وصار هذا كما إذا أوصى بعبده لإنسان ، وبخدمته لآخر إن الرقبة تكون للموصى له الأول ، والخدمة للموصى له الثاني ؟ لما قلنا كذا هذا ، وبهذا تبين أن هذا ليس نظير اللفظ العام ، إذا ورد عليه التخصيص ; لأن اللفظ العام يتناول كل فرد من أفراد العموم بحروفه ، فيصير كل فرد من أفراده منصوصا عليه ، وههنا كل جزء من أجزاء الخاتم لا يصير منصوصا عليه بذكر الخاتم . والأصل في الوصايا أن يقدم الأقوى فالأقوى
ألا يرى أن كل جزء من أجزاء الخاتم لا يسمى خاتما كما لا يسمى كل جزء من أجزاء الإنسان إنسانا ، فلم يكن هذا نظير اللفظ العام ، فلا يستقيم قياسه عليه مع ما أن المذهب الصحيح في العام أنه يحتمل التخصيص بدليل متصل ، ومنفصل ، والبيان المتأخر لا يكون نسخا لا محالة بل قد يكون نسخا ، وقد يكون تخصيصا على ما عرف في أصول الفقه على أن الوصية بالخاتم ، وإن تناولت الحلقة ، والفص لكنه لما أوصى بالفص لآخر فقد رجع عن وصيته بالفص للأول ، والوصية عقد غير لازم ما دام الموصي حيا فتحتمل الرجوع .
ألا يرى أنه يحتمل الرجوع عن كل ما أوصى به ففي البعض أولى ، فيجعل رجوعا في الوصية بالفص للموصى له بالخاتم .
وعلى هذا إذا أوصى بهذه الأمة لفلان ، وبما في بطنها لآخر أو أوصى بهذه الدار لفلان ، وببنائها لآخر أو أوصى بهذه القوصرة لفلان ، وبالثمر الذي فيها لآخر إنه إن كان موصولا كان لكل واحد منهما ما أوصى له به بالإجماع ، وإن كان مفصولا ، فعلى الاختلاف الذي ذكرنا ، ولو أوصى بهذا العبد لفلان ، وبخدمته لفلان آخر ، أو أوصى بهذه الدار لفلان ، وبسكناها لآخر ، وبهذه الشجرة لفلان ، وثمرتها لآخر أو بهذه الشاة لفلان ، وبصوفها لآخر - فلكل واحد منهما ما سمى له بلا خلاف سواء كان موصولا أو مفصولا ; لأن اسم العبد لا يتناول الخدمة .
واسم الدار لا يتناول السكنى ، واسم الشجرة لا يتناول الثمرة لا بطريق العموم ، ولا بطريق التضمن ; لأن هذه الأشياء ليست من أجزاء العين إلا أن الحكم متى ثبت في العين ثبت فيها بطريق التبعية لكن إذا لم يفرد التبع بالوصية ، فإذا أفردت صارت مقصودة بالوصية ، فلم تبق تابعة ، فيكون لكل واحد منهما ما أوصى له به أو تجعل الوصية الثابتة رجوعا عن الوصية بالخدمة ، والسكنى ، والثمرة ، والوصية تقبل الرجوع ، وهذه المسائل حجة في المسألة الأولى . أبي يوسف
ولو ابتدأ بالتبع في هذه المسائل ثم بالأصل بأن أوصى بخدمة العبد لفلان ثم بالعبد لآخر أو أوصى بسكنى هذه الدار لإنسان ثم بالدار لآخر ، أو بالثمرة لإنسان ثم بالشجرة لآخر ، فإذا ذكر موصولا - فلكل واحد منهما ما أوصى له به ، وإن ذكر مفصولا - فالأصل للموصى له بالأصل ، والتبع بينهما نصفان ; لأن الوصية الثابتة [ ص: 384 ] تناولت الأصل ، والتبع جميعا ، فقد اجتمع في التبع وصيتان ، فيشتركان فيه ، ويسلم الأصل لصاحب الأصل ، وهذا حجة - رحمه الله تعالى - في المسألة المتقدمة . محمد