. 178 - مسألة : فرض لازم لكل بالغ من الرجال والنساء وكذلك الطيب والسواك . وغسل يوم الجمعة
برهان ذلك ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الفربري ثنا ثنا البخاري - ثنا علي هو ابن المديني حرمي بن عمارة ثنا عن شعبة أبي بكر بن المنكدر حدثني عمرو بن سليم الأنصاري قال : أشهد على قال : أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أبي سعيد الخدري } قال الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستن وأن يمس طيبا عمرو بن سليم : أما الغسل فأشهد أنه [ ص: 256 ] واجب ، وأما الاستنان والطيب فالله أعلم أواجب هو أم لا ، ولكن هكذا في الحديث . وروينا إيجاب الغسل أيضا مسندا من طريق وابنه عمر بن الخطاب وابن عباس كلها في غاية الصحة ، فصار خبرا متواترا يوجب العلم ، وممن قال بوجوب فرض الغسل يوم الجمعة وأبي هريرة بحضرة الصحابة رضي الله عنهم لم يخالفه فيه أحد منهم ، عمر بن الخطاب وأبو هريرة وابن عباس وأبو سعيد الخدري وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعمرو بن سليم وعطاء وكعب . والمسيب بن رافع
أما فإنه قال على المنبر عمر يوم الجمعة - وقد قال لعثمان : ما هو إلا أن سمعت الأذان الأول فتوضأت وخرجت فقال له عثمان : والله لقد علمت ما هو بالوضوء ، والوضوء أيضا { عمر } . وروينا عن وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل أنه قال : لله على كل مسلم أن يغتسل من كل سبعة أيام يوما فيغسل كل شيء منه ويمس طيبا إن كان لأهله ، والغسل يوم الجمعة واجب كغسل الجنابة . أبي هريرة
فأما اللفظ الأول فمن طريق عن عبد الرزاق عن ابن جريج عمرو بن دينار عن عن طاوس واللفظ الثاني عن أبي هريرة عن مالك بن أنس سعيد المقبري عن . وعن أبي هريرة : ما كنت أرى مسلما يدع الغسل يوم الجمعة . وقال سعد بن أبي وقاص في شيء ظن به : لأنا أحمق من الذي لا يغتسل يوم الجمعة . ابن مسعود
قال : لا يحمق من ترك ما ليس فرضا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه : { أبو محمد } والمفلح المضمون له الجنة ليس أحمق . [ ص: 257 ] وعن أفلح إن صدق ، دخل الجنة إن صدق في شيء ظن به : أنا إذن كمن لا يغتسل يوم الجمعة . وعن عمار بن ياسر : { أبي سعيد الخدري } . وعن أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل يوم الجمعة على كل محتلم - وسئل عن الغسل يوم الجمعة فقال : { ابن عمر } . وعن أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب أنه قال : لله على كل حالم أن يغتسل في كل سبعة أيام مرة فيغسل رأسه وجسده ، وهو يوم الجمعة فقال : وأنا أرى أن يتطيب من طيب أهله إن كان لهم . وسئل ابن عباس عن غسل يوم الجمعة فقال : اغتسل . وروينا أمره بالطيب من طريق ابن عباس عن حماد بن سلمة جعفر بن أبي وحشية عن عن مجاهد . وأمره بالغسل عن ابن عباس عن ابن جريج عنه . وروينا من طريق عطاء عن عبد الرزاق أن غسل يوم الجمعة واجب . وروينا من طريق سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة قال : سمعت طاوس يوجب الطيب يوم الجمعة . وروينا من طريق أبا هريرة عن يحيى بن أبي كثير قال : سمعت أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف يقول : ثلاث هن على كل مسلم يوم الجمعة : الغسل والسواك ويمس من طيب إن وجده . أبا سعيد الخدري
