قوله - عز وجل -: وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ؛ يعني - والله أعلم - أن خير من إنظاره به؛ وهذا يدل على أن التصدق بالدين الذي على المعسر لأن القرض إنما هو دفع المال؛ وتأخير استرجاعه؛ وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: الصدقة أفضل من القرض; "قرض مرتين كصدقة مرة"؛ وروى عن علقمة عبد الله ؛ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وروي عن "السلف يجرى مجرى شطر الصدقة"؛ : "من قوله"؛ وعن عبد الله بن مسعود مثله؛ وعن ابن عباس إبراهيم؛ - في قوله (تعالى): وقتادة وأن تصدقوا خير لكم - قالا: "برأس المال"؛ ولما سمى الله (تعالى) الإبراء من الدين صدقة؛ اقتضى ظاهره جوازه عن الزكاة; لأنه سمى الزكاة صدقة؛ وهي على ذي عسرة؛ فلو خلينا والظاهر؛ كان واجبا جوازه عن سائر أمواله التي فيها الزكاة؛ من عين؛ ودين؛ وغيرهما؛ إلا أن أصحابنا قالوا: إنما أسقط زكاة المبرأ منه؛ دون غيره; لأن الدين إنما هو حق؛ ليس بعين؛ والحقوق لا تجرى مجرى الزكاة؛ مثل سكنى الدار؛ وخدمة العبد؛ ونحوهما؛ وتسميته إياه بالصدقة لا توجب جوازه عن الزكاة في سائر الأحوال؛ ألا ترى أن الله (تعالى) قد سمى البراءة من القصاص صدقة؛ في قوله (تعالى): وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ؛ إلى قوله: فمن تصدق به فهو كفارة له ؟ والمراد به العفو عن القصاص؛ ولا نعلم خلافا بين أهل العلم أن العفو عن القصاص غير مجزئ في الكفارة؛ وقال (تعالى) حاكيا عن إخوة يوسف: وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا ؛ وهم لم يسألوه أن يتصدق عليهم بماله؛ وإنما سألوه أن يبيعهم؛ ولا يمنعهم الكيل; لأنهم كانوا منعوا بديا؛ ألا ترى أنهم [ ص: 205 ] قالوا: فأوف لنا الكيل ؛ وهو ما اشتروه ببضاعتهم؟ فإذا كان وقوع اسم الصدقة عليه لم يوجب جوازه عن الزكاة؛ لم يكن إطلاق اسم الصدقة على الدين علة لجوازه عن الزكاة؛ والله (تعالى) أعلم.