( فصل ) :
وأما حكم الشهادة في الدنيا فنقول : إن أحدهما أنه لا يغسل عند عامة العلماء . الشهيد كسائر الموتى في أحكام الدنيا ، وإنما يخالفهم في حكمين :
وقال : يغسل ; لأن الغسل كرامة لبني الحسن البصري آدم ، والشهيد يستحق الكرامة حسبما يستحقه غيره بل أشد فكان الغسل في حقه أوجب ، ولهذا يغسل المرتث ، ومن قتل بحق فكذا الشهيد ; ولأن غسل الميت ، وجب تطهيرا له ألا ترى أنه إنما تجوز الصلاة بعد غسله لا قبله ، والشهيد يصلى عليه فيغسل أيضا تطهيرا له ، وإنما لم تغسل شهداء أحد تخفيفا على الأحياء لكون أكثر الناس كان مجروحا لما أن ذلك اليوم كان يوم بلاء ، وتمحيص فلم يقدروا على غسلهم .
( ولنا ) ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { أحد : زملوهم بكلومهم ، ودمائهم فإنهم يبعثون يوم القيامة ، وأوداجهم تشخب دما اللون لون الدم ، والريح ريح المسك } وفي بعض الروايات { قال : في شهداء } . زملوهم بدمائهم ، ولا تغسلوهم فإنه ما من جريح يجرح في سبيل الله إلا ، وهو يأتي يوم القيامة ، وأوداجه تشخب دما اللون لون الدم ، والريح ريح المسك
وهذه الرواية أعم فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالغسل ، وبين المعنى ، وهو أنهم يبعثون يوم القيامة ، وأوداجهم تشخب دما فلا يزال عنهم الدم بالغسل ليكون شاهدا لهم يوم القيامة ، وبه تبين أن ترك غسل الشهيد من باب الكرامة له ، وأن الشهادة جعلت مانعة عن حلول نجاسة الموت ، كما في شهداء أحد وما ذكر من تعذر الغسل غير سديد لما بينا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يزملوهم بدمائهم ، وبين المعنى ، ولأن الجراحات التي أصابتهم لما لم تكن مانعة لهم من الحفر ، والدفن ، كيف صارت مانعة من الغسل ؟ وهو أيسر من الحفر والدفن ; ولأن ترك الغسل لو كان للتعذر لأمر أن ييمموا ، كما لو تعذر غسل الميت في زماننا لعدم الماء ، والدليل عليه أنه كما لم تغسل شهداء أحد لم تغسل شهداء بدر ، والخندق ، وخيبر وما ذكر من التعذر لم يكن يومئذ ، ولذا لم يغسل عثمان وكان بالمسلمين قوة فدل أنهم فهموا من ترك الغسل على قتلى أحد غير ما فهم وعمار الحسن .