قال : ما نعلم أنه يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم إسقاط فرض الغسل يوم الجمعة . وذهب جماعة من المتأخرين إلى أنه ليس بواجب ، واحتجوا بحديث أبو محمد عمر وعثمان الذي ذكرناه وبحديث رويناه من طريق رضي الله عنها { عائشة } [ ص: 258 ] وعنها أيضا { كان الناس يأتون الجمعة من منازلهم ومن العوالي فيأتون في العباء ويصيبهم الغبار فيخرج منهم الريح فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا } ، وبحديث عن كان الناس أهل عمل ولم يكن لهم كفاة ، فكان يكون لهم تفل فقيل لهم لو اغتسلتم يوم الجمعة الحسن { } . وبحديث من طريق أنبأنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يغتسل يوم الجمعة ، ولكن كان أصحابه يغتسلون { ابن عباس } . وبحديث آخر من طريق كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما اغتسل وربما لم يغتسل يوم الجمعة في الغسل يوم الجمعة { ابن عباس } . قال أنه خير لمن اغتسل ، ومن لم يغتسل فليس بواجب ، وسأخبركم كيف بدأ الغسل ، كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون على ظهورهم ، وكان مسجدهم ضيقا مقارب السقف ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار وعرق الناس في الصوف حتى ثارت منهم رياح آذى بذلك بعضهم بعضا ، فلما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الريح قال : أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمس أحدكم طيبا ، أفضل ما يجد من دهنه وطيبه : ثم جاء الله بالخير ، ولبسوا غير الصوف ، وكفوا العمل ، ووسعوا مسجدهم ، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضا من العرق " . وبحديث عن ابن عباس سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم { } . من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل
[ ص: 259 ] ومثله من طريق عنه عليه السلام نصا . وكذلك من طريق أنس الحسن ، ومن طريق عنه عليه السلام ، ومثله نصا عن جابر عبد الرحمن بن سمرة ، ومثله عن وأبي هريرة يزيد بن عبد الله أبي العلاء .
[ ص: 260 ] وهذا كل ما شغبوا به ، وكله لا حجة لهم فيه لأن كل هذه الآثار لا خير فيها ، حاشا حديث عائشة فهما صحيحان ، ولا حجة لهم فيهما على ما سنبين إن شاء الله تعالى . أما حديث وعمر الحسن ويزيد بن عبد الله فمرسلان ، وكم من مرسل للحسن لا يأخذون به ، كمرسله في في الصلاة ، لا يأخذ به المالكيون والشافعيون ، وكمرسله { الوضوء من الضحك الأرض لا تنجس } لا يأخذ به الحنفيون ، وكذلك إن ليزيد بن عبد الله ، ومما يوجب المقت من الله تعالى أن يجعلوا المرسل حجة ، ثم لا يأخذون به ، أو أن لا يروه حجة ثم يحتجون به ، فيقولون ما لا يفعلون { كبر مقتا عند الله } . وأما حديثا فأحدهما من طريق ابن عباس محمد بن معاوية النيسابوري ، وهو معروف بوضع الأحاديث والكذب والثاني من طريق عن عمرو بن أبي عمرو عكرمة وقد روينا من طريق - هذه نفسها - عن عمرو بن أبي عمرو عكرمة عن عن النبي صلى الله عليه وسلم { ابن عباس