلى مصر، وأقرأ الناس مدة طويلة، ثم توفي بها سنة سبع وتسعين ومائة.
27 - ومكة عبد الله فيها مقامه هو ابن كثير كاثر القوم معتلى
28 - روى أحمد البزي له ومحمد على سند وهو الملقب قنبلا
اللغة: مقامه بضم الميم موضع الإقامة. (كاثر القوم معتلى) أي غالب القوم اعتلاء بعلمه وفضله.
المعنى: الإمام الثاني إمام أهل عبد الله بن كثير بن المطلب القرشي، ويكنى أبا معبد مكة في القراءة، ولد بمكة سنة خمس وأربعين، ولقي بها من الصحابة أبا أيوب الأنصاري، وغيرهما، فهو من التابعين، وأخذ القراءة عرضا عن وأنس بن مالك، عبد الله بن السائب وغيره، وكان فصيحا بليغا مفوها، عليه السكينة والوقار، ومات سنة عشرين ومائة، روى عنه أحمد البزي، بسند. وقنبل
فأما والبزة الشدة، أستاذ ضابط محقق مقرئ البزي: فهو أحمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزة، مكة ومؤذن المسجد الحرام، انتهت إليه مشيخة الإقراء بمكة، ولد سنة سبعين ومائة، وتوفي سنة خمسين ومائتين.
وأما الملقب بقنبل، انتهت إليه مشيخة الإقراء بالحجاز، ولد سنة خمس وتسعين ومائة، ومات سنة إحدى [ ص: 18 ] وتسعين ومائتين، أخذ كل من قنبل: فهو محمد بن عبد الرحمن بن خالد المكي البزي القراءة عن رواة عن وقنبل ابن كثير.
29 - وأما الإمام المازني صريحهم أبو عمرو البصري فوالده العلا
30 - أفاض على يحيى اليزيدي سيبه فأصبح بالعذب الفرات معللا
31 - أبو عمر الدوري وصالحهم أبو شعيب هو السوسي عنه تقبلا
(المازني) نسبة لبني مازن. و(الصريح) الخالص النسب. و(الإفاضة) الإفراغ. و(السيب) العطاء. والمراد به هنا العلم. و(الفرات) العذب وجمع بينهما للتأكيد. و(المعلل) الذي يسقى مرة بعد أخرى.
المعنى: الإمام الثالث ولد سنة ثمان وستين، وقرأ أبو عمرو البصري المازني، بالبصرة والكوفة ومكة والمدينة، وهو أكثر القراء السبعة شيوخا، ومن شيوخه وسمع عبد الله بن كثير، وغيره، وتوفي أنس بن مالك بالكوفة سنة أربع وخمسين ومائة، أفاض سيبه الذي هو العلم على أبو عمرو فأصبح يحيى اليزيدي، يحيى ببركة إفاضة العلم عليه معللا ريان من العلم، أبي عمرو ويحيى هذا هو السند المتوسط بين وراوييه، وهما: أبي عمرو أبو عمر الدوري، وأبو شعيب السوسي.
فأما فهو الدوري: إمام القراء في عصره، وهو أول من جمع القراءات، ولد سنة خمسين ومائة في الدور، وهو موضع قرب حفص بن عمر بن عبد العزيز، وكنيته أبو عمر بغداد، وتوفي سنة ست وأربعين ومائتين.
وأما توفي سنة إحدى وستين ومائتين، وقد قارب التسعين، وأخذ كل من السوسي: فهو صالح بن زياد السوسي الدوري القراءة عن والسوسي عن يحيى اليزيدي أبي عمرو البصري.
32 - وأما دمشق الشام دار ابن عامر فتلك بعبد الله طابت محللا
33 - هشام وعبد الله وهو انتسابه لذكوان بالإسناد عنه تنقلا
(المحلل) المكان الذي يحل فيه.
المعنى: الإمام الرابع انتهت [ ص: 19 ] إليه مشيخة الإقراء عبد الله بن عامر اليحصبي، وكنيته أبو عمران، بالشام، كان إماما كبيرا وتابعيا جليلا، جمع بين الإمامة بالجامع الأموي بدمشق والقضاء ومشيخة الإقراء، ولد سنة إحدى وعشرين من الهجرة، وقيل: سنة ثمان، وتوفي ابن عامر بدمشق سنة ثمان عشرة ومائة، وراوياه: هشام وابن ذكوان بسند.
فأما إمام أهل هشام: فهو هشام بن عمار بن نصير، وكنيته أبو الوليد دمشق وخطيبهم ومقرئهم، ولد سنة ثلاث وخمسين ومائة، وتوفي سنة خمس وأربعين ومائتين.
وأما ابن ذكوان: فهو عبد الله بن أحمد بن بشر بن ذكوان الدمشقي، شيخ الإقراء بالشام، وإمام جامع دمشق، ولد سنة ثلاث وسبعين ومائة، وتوفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين.
