( ومنها ) ، فإن لم يكن ملكا لأحد ولا في يد أحد أصلا فلا قسامة فيه ولا دية ، وإن كان في يد أحد ، يد العموم ، لا يد الخصوص ، وهو أن يكون التصرف فيه لعامة المسلمين لا لواحد منهم ، ولا لجماعة يحصون - لا تجب القسامة ، وتجب الدية وإنما كان كذلك ; لأن القسامة أو الدية إنما تجب بترك الحفظ اللازم على ما نذكر ، فإذا لم يكن ملك أحد ، ولا في يد أحد أصلا لا يلزم أحدا حفظه - فلا تجب القسامة والدية ، وإذا كان في يد العامة فحفظه على العامة لكن لا سبيل إلى إيجاب القسامة على الكل لتعذر الاستيفاء من الكل ، وأمكن إيجاب الدية على الكل ; لإمكان الاستيفاء منهم بالأخذ من بيت المال ; لأن مال بيت المال مالهم ، فكان الأخذ من بيت المال استيفاء منهم ، وعلى هذا يخرج ما إذا : أن يكون الموضع الذي وجد فيه القتيل ملكا لأحد أو في يد أحد أنه لا قسامة فيه ولا دية إذا كان بحيث لا يسمع الصوت من الأمصار ، ولا من قرية من القرى ، فإن كان بحيث يسمع الصوت تجب القسامة على أقرب المواضع إليه ، فإن كان أقرب إلى القرى ، فعلى أقرب القرى ، وإن كان أقرب إلى المصر - فعلى أقرب محال المصر إليه ; لأنه إذا كان بحيث لا يسمع الصوت والغوث لا يلحق ذلك الموضع ، فلم يكن الموضع في يد أحد ، فلم يوجد القتيل في ملك أحد ، ولا في يد أحد أصلا فلا تجب فيه القسامة ، ولا الدية ، وإذا كانت بحيث يسمع الصوت والغوث يلحق ، فكان من توابع أقرب المواضع إليه ، وقد ورد باعتبار القرب حديث عنه عليه الصلاة والسلام وقضى به أيضا سيدنا وجد القتيل في فلاة من الأرض ليس بملك لأحد رضي الله عنه على ما نذكر ، ولو عمر كدجلة والفرات وجد في نهر عظيم وسيحون ونحوها ، فإن كان النهر يجري به فلا قسامة ولا دية ; لأن النهر العظيم ليس ملكا لأحد ولا في يد أحد .
وقال - رحمه الله - : تجب على أقرب القرى من ذلك الموضع كما إذا وجد على الدابة ، وهي تسير ، وليست في يد أحد ، وهذا القياس ليس بسديد ; لأن الموضع الذي تسير فيه الدابة تابع لأقرب المواضع إليه ، فكان في يد أهله بخلاف النهر الكبير فإنه لا يدخل تحت يد أحد لا بالأصالة ولا بالتبعية ، وإن كان النهر لا يجري به ولكنه كان محتسبا في الشط أو مربوطا على الشط أو ملقى على الشط ، فإن كان الشط ملكا فحكمه حكم الأرض المملوكة أو الدار المملوكة ، إذا وجد فيها قتيل ، وسنذكره إن شاء الله - تعالى - ، فإن لم يكن ملكا لأحد فعلى أقرب المواضع إليه من الأمصار والقرى من حيث يسمع الصوت : القسامة والدية ; لأنهم يستقون منه الماء ويوردون دوابهم ; فكان لهم تصرف في الشط ; فكان الشط في أيديهم . زفر
وكذلك لو كان في الجزيرة فعلى أقرب المواضع إلى الجزيرة من الأمصار والقرى من حيث يسمع الصوت : القسامة والدية ; لأن الجزيرة تكون في تصرفهم ، فكانت [ ص: 290 ] في أيديهم ، وإن وجد في نهر صغير مما يقضى فيه بالشفعة للشركاء في الشرب ففيه القسامة والدية على أهل النهر ; لأن النهر مملوك لهم وسواء كان القتيل محتبسا أو مربوطا على الشط أو كان النهر يجري به بخلاف النهر الكبير ; لأنه إذا كان ملكا لأربابه - كان الموضع الذي يجري به مملوكا لهم ، وليس كذلك النهر الكبير ، ولا قسامة في قتيل يوجد في مسجد الجامع ، ولا في شوارع العامة ، ولا في جسور العامة ; لأنه لم يوجد الملك ، ولا يد الخصوص ، وتجب الدية على بيت المال ; لأن تدبير هذه المواضع ومصلحتها إلى العامة فكان حفظها عليهم فإذا قصروا ضمنوا بيت المال مالهم فيؤخذ من بيت المال .
وكذلك لا قسامة في قتيل في سوق العامة ، وهي الأسواق التي ليست بمملوكة ، وهي سوق السلطان ; لأنها إذا لم تكن مملوكة وليس لأحد عليها يد الخصوص كانت كالشوارع العامة ; لأن سوق السلطان لعامة المسلمين فلا تجب القسامة ، وتجب الدية ; لأن حفظها والتدبير فيها إلى جماعة المسلمين فيضمنون بالتقصير ; فبيت المال مال عامة المسلمين ، فيؤخذ منه .
وكذا إذا وجد في مسجد جماعتهم ، ولا قسامة ، والدية في بيت المال ; لأنه لا ملك لأحد فيه ، ولا يد الخصوص ، ويد العموم توجب الدية لا القسامة ; لما بينا ، فإن كان السوق ملكا تجب القسامة والدية لكن على من تجب فيه اختلاف نذكره في موضعه إن شاء الله - تعالى - ولا قسامة في قتيل يوجد في السجن لانعدام الملك ويد الخصوص ; لأنه لا تصرف لأهل السجن في السجن ; لكونهم مقهورين فيه وتجب الدية على بيت المال ; لأن يد العموم ثابتة عليه ، ولأن منفعة السجن لعامة المسلمين ; لأنه بني لاستيفاء حقوقهم ، ودفع الضرر عنهم ، ويد العموم توجب الدية لا القسامة ، وهذا قولهما وقال - رحمه الله - : تجب القسامة والدية على أهل السجن ; لأن لهم ضرب تصرف في السجن فكأن لهم يدا على السجن فعليهم حفظه . أبو يوسف