فاقتلوه واقتلوها معه أتى بهيمة } فإن كان خبر من عمرو حجة فليأخذوا بهذا ، وإن كان ليس بحجة فلا يحل لهم الاحتجاج به في رد السنن الثابتة ، وأما عمرو فضعيف لا نحتج به لنا ، ولا نقبله حجة علينا ، وهذا هو الحق الذي لا يحل خلافه ، ولو احتججنا به في موضع واحد لأخذنا بخبره في كل موضع . فإن قالوا : قد صح عن خلاف ما روى عنه ابن عباس عمرو في قتل البهيمة [ ص: 261 ] ومن أتاها ، قلنا لهم : وقد صح عن خلاف ما روى عنه ابن عباس عمرو في إسقاط غسل الجمعة ولا فرق ، ثم لو صح حديث عمرو هذا لما كان لهم فيه حجة ، بل لكان لنا حجة عليهم ; لأنه ليس فيه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم إلا الأمر بالغسل وإيجابه ، وأما كل ما تعلقوا به من إسقاط وجوب الغسل فليس من كلامه عليه السلام ، وإنما هو من كلام وظنه ، ولا حجة في أحد دونه عليه السلام . ابن عباس
وأما حديث سمرة فإنما هو من طريق الحسن عن سمرة ، ولا يصح للحسن سماع من سمرة إلا حديث العقيقة وحده ، فإن أبوا إلا الاحتجاج به ، قلنا لهم : قد روينا من طريق الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم { قتلناه ومن جدعه جدعناه من قتل عبده } والحنفيون والمالكيون والشافعيون لا يأخذون بهذا ، وروينا أيضا عنه عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : { } وهم لا يأخذون بهذا . ومن الباطل والعار احتجاجهم في الدين برواية ما إذا وافقت تقليدهم ، ومخالفتهم لها بعينها إذا خالفت تقليدهم ، ما نرى دينا يبقى مع هذا لأنه اتباع الهوى في الدين . عهدة الرقيق أربع
وأما حديث فهو من رواية أنس يزيد الرقاشي وهو ضعيف ، صح عن أنه قال : لأن أقطع الطريق وأزني أحب إلي من أن أروي عن شعبة يزيد الرقاشي ، ورب حديث ليزيد الرقاشي تركوه لم يحتجوا فيه إلا بضعفه فقط ، ومن رواية الضحاك بن حمزة ، وهو هالك ، عن ، وهو ساقط ، عن الحجاج بن أرطاة إبراهيم بن مهاجر وهو ضعيف . ثم نظرنا في حديث فوجدناه ساقطا لأنه لم يرو إلا من طرق في أحدها رجل مسكوت عن اسمه لا يعرف من هو ، وفي ثانيهما جابر عن أبو سفيان وهو ضعيف ، جابر ومحمد بن الصلت وهو مجهول ، وفي الثالث منها الحسن عن ولا يصح سماع جابر الحسن من . جابر
وأما حديث فهو من طريق عبد الرحمن بن سمرة سلم بن سليمان أبي هشام البصري وليس بالقوي . وأما حديث فهو من رواية أبي هريرة ، وهو ضعيف جدا أبي بكر الهذلي
[ ص: 262 ] فسقطت هذه الآثار كلها ، ثم لو صحت لم يكن فيها نص ولا دليل على أن غسل الجمعة ليس بواجب ، وإنما فيها أن الوضوء نعم العمل ، وأن الغسل أفضل وهذا لا شك فيه ، وقد قال الله تعالى : { ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم } فهل دل هذا اللفظ على أن الإيمان والتقوى ليس فرضا ؟ حاشا لله من هذا ، ثم لو كان في جميع هذه الأحاديث نص على أن غسل الجمعة ليس فرضا لما كان في ذلك حجة ، لأن ذلك كان يكون موافقا لما كان الأمر عليه قبل قوله عليه السلام { } وهذا القول منه عليه السلام شرع وارد وحكم زائد ناسخ للحالة الأولى بيقين لا شك فيه ، ولا يحل ترك الناسخ بيقين ، والأخذ بالمنسوخ . غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وعلى كل مسلم
