فإن فجنايته على مولاه إذا ظهرت فيقع الكلام في مواضع في بيان ما تظهر به جنايته ، وفي بيان أصل الواجب ، ومن عليه ، وفي بيان مقدار الواجب ، وفي بيان صفته أما الأول : فجنايته تظهر بما تظهر به جناية القن ، وقد ذكرناه ، ولا تظهر بإقراره حتى لا يلزم المولى شيء ، ولا يتبع المدبر بعد العتاق كجناية القن ; لأن هذا إقرار على المولى فلا يصح . كان مدبرا
( وأما ) بيان أصل الواجب بهذه الجناية فأصل الواجب بها قيمة المدبر على المولى لإجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه روي عن سيدنا ، عمر رضي الله عنهما أنهما قضيا بجناية المدبر على مولاه بمحضر من الصحابة ، ولم ينقل أنه أنكر عليهما أحد منهم ، فيكون إجماعا من الصحابة . وأبي عبيدة بن الجراح
والقياس يترك بمقابلة الإجماع ، ولأن الأصل في جناية العبد هو وجوب الدفع على المولى ، وبالتدبير منع من الدفع من غير اختيار الفداء ، والمنع من الدفع من غير اختيار الفداء يوجب القيمة على المولى كما . لو دبر القن ، وهو لا يعلم الجناية
( وأما ) مقدار الواجب فمقدار الواجب بهذه الجناية الأقل من قيمته ومن الدية ; لأن الدية إن كانت هي الأقل فلا حق لولي الجناية في الزيادة ، وإن كانت القيمة أقل فلم يمنع المولى بالتدبير إلا الرقبة ، فإن كانت قيمته أقل من الدية فعليه قدر قيمته لما كان قنا ، ولا يخير بين قيمته وبين الدية ; لأنه يخير بين الأقل والأكثر ، وأنه خارج عن قضية الحكمة ، وإن كانت قيمته أكثر من الدية أو مثل [ ص: 267 ] الدية فعليه قدر الدية ، وينقص منها عشرة دراهم ; لأن قيمة العبد في الجناية لا تزاد على دية الحر بل ينقص منها عشرة ، وسواء قلت جنايته أو كثرت لا يلزم المولى من جناياته أكثر من قيمة واحدة ; لأن سبب الوجوب هو المنع عند الجناية .
والمنع منع واحد فكان الواجب قيمة واحدة ، ولأن القيمة في جناية المدبر بمنزلة العين في جناية القن قلت جنايته أو كثرت ، ولا يجب شيء آخر مع الدفع ، كذلك ههنا ، وتقسم قيمته بين أولياء الجنايات على قدر جناياتهم ، يستوي فيها الأول والثاني ; لأن القسمة في دفع العين هكذا ، فكذلك قيمة المