( فصل ) :
وأما بيان فنقول - وبالله التوفيق - : الصبي والمجنون لا يدخلان في القسامة في أي موضع وجد القتيل سواء وجد في غير ملكهما أو في ملكهما ; لأن القسامة يمين ، وهما ليسا من أهل من يدخل في القسامة والدية بعد وجوبهما ، ومن لا يدخل في ذلك اليمن ; ولهذا لا يستحلفان في سائر الدعاوى ، ولأن القسامة تجب على من هو من أهل النصرة ، وهما ليسا من أهل النصرة ; فلا تجب القسامة عليهما ، وتجب على عاقلتهما إذا وجد القتيل في ملكهما لتقصيرهم بترك النصرة اللازمة .
وهل يدخلان في الدية مع العاقلة ؟ فإن وجد القتيل في غير ملكهما كالمحلة وملك إنسان لا يدخلان فيها ، وإن وجد في ملكهما يدخلان ; لأن وجود القتيل في ملكهما كمباشرتهما القتل ، وهما مؤاخذان بضمان الأفعال ، وعلى قياس ما ذكره - رحمه الله - لا يدخلان في الدية مع العاقلة أصلا ، لكنه ليس بسديد ; لأن هذا ضمان القتل ، والقتل فعل والصبي والمجنون مؤاخذان بأفعالهما ولا يدخل العبد المحجور والمدبر وأم الولد في القسامة والدية ; لأن هؤلاء لا يستنصر بهم عادة ، وليسوا من أهل ملك المال أيضا ; فلا تلزمهم الدية . الطحاوي
وأما المأذون والمكاتب - فلا يدخلان في قسامة وجبت في قتيل وجد في غير دارهما ، وإن وجد في دارهما أما المأذون - إن لم يكن عليه دين - فلا قسامة عليه ، بل على مولاه وعاقلته - استحسانا ، والقياس أن تجب عليه القسامة ، وإذا حلف يخاطب المولى بالدفع أو الفداء .
( وجه ) القياس : أن العبد من أهل اليمين .
ألا يرى أنه يستحلف في الدعاوى ؟ ووجود القتيل في داره بمنزلة مباشرة القتل خطأ ، وإن قتله خطأ يخير المولى بين الدفع والفداء ، كذا هذا .
وجه الاستحسان : أن فائدة الاستحلاف جريان القسامة لسبب هو النكول ; لأنه لا يقضى بالنكول في هذا الباب بل يحبس حتى يحلف أو يقر ، ولو أقر بالقتل - خطأ - لا يصح إقراره ; لأنه إقرار على مولاه فلم يكن الاستحلاف مفيدا فلا تجب عليه القسامة ، وتجب على المولى ، وعلى عاقلته ; لأن الملك له ، وإن كان عليه دين فينبغي في قياس قول : إنه تجب القسامة على العبد ; لأن المولى لا يملك كسب عبده المأذون المديون عنده ; فلا يملك الدار ، وفي الاستحسان : تجب على المولى ; لأن المولى إن كان لا يملكها فالغرماء لا يملكونها أيضا ، والعبد لا ملك له ، والمولى أقرب الناس إليه ، فكانت القسامة عليه مع ما أن للمولى حقا في الدار ، وهو حق استخلاصها لنفسه بقضاء دين الغرماء ، فكان أولى بإيجاب القسامة ( وأما ) أبي حنيفة فعليه الأقل من قيمته ، ومن الدار ; لأن وجود القتيل في داره كمباشرته القتل فلا يكون على مولاه كما لا يكون عليه في مباشرته . المكاتب إذا وجد قتيلا في داره
وهل تجب عليه القسامة ؟ ذكر القاضي في شرحه مختصر أنه يكرر عليه الأيمان ، فإن حلف يجب عليه الأقل من قيمته ومن الدية إلا قدر عشرة دراهم ; لأن عاقلة المكاتب نفسه ، وتكون القيمة حالة ; لأنها تجب بالمنع من الدفع ، فتكون حالة كما تجب على المولى بجناية المدبر ، ولو كان القتيل مولى المكاتب كان عليه الأقل من قيمته ومن الدية ; لأن وجود القتيل في داره كمباشرته القتل وتكون القيمة حالة لا مؤجلة ; لما قلنا ، ولا تدخل المرأة في القسامة والدية في قتيل يوجد في غير ملكها ; لأن وجوبهما بطريق النصرة وهي ليست من أهلها ، وإن وجد في دارها أو في قرية لها لا يكون بها غيرها - عليها القسامة فتستحلف [ ص: 295 ] ويكرر عليها الأيمان ، وهذا قولهما . الطحاوي
وقال : عليها لا على عاقلتها . أبو يوسف
وجه قوله : أن لزوم القسامة للزوم النصرة ، وهي ليست من أهل النصرة فلا تدخل في القسامة ; ولهذا لم تدخل مع أهل المحلة .
( وجه ) قولهما : أن سبب الوجوب على المالك هو الملك مع أهلية القسامة ، وقد وجد في حقها ، أما الملك فثابت لها .
وأما الأهلية فلأن القسامة يمين ، وأنها من أهل اليمين .
ألا ترى أنها تستحلف في سائر الحقوق ؟ ومعنى النصرة يراعى وجوده في الجملة لا في كل فرد كالمشقة في السفر .
وهل تدخل مع العاقلة في الدية ؟ ذكر ما يدل على أنها لا تدخل فإنه قال : لا يدخل القاتل في التحمل إلا أن يكون ذكرا عاقلا بالغا ، فإذا لم تدخل عند وجود القتل منها عينا فههنا أولى ، وأصحابنا رضي الله عنهم قالوا : إن المرأة تدخل مع العاقلة في الدية في هذه المسألة ، وأنكروا على الطحاوي قوله وقالوا : إن القاتل يدخل في الدية بكل حال ، ويدخل في القسامة والدية الأعمى والمحدود في القذف والكافر ; لأنهم من أهل الاستحلاف والحفظ والله - سبحانه وتعالى - أعلم . الطحاوي