وأما حديث رضي الله عنها { عائشة } أو { كانوا عمال أنفسهم ويأتون في العباء والغبار من العوالي فتثور لهم روائح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو تطهرتم ليومكم هذا } . فهو خبر صحيح ، إلا أنه لا حجة لهم فيه أصلا ، لأنه لا يخلو هذا من أن يكون قبل أن يخطب عليه السلام على المنبر فأمر الناس بالغسل يوم الجمعة ، وقبل أن يخبر عليه السلام بأن غسل يوم الجمعة واجب على كل مسلم وكل محتلم ، والطيب والسواك ، وقبل أن يخبر عليه السلام أنه حق لله تعالى على كل مسلم ، أو يكون بعد كل ما ذكرنا ، ولا سبيل إلى قسم ثالث ، فإن كان خبر أولا تغتسلون قبل ما رواه عائشة وابنه عمر بن الخطاب وأبو هريرة وابن عباس وأبو سعيد الخدري وجابر ، فلا يشك ذو حس سليم في أن الحكم للمتأخر ، وإن كان خبر بعد كل ما ذكرنا من إيجاب الغسل يوم الجمعة والسواك والطيب وأنه حق الله تعالى على كل مسلم ، فليس فيه نص ولا دليل على نسخ الإيجاب المتقدم ، ولا على إسقاط حق الله تعالى المنصوص على إثباته ، وإنما هو تبكيت لمن ترك الغسل المأمور به الموجب فقط ، وهذا تأكيد للأمر المتيقن لا إسقاط له ، فقد { عائشة } تنكيلا لهم ، أفيسوغ في عقل أحد أن ذلك نسخ للنهي عن الوصال ؟ وكل ما أخبر عليه السلام أنه واجب على كل مسلم ، وحق الله تعالى على كل محتلم ، فلا يحل تركه ولا القول بأنه منسوخ أو أنه ندب ، إلا بنص جلي بذلك ، مقطوع على أنه وارد بعده ، مبين أنه - ندب أو أنه قد نسخ ، لا بالظنون الكاذبة المتروك لها اليقين . نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال فلم ينتهوا فواصل بهم
[ ص: 263 ] هذا لو صح أن خبر كان بعد الإيجاب للغسل . وهذا لا يصح أبدا ، بل في خبر عائشة دليل بين على أنه كان قبل الإيجاب لأنها ذكرت أن ذلك كان والناس عمال أنفسهم ، وفي ضيق من الحال وقلة من المال ، وهذه صفة أول الهجرة بلا شك ، والراوي لإيجاب الغسل عائشة ، أبو هريرة ، وكلاهما متأخر الإسلام والصحبة . وابن عباس
أما فإسلامه إثر فتح أبو هريرة خيبر ، حيث اتسعت أحوال المسلمين ، وارتفع الجهد والضيق عنهم . وأما فبعد فتح ابن عباس مكة قبل موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعامين ونصف فقط ، فارتفع الإشكال جملة والحمد لله رب العالمين .
وأما حديث فإنهم قالوا : لو كان غسل الجمعة واجبا عند عمر عمر وعثمان ومن حضر من الصحابة رضي الله عنهم لما تركه ولا أقر عثمان وسائر الصحابة عمر على تركه وقالوا : فدل هذا على أنه عندهم غير فرض . عثمان
قال : هذا قول لا ندري كيف استطلقت به ألسنتهم لأنه كله قول بما ليس في الخبر منه شيء لا نص ولا دليل ، بل نصه ودليله بخلاف ما قالوه . أول ذلك أن يقال لهم : من لكم بأن أبو محمد لم يكن اغتسل في صدر يومه ذلك ؟ ومن لكم بأن عثمان لم يأمره بالرجوع للغسل ؟ فإن قالوا : ومن لكم بأن عمر كان اغتسل في صدر يومه ؟ ومن لكم بأن عثمان أمره بالرجوع إلى الغسل قلنا : هبكم أنه لا دليل عندنا بهذا ، ولا دليل عندكم بخلافه . فمن جعل دعواكم في الخبر ، وتكهنكم ما ليس فيه ، وقفوكم ما لا علم لكم به ، أولى من مثل ذلك من غيركم ؟ وإنما الحق في هذا - إذ دعواكم ودعوانا ممكنة - أن يبقى الخبر لا حجة فيه لكم ولا عليكم ، ولا لنا ولا علينا ، هذا ما لا مخلص منه ، فكيف ومعنا الدليل على ما قلناه ؟ . عمر