وقد نقل هشام وابن ذكوان القراءة عن ولكن بواسطة بينهما وبينه. ابن عامر
34 - وبالكوفة الغراء منهم ثلاثة أذاعوا فقد ضاعت شذا وقرنفلا
35 - فأما أبو بكر وعاصم اسمه فشعبة راويه المبرز أفضلا
36 - وذاك ابن عياش أبو بكر الرضا وحفص وبالإتقان كان مفضلا
(الغراء) البيضاء وصفت الكوفة بذلك لما فيها من كثرة العلماء. (أذاعوا) نشروا العلم بين الناس. (ضاعت): فاحت رائحة العلم بها. و(الشذا): العود أو المسك. و(القرنفل) معروف. (والمبرز): هو الذي فاق أقرانه.
المعنى: أن في الكوفة المشهورة ثلاثة من الأئمة السبعة بثوا علمهم فيها، فتعطر بها ذكرهم، ورفع من شأنها علمهم. فالإمام الأول من الثلاثة: شيخ الإقراء عاصم بن بهدلة أبي النجود بفتح النون الأسدي وكنيته أبو بكر. بالكوفة بعد أبي عبد الرحمن السلمي، جمع بين الفصاحة والإتقان، وكان أحسن الناس صوتا بالقرآن، وكان من التابعين، توفي آخر سنة سبع وعشرين ومائة بالكوفة.
وراوياه: شعبة وحفص.
فأما [ ص: 20 ] ولد سنة خمس وتسعين. شعبة: فهو شعبة بن عياش بن سالم، وكنيته أبو بكر.
وكان إماما كبيرا عالما عاملا حجة من كبار أئمة السنة، وتوفي سنة ثلاث وتسعين ومائة.
وأما حفص: فهو حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي. ولد سنة تسعين.
ويقال: كان حفص أعلم الناس بقراءة توفي سنة ثمانين ومائة. عاصم،
37 - وحمزة ما أزكاه من متورع إماما صبورا للقرآن مرتلا
38 - روى خلف عنه وخلاد الذي رواه سليم متقنا ومحصلا
(ما أزكاه) من الزكاة وهي الطهر. والتورع: الخشية والتقى وترك الشبهات.
المعنى: الإمام الثاني من أئمة الكوفة: ولد سنة ثمانين، وأدرك بعض الصحابة بالسن، فيحتمل أن يكون رأى بعضهم، كان إمام القراء حمزة بن حبيب الزيات، بالكوفة بعد قال عنه عاصم، ما أحسب أن الله يدفع البلاء عن أهل محمد بن فضيل: الكوفة إلا وتوفي سنة ست وخمسين ومائة، وراوياه: بحمزة، خلف وخلاد.
فأما ولد سنة خمسين ومائة، وكان ثقة كبيرا زاهدا عابدا عالما، ومات سنة تسع وعشرين ومائتين خلف: فهو خلف بن هشام البزار البغدادي وكنيته أبو محمد، ببغداد.
وأما خلاد: فهو خلاد بن خالد الشيباني الصيرفي الكوفي، وكنيته أبو عيسى، إمام في القراءة ثقة عارف محقق ضابط، ولد سنة تسع عشرة ومائة، وتوفي سنة عشرين ومائتين.
وقرأ خلف وخلاد على وقرأ سليم بن عيسى الكوفي على سليم حمزة.
39 - وأما علي فالكسائي نعته لما كان في الإحرام فيه تسربلا
40 - روى ليثهم عنه أبو الحارث الرضا وحفص هو الدوري وفي الذكر قد خلا
المعنى: الإمام الثالث من أئمة الكوفة انتهت إليه رئاسة الإقراء علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي وكنيته أبو الحسن، بالكوفة بعد قيل له: لم سميت حمزة، قال: لأنني أحرمت في كساء، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله: (لما كان في الإحرام فيه تسربلا) ، وتوفي سنة تسع وثمانين ومائة بعد أن عاش سبعين سنة، وراوياه: الكسائي؟ الليث والدوري.
[ ص: 21 ] فأما الليث: فهو الليث بن خالد البغدادي. وكنيته أبو الحارث، وهو ثقة حاذق ضابط للقراءة، وتوفي سنة أربعين ومائتين.
وأما وتقدمت ترجمته عند الكلام على الدوري: فهو حفص بن عمر الدوري، لأن أبي عمرو البصري، هذا روى عن الدوري وعن أبي عمرو البصري، ولذلك قال الناظم: (وفي الذكر قد خلا)، أي مضى ذكر ترجمته مع الكسائي، أبي عمرو البصري.
41 - أبو عمرهم واليحصبي ابن عامر صريح وباقيهم أحاط به الولا
(اليحصبي) نسبة إلى يحصب جد أو إلى قبيلة من ابن عامر، اليمن، والصاد تثلث.
