( قلت لا يشترط فيها قول كما مر وإنما ( يشترط ) في صحة التوبة منها كالقولية أيضا ( إقلاع ) منها حالا ، وإن كان متلبسا بها ، أو مصرا على معاودتها ( وندم ) من حيث المعصية لا لخوف عقاب لو اطلع عليه أو لغرامة مال أو نحو ذلك وزعم أن هذا لا حاجة له ؛ لأن التوبة عبادة وهي من حيث هي شرطها الإخلاص مردود بأن فيه تسليما للاحتياج إليه ( وعزم أن لا يعود ) إليها ما عاش إن تصور منه وإلا كمجبوب بعد زناه لم يشترط فيه العزم على عدم العود له اتفاقا ، ويشترط أيضا أن لا يغرغر وأن لا تطلع الشمس من مغربها . قيل : وأن يتأهل للعبادة فلا تصح توبة سكران في سكره ، وإن صح إسلامه . ا هـ . و ) المعصية ( غير القولية )
وفرقه بينهما بعيد جدا وإن تخيل له معنى قيل وأن يفارق مكان المعصية ، ثم صرح بما يفهمه الإقلاع للاعتناء به فقال : ( ورد ظلامة آدمي ) يعني الخروج منها [ ص: 243 ] بأي وجه قدر عليه مالا كانت أو عرضا نحو قود وحد قذف ( إن تعلقت به ) سواء تمحضت له أم كان فيها مع ذلك حق مؤكد لله تعالى كزكاة وكذا نحو كفارة وجبت فورا ( والله أعلم ) للخبر الصحيح { } وشمل العمل الصوم وبه صرح حديث من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم ، فإن كان له عمل يؤخذ منه بقدر مظلمته وإلا أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه فمن استثناه فقد وهم ، ثم تحميله للسيئات يظهر من القواعد أنه لا يعاقب إلا على ما سببه معصية ، أما من عليه دين لم يعص به وليس له من العمل ما يفي به فإذا أخذ من سيئات الدائن وحمل عليه لم يعاقب به وعليه ففائدة تحميله له تخفيف ما على الدائن لا غير وبهذا إن صح يظهر أن قوله تعالى { مسلم ولا تزر وازرة وزر أخرى } أي : لا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى محمول على أنها لا تحمله لتعاقب به ، ثم هذا الحديث وحديث { } ظاهر كلام الأئمة حيث اختلفوا في تأويل ذلك وتخصيصه وأبقوا هذا على ظاهره أن حمل السيئات لا يستثنى منه شيء بخلاف الحبس فإن أفلس لزمه الكسب كما مر فإن تعذر على المالك ووارثه سلمه لقاض ثقة فإن تعذر صرفه فيما شاء من المصالح عند انقطاع خبره بنية الغرم له إذا وجده ، فإن أعسر عزم على الأداء إذا أيسر فإن مات قبله انقطع عنه الطلب في الآخرة إن لم يعص بالتزامه . نفس المؤمن مرهونة بدينه حتى يقضى عنه
ويرجى من فضل الله تعالى تعويض المستحق وإذا بلغت الغيبة المغتاب اشترط استحلاله فإن تعذر بموته أو تعسر لغيبته الطويلة استغفر له ولا أثر لتحليل وارث ولا مع جهل المغتاب بما تحلل منه كما في الأذكار وإن لم تبلغه [ ص: 244 ] كفى الندم والاستغفار له وكذا يكفي الندم والإقلاع عن الحسد بأن لا يظهرها ليحد أو يعزر لا أن لا يتحدث بها تفكها أو مجاهرة فإن هذا حرام قطعا وكذا يسن لمن أقر بشيء من ذلك الرجوع عن إقراره به ولا يخالف هذا قولهم يسن لمن ظهر عليه حد أي : لله أن يأتي الإمام ليقيمه عليه لفوات الستر ؛ لأن المراد بالظهور هنا أن يطلع على زناه مثلا من لا يثبت الزنا بشهادته فيسن له ذلك ، أما حد الآدمي أو القود له أو تعزيره فيجب الإقرار به ليستوفى منه ويسن لشاهد الأول الستر ما لم ير المصلحة في الإظهار ومحله إن لم يتعلق بالترك إيجاب حد على الغير وإلا كثلاثة شهدوا بالزنا لزم الرابع الأداء ، وأثم بتركه وليس استيفاء نحو القود مزيلا للمعصية بل لا بد معه من التوبة وبه صرح ويسن للزاني ككل من ارتكب معصية لله الستر على نفسه وحمل الأحاديث في أن الحدود كفارة على ما إذا تاب وجرى البيهقي المصنف على خلافه وجمع الزركشي [ ص: 245 ] بحمل الثاني على ما إذا سلم نفسه طوعا لله تعالى والأول على خلافه والذي يتجه الجمع بحمل إطلاق السقوط على حق الآدمي ، وعدمه على حق الله تعالى فإذا قيد منه ولم يتب عوقب على عدم التوبة ، وتصح توبته من ذنب وإن كان مرتكبا لذنوب أخرى ومما تاب منه ، ثم عاد إليه ومن مات وله دين لم يستوفه ورثته يكون هو المطالب به في الآخرة على الأصح ( فائدة ) .
قيل يستثنى أربعة كفار لا تقبل توبتهم إبليس ، وهاروت ، وماروت ، وعاقر ناقة صالح قال بعضهم لعل المراد أنهم لا يتوبون . ا هـ .
وأقول بل هو على ظاهره في إبليس وليس بصحيح في هاروت وماروت بل الذي دلت عليه قصتهم المسندة خلافا لمن أنكر ذلك أنهم إنما يعذبون في الدنيا فقط ، وأنهم في الآخرة يكونون مع الملائكة بعد ردهم إلى صفاتهم .