وأما رضي الله عنه فإن عثمان عبد الله بن يوسف حدثنا قال : ثنا أحمد بن فتح حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج أبو كريب محمد بن العلاء - كلاهما عن وإسحاق بن إبراهيم هو ابن راهويه عن وكيع عن مسعر بن كدام قال : سمعت جامع بن شداد حمران بن أبان قال : [ ص: 264 ] كنت أضع طهوره فما أتى عليه يوم إلا وهو يفيض عليه نطفة . فقد ثبت بأصح إسناد أن لعثمان كان يغتسل كل يوم ، فيوم الجمعة يوم من الأيام بلا شك ، ولو لم يكن هذا الخبر عندنا ، لوجب أن لا يظن بمثله رضي الله عنه خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بل لا يقطع عليه إلا بطاعته ، وإن لم يعين ذلك في خبر ، كما يقطع بأنه صلى الصبح في ذلك اليوم وسائر اللوازم له بلا شك وإن لم يرو لنا ذلك . وأما عثمان رضي الله عنه ومن معه من الصحابة رضي الله عنهم ، فهذا الخبر عنهم حجة لنا ظاهرة بلا شك لأن عمر قطع الخطبة منكرا على عمر أن لم يصل الغسل بالرواح ، فلو لم يكن ذلك فرضا عنده وعندهم لما قطع له الخطبة ، عثمان قد حلف " والله ما هو بالوضوء " فلو لم يكن الغسل عنده فرضا لما كانت - يمينه صادقة والذي حصل من وعمر ومن الصحابة بلا شك فهو إنكار ترك الغسل ، والإعلان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل يوم الجمعة ، ولا يجوز أن نظن بأحد من الصحابة رضي الله عنهم أن يستجيز خلاف أمره عليه السلام ، مع قول الله تعالى : { عمر بن الخطاب فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } فصح ذلك الخبر حجة لنا وإجماعا من الصحابة رضي الله عنهم إذ لم يكن فيهم آخر يقول : ليس ذلك عليه واجبا . لعمر
قال : وبيقين ندري أن أبو محمد قد أجاب عثمان في إنكاره عليه وتعظيمه أمر الغسل بأحد أجوبة لا بد من أحدها : إما أن يقول له قد كنت اغتسلت قبل خروجي إلى السوق ، وإما أن يقول له : بي عذر مانع من الغسل ، أو يقول له : أنسيت وها أنا ذا راجع فأغتسل ، فداره كانت على باب المسجد مشهورة إلى الآن أو يقول له : سأغتسل ، فإن الغسل لليوم لا للصلاة . فهذه أربعة أجوبة كلها موافقة لقولنا . أو يقول له : هذا أمر ندب وليس فرضا ، وهذا الجواب موافق لقول خصومنا . فليت شعري من الذي جعل لهم التعلق بجواب واحد من جملة خمسة أجوبة كلها ممكن ، وكلها ليس في الخبر شيء منها أصلا ؟ دون أن يحاسبوا أنفسهم بالأجوبة الأخر التي هي أدخل في الإمكان من الذي تعلقوا به ، لأنها كلها موافقة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما خاطبه به عمر رضي الله عنه بحضرة الصحابة رضي الله عنهم . والذي تعلقوا هم به تكهن مخالف لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما أجمع عليه الصحابة . ثم لو صح لهم ما يدعونه من الباطل من أن عمر ومن بحضرته رأوا الأمر بالغسل [ ص: 265 ] ندبا ، وهذا لا يصح ، بل الصحيح خلافه بنص الخبر ، فقد أوردنا عن عمر أبي هريرة وسعد وأبي سعيد القطع بإيجاب الغسل يوم الجمعة بعد موت وابن عباس بدهر فصح وجود خلاف