المعنى: أن أبا عمرو البصري، نسبهما خالص من الرق، ومن ولادة العجم، فهما من صميم وابن عامر اليحصبي العرب، وباقي الأئمة السبعة أحاط به الولاء وأحدق به، قال الجعبري: أبو عمرو، نسبهما خالص من الرق وولادة العجم، وباقي السبعة شيب نسبهم بولاء الرق، إن ثبت أنه مسهم أو مس أحد آبائهم، وإلا فولادة العجم، وولاء الحلف لا ينافي الصراحة انتهى. وابن عامر
وقال أبو شامة: وغلب على ذرية العجم لفظ الموالي يقال: فلان من العرب، وفلان من الموالي، أي العجم، فهذا الذي ينبغي أن يحمل عليه ما أشار إليه بقوله: أحاط به الولا، يعني ولادة العجم، ولا يستقيم أن يراد به ولاء العتاقة، فإن ذلك لم يتحقق فيهم أنفسهم، ولا في أصول جميعهم، ولا يستقيم أن يراد به ولاء الحلف، فإن العربية لا تنافي ذلك انتهى.
42 - لهم طرق يهدي بها كل طارق ولا طارق يخشى بها متمحلا
(الطرق): جمع طريقة كصحف وصحيفة. (يهدي): بفتح الياء وكسر الدال يستعمل لازما بمعنى يهتدي، ومتعديا بمعنى يرشد غيره. (وكل) طارق: إذا كان يهدي لازما، فالمراد من (الطارق) من يسلك سبيل هذه الطرق، ويريد معرفتها، والوقوف عليها، وإذا كان متعديا فالمراد منه العالم الذي يرشد الناس إليها، ويقفهم على حقيقتها.
والمعنى: أن لهؤلاء القراء ورواتهم مذاهب في الأصول والفرش منسوبة إليهم، قد اتضحت واستنارت يهتدي إلى معرفتها كل من توجه إليها، وسلك سبيل معرفتها، أو يرشد الناس إليها، العالم بها، الواقف على سرها.
وقوله: (ولا طارق يخشى بها [ ص: 22 ] متمحلا): معناه: أن هذه المذاهب لما اتضحت معالمها، وثبتت قواعدها لا يخشى عليها مضلل ولا مدلس، فالمراد بالطارق هنا: المضلل والمدلس من قولهم: طرق يطرق طروقا إذا جاء بليل، والليل محل الآفات. والمتمحل: الماكر، أي لا يخشى على هذه المذاهب من مدلس يمكر بها ويحاول تغييرها والعبث فيها.
43 - وهن اللواتي للمواتي نصبتها مناصب فانصب في نصابك مفضلا
و(هن): ضمير القراءات والروايات، و(اللواتي): جمع اللاتي جمع التي، وجمع الجمع باعتبار كثرة الأنواع. و(المواتي) الموافق، وأصله المؤاتي بالهمز ثم خفف، والجار والمجرور (للمواتي) متعلق بنصبتها، ومعنى (نصبتها): رفعتها أو بينتها وعينتها، (مناصب) أي أعلاما جمع منصب وهو العلم، (فانصب): فاتعب، (في نصابك)، نصاب الشيء أصله. و(مفضلا): بضم الميم وسكون الفاء وكسر الضاد من أفضل إذا صار ذا فضل، أي فعل الأعمال الفاضلة التي يصير بها ذا فضل، فهمزته للصيرورة.
والمعنى: أن هذه القراءات والروايات رفعتها وأبرزتها في هذا النظم للموافق لي على معرفتها حال كونها أعلاما تدل على شرف العالم بها، وآثارا ترشد إلى مذاهب هؤلاء القراء والرواة، فاتعب وشمر عن ساعد الجد في تحصيل نصابك أي العلم الذي يصير أصلا لك تنسب إليه إذا انتسب الناس لآبائهم وقبائلهم حال كونك مفضلا آتيا بفضائل الأعمال التي منها إخلاص النية في تحصيل العلم.
44 - وهأنذا أسعى لعل حروفهم يطوع بها نظم القوافي مسهلا
(ها) حرف تنبيه، و(أنا) ضمير المتكلم مبتدأ، و(ذا): اسم إشارة بدل منه، وجملة (أسعى): خبر المبتدإ. (والحروف): الكلمات التي اختلف القراء في قراءتها، فكل كلمة تقرأ بوجوه متعددة تسمى حرفا، (ويطوع): بمعنى ينقاد وضمنه يسمح فعداه بالباء، (والقوافي): جمع قافية، وهي كلمات أواخر الأبيات، (ومسهلا): حال من النظم.
والمعنى: إني مجتهد في نظم قراءات الأئمة السبعة راجيا من المولى سبحانه وتعالى تيسير ذلك النظم في مبناه ومعناه.