( 8319 ) فصل : وإذا ; نظرت ، فإن كانت قسمته تلزم [ ص: 150 ] بالقرعة ، ولا تقف على تراضيهما ، فالقول قول المدعى عليه مع يمينه ، ولا تقبل دعوى المدعي إلا ببينة عادلة ، فإن أقام شاهدين عدلين ، نقضت القسمة وأعيدت ، وإن لم تكن بينة ، وطلب يمين شريكه أنه لا فضل معه ، أحلف له . وإنما قدمنا قول المدعى عليه ; لأن الظاهر صحة القسمة ، وأداء الأمانة فيها . وإن كانت مما لا تلزم إلا بالتراضي ، كالذي قسماه بأنفسهما ونحوه ، لم تسمع دعوى من ادعى الغلط . هكذا قال أصحابنا . ادعى أحد المتقاسمين غلطا في القسمة ، وأنه أعطي دون حقه
وهو مذهب ; لأنه قد رضي بذلك ، ورضاه بالزيادة في نصيب شريكه تلزمه والصحيح عندي أن هذه كالتي قبلها ، وأنه متى أقام البينة بالغلط ، نقضت القسمة ; لأن ما ادعاه محتمل ثبت ببينة عادلة ، فأشبه ما لو شهد على نفسه بقبض الثمن أو المسلم فيه ، ثم ادعى غلطا في كيله أو وزنه . وقولهم : إن حقه من الزيادة سقط برضاه . الشافعي
لا يصح ; فإنه إنما يسقط مع علمه ، أما إذا ظن أنه أعطي حقه فرضي بناء على هذا ، ثم بان له الغلط ، فلا يسقط به حقه كالثمن والمسلم فيه ; فإنه لو قبض المسلم فيه بناء على أنه عشرة مكاييل ، راضيا بذلك ثم ثبت أنه ثمانية ، أو ادعى المسلم إليه أنه غلط فأعطاه اثني عشر وثبت ذلك ببينة ، لم يسقط حق واحد منهما بالرضا ، ولا يمنع سماع دعواه وبينته ، ولأن المدعى عليه في مسألتنا لو أقر بالغلط ، لنقضت القسمة ، ولو سقط حق المدعي بالرضى ، لما نقضت القسمة بإقراره ، كما لو وهبه الزائد ، وقد ذكر أصحابنا وغيرهم في من باع دارا على أنها عشرة أذرع ، فبانت تسعة أو أحد عشر ، أن البيع باطل في أحد الوجهين ، وفي الآخر ، تكون الزيادة للبائع ، والنقص عليه .
والبيع إنما يلزم بالتراضي ، فلو كان التراضي يسقط حقه من الزيادة ، لسقط حق البائع من الزيادة ، وحق المشتري من النقص . والله أعلم . ولأن من رضي بشيء بناء على ظن تبين خلافه ، لم يسقط به حقه ، كما لو اقتسما شيئا ، وتراضيا به ، ثم بان نصيب أحدهما مستحقا . فإن قيل : فلم لا تعطي المظلوم حقه في هاتين المسألتين ، ولا تنقص القسمة ، كما لو تبين الغلط في الثمن ، أو المسلم فيه . قلنا : لأن الغلط هاهنا في نفس القسمة ، بتفويت شرط من شروطها ، وهو تعديل السهام ، فتبطل لفوات شرطها ، وفي المسلم والثمن الغلط في القبض دون العقد ، فإن العقد قد تم بشروطه ، فلا يؤثر الغلط في قبض عوضه في صحته ، بخلاف مسألتنا .