ما يدعونه بالدعوى الكاذبة إجماعا ، وإذا وجد التنازع فليس قول بعضهم أولى من قول بعض بل الواجب حينئذ الرد إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته عليه السلام قد جاءت بإيجاب الغسل والسواك والطيب ، إلا أن يدعوا أن عمر أبا هريرة وسعدا وأبا سعيد وابن مسعود خالفوا الإجماع ، فحسبهم بهذا ضلالا . ثم لو صح لهم أن وابن عباس عمر قالا بأن الغسل يوم الجمعة ندب - ومعاذ الله من أن يصح هذا عنهما - فمن أين لهم تعظيم خلاف وعثمان عمر في هذا الباطل المتكهن ؟ ولم يعظموا على أنفسهم خلاف وعثمان عمر بحضرة الصحابة رضي الله عنهم في هذا الخبر نفسه ، في ترك وعثمان الخطبة ، وأخذه في الكلام مع عمر ، ومجاوبة عثمان له بعد شروع عثمان في الخطبة ، وهم لا يجيزون هذا . عمر
وكذلك الخبر الثابت من طريق عن مالك عن أبيه : أن هشام بن عروة قرأ السجدة على المنبر يوم الجمعة فنزل وسجد وسجدوا معه ، ثم قرأها في الجمعة الأخرى فتهيئوا للسجود ، فقال لهم عمر : على رسلكم ، إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء . فقال المالكيون : ليس العمل على هذا ، وقال الحنفيون : السجود واجب . عمر
قال : أفيكون أعجب من هذا أو أدخل في الباطل منه أن يكون كلام أبو محمد مع عمر في الخطبة بما لا يجدونه فيه من إسقاط فرض غسل الجمعة حجة عندهم ، ثم لا يبالون مخالفة عثمان في عمله وقوله بحضرة الصحابة رضي الله عنهم أن عمر ، وفي نزوله عن المنبر للسجود إذا قرأ السجدة ؟ أفيكون في العجب أكثر من هذا ؟ وإن هذا إلا تلاعب أقرب إلى الجد . وكم قصة خالفوا فيها السجود ليس مكتوبا علينا عند قراءة السجدة عمر تقليدا لآراء من لا يضمن له الصواب في كل أقواله ، كقول وعثمان عثمان وعلي وطلحة وغيرهم : أن لا غسل من والزبير ، وكقول الإيلاج إذا لم يكن هنالك إمناء عمر : وابن مسعود فلا يجوز له التيمم ولا الصلاة ، ولو بقي كذلك شهرا ، وكما روي عن من أجنب ولم يجد الماء عمر بالقضاء بأولاد الغارة رقيقا لسيدها ، ومثل هذا كثير جدا . وعثمان
[ ص: 266 ] وقال بعضهم : هذا مما تعظم به البلوى ، فلو كان فرضا لما خفي على العلماء . قلنا نعم ما خفي ، قد عرفه جميع الصحابة رضي الله عنهم وقالوا به . وهؤلاء الحنفيون قد أوجبوا ، وهو أمر تعظم به البلوى ، ولا يعرفه غيرهم ، فلم يروا ذلك حجة على أنفسهم . والمالكيون يوجبون التدلك في الغسل فرضا ، والفور في الوضوء فرضا ، تبطل الطهارة والصلاة بتركه ، وهذا أمر تعظم به البلوى ، ولا يعرف ذلك غيرهم ، فلم يروا ذلك حجة على أنفسهم . والشافعيون يرون الوضوء من كل دم خارج من اللثات أو الجسد أو من القلس ، وهو أمر تعظم به البلوى ، ولا يعرف ذلك غيرهم ، فلم يروا ذلك حجة على أنفسهم ، ثم يرونه حجة إذا خالف أهواءهم وتقليدهم ، ونعوذ بالله من مثل هذا العمل في الدين ومن أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء : إنه واجب على كل مسلم وعلى كل محتلم ، وإنه حق الله تعالى على كل مسلم محتلم . ثم نقول نحن : ليس هو واجبا ولا هو حق الله تعالى . هذا أمر تقشعر منه الجلود ، والحمد لله رب العالمين على عظيم نعمته . الوضوء من مس الدبر ، ومن مس الرجل ابنته وأمه