وجاوزنا ببني إسرائيل البحر هو من جاوز المكان إذا تخطاه وخلفه والباء للتعدية، أي: جعلناهم مجاوزين البحر، بأن جعلناه يبسا، وحفظناهم حتى بلغوا الشط، وقرئ (جوزنا) وهو من التجويز المرادف للمجاوزة لا مما هو بمعنى التنفيذ نحو ما وقع في قول الأعشى:
كما جوز السكي في الباب فيتق
وإلا لقيل: وجوزنا بني إسرائيل في البحر، ولخلا النظم الكريم عن الإيذان بانفصالهم عن البحر، وبمقارنة العناية الإلهية لهم عند الجواز، كما هو المشهور في الفرق بين أذهبه وذهب به.
فأتبعهم يقال: تبعته حتى أتبعته إذا كان سبقك فلحقته، أي: أدركهم ولحقهم فرعون وجنوده حتى تراءت الفئتان وكاد يجتمع الجمعان بغيا وعدوا ظلما واعتداء، [ ص: 173 ] أي: باغين وعادين، أو للبغي والعدوان، وقرئ (وعدوا) وذلك أن موسى - عليه السلام - خرج ببني إسرائيل على حين غفلة من فرعون، فلما سمع به تبعهم حتى لحقهم، ووصل إلى الساحل، وهم قد خرجوا من البحر، ومسلكهم باق على حاله يبسا فسلكه بجنوده أجمعين، فلما دخل آخرهم وهم أولهم بالخروج غشيهم من اليم ما غشيهم.
حتى إذا أدركه الغرق أي: لحقه وألجمه قال آمنت أنه أي: بأنه، والضمير للشأن، وقرئ (إنه) على الاستئناف بدلا من (آمنت) وتفسير له لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل لم يقل كما قاله السحرة: ( آمنا برب العالمين رب موسى وهارون ) بل عبر عنه تعالى بالموصول، وجعل صلته إيمان بني إسرائيل به تعالى للإشعار برجوعه عن الاستعصاء وباتباعه لمن كان يستتبعهم؛ طمعا في القبول والانتظام معهم في سلك النجاة.
وأنا من المسلمين أي: الذين أسلموا نفوسهم لله أي: جعلوها سالمة خاصة له تعالى، وأراد بهم إما بني إسرائيل خاصة، وإما الجنس، وهم داخلون فيه دخولا أوليا، والجملة على الأول: عطف على (آمنت) وإيثار الاسمية لادعاء الدوام والاستمرار، وعلى الثاني: يحتمل الحالية أيضا من ضمير المتكلم، أي: آمنت مخلصا لله منتظما في سلك الراسخين فيه، ولقد كرر المعنى الواحد بثلاث عبارات؛ حرصا على القبول المفضي إلى النجاة، وهيهات هيهات بعدما فات ما فات وأتى ما هو آت.
وقوله عز وجل: