قوله تعالى: ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ظاهره أن "أتبع السيئة الحسنة تمحها" وقد تقدم ذكر الآثار التي فيها أن السيئة تمحى من صحف الملائكة بالحسنة إذا عملت بعدها، قال السيئات تمحى بالحسنات . عطية العوفي : بلغني أنه من بكى على خطيئته محيت عنه، وكتبت له حسنة، وعن ، قال: من ذكر خطيئة عملها، فوجل قلبه منها، فاستغفر الله عز وجل لم يحبسها شيء حتى يمحوها عنه الرحمن . وقال عبد الله بن عمرو : بلغني عن بشر بن الحارث . قال: بكاء النهار يمحو ذنوب العلانية: وبكاء الليل يمحو ذنوب السر، وقد ذكرنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: الفضيل بن عياض الحديث . "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات "
وقال طائفة: لا تمحى الذنوب من صحائف الأعمال بتوبة ولا غيرها، بل لا بد من أن يوقف عليها صاحبها ويقرأها يوم القيامة، واستدلوا بقوله تعالى: ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وفي الاستدلال بهذه الآية نظر، لأنه إنما ذكر فيها حال المجرمين، وهم أهل الجرائم، والذنوب العظيمة، فلا يدخل فيهم المؤمنون التائبون من ذنوبهم، أو المغمورة ذنوبهم بحسناتهم . وأظهر من هذا، الاستدلال بقوله تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) [ ص: 660 ] ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وقد ذكر بعض المفسرين أن هذا القول هو الصحيح عند المحققين . وقد روي هذا القول عن ، الحسن البصري وبلال بن سعد الدمشقي . قال: في العبد يذنب، ثم يتوب، ويستغفر: يغفر له، ولكن لا يمحاه من كتابه دون أن يقفه عليه، ثم يسأله عنه، ثم بكى الحسن بكاء شديدا، وقال: لو لم نبك إلا للحياء من ذلك المقام لكان ينبغي لنا أن نبكي . الحسن
وقال : إن الله يغفر الذنوب، ولكن لا يمحوها من الصحيفة حتى يوقفه عليها يوم القيامة وإن تاب . بلال بن سعد
وقال : يدني الله العبد يوم القيامة، فيضع عليه كنفه، فيستره من الخلائق كلها، ويدفع إليه كتابه في ذلك الستر، فيقول: اقرأ يا ابن أبو هريرة آدم كتابك، فيقرأ، فيمر بالحسنة، فيبيض لها وجهه، ويسر بها قلبه، فيقول الله: أتعرف يا عبدي؟ فيقول: نعم، فيقول: إني قبلتها منك، فيسجد، فيقول: ارفع رأسك وعد في كتابك، فيمر بالسيئة، فيسود لها وجهه، ويوجل منها قلبه، وترتعد منها فرائصه، ويأخذه من الحياء من ربه ما لا يعلمه غيره، فيقول: أتعرف يا عبدي؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول: إني قد غفرتها لك، فيسجد، فلا يرى منه الخلائق إلا السجود حتى ينادي بعضهم بعضا: طوبى لهذا العبد الذي لم يعص الله قط، ولا يدرون ما قد لقي فيما بينه وبين ربه مما قد وقفه عليه .
وقال عن أبو عثمان النهدي : يعطى الرجل صحيفته يوم القيامة . فيقرأ أعلاها، فإذا سيئاته، فإذا كاد يسوء ظنه، نظر في أسفلها، فإذا [ ص: 661 ] حسناته، ثم نظر إلى أعلاها فإذا هي قد بدلت حسنات . وروي عن سلمان أبي عثمان ، عن ، وعن ابن مسعود أبي عثمان من قوله وهو أصح .
وروى بإسناده عن بعض أصحاب ابن أبي حاتم ، قال: يدخل أهل الجنة الجنة على أربعة أصناف: المتقين، ثم الشاكرين، ثم الخائفين، ثم أصحاب اليمين . قيل: لم سموا أصحاب اليمين؟ قال: لأنهم عملوا الحسنات والسيئات، فأعطوا كتبهم بأيمانهم، فقرءوا سيئاتهم حرفا حرفا، قالوا: يا ربنا هذه سيئاتنا فأين حسناتنا؟ فعند ذلك محا الله السيئات، وجعلها حسنات، فعند ذلك قالوا: معاذ بن جبل هاؤم اقرءوا كتابيه فهم أكثر أهل الجنة . وأهل هذا القول قد يحملون أحاديث محو السيئات بالحسنات على محو عقوبتها دون محو كتابتها من الصحف، والله أعلم .