(فصل) ويستدل بقوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية ، على جواز من وجهين : الوضوء بنبيذ التمر
أحدهما قوله تعالى : فاغسلوا وجوهكم وذلك عموم في جميع المائعات ؛ لأنه يسمى غاسلا بها ، إلا ما قام الدليل فيه ، ونبيذ التمر مما قد شمله العموم .
والثاني : قوله تعالى : فلم تجدوا ماء فتيمموا فإنما أباح التيمم عند عدم كل جزء من الماء ؛ لأنه لفظ منكر يتناول كل جزء منه سواء كان مخالطا لغيره أو منفردا بنفسه ، ولا يمتنع أحد أن يقول في نبيذ التمر ماء ، فلما كان كذلك وجب أن لا يجوز التيمم مع وجوده بالظاهر ، ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ به بمكة قبل نزول آية التيمم . وقيل إن نقل من الماء إلى بدل فدل ذلك على أنه بقي فيه حكم الماء الذي فيه ، لا على وجه البدل عن الماء ؛ إذ قد توضأ به في وقت كانت الطهارة مقصورة على الماء دون غيره ؛ وقد تكلمنا في هذه المسألة في مواضع من كتبنا .
وروى يحيى بن كثير عن عن عكرمة قال : ( الوضوء بالنبيذ الذي لا يسكر وضوء لمن لم يجد الماء ) . وقال ابن عباس : ( النبيذ وضوء إذا لم يجد غيره ) . وروى عكرمة عن أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال : ( ركبت مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم البحر ، ففني ماؤهم فتوضئوا بالنبيذ وكرهوا ماء البحر ) . وروى أبي العالية المبارك بن فضالة عن : ( أنه كان لا يرى بأسا بالوضوء بالنبيذ ) فهؤلاء الصحابة والتابعون قد روي عنهم جواز الوضوء بالنبيذ من غير خلاف ظهر من أحد من نظائرهم عليهم . أنس
وروي عن في أبي حنيفة ثلاث روايات : إحداها وهي المشهورة : " أنه يتوضأ به ولا [ ص: 27 ] يتيمم " وهو قول الوضوء بنبيذ التمر ؛ وروي عنه : " أنه يتوضأ به ويتيمم " وهو قول زفر محمد ؛ وروى نوح أن رجع عن الوضوء بالنبيذ وقال : ( يتيمم ولا يتوضأ به ) . وقال أبا حنيفة مالك والثوري وأبو يوسف : ( يتيمم ولا يتوضأ به ) . وروى والشافعي عن الحسن بن زياد : ( أنه يتوضأ به ويتيمم ) وكذلك روي عنه أبي يوسف المعلى . وقال حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي صاحب : ( يتوضأ بنبيذ التمر مع وجود الماء إن شاء ) . الحسن بن صالح
وروى الوضوء بنبيذ التمر عن النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود وأبو أمامة ، روي عن عبد الله من طرق عدة قد بيناها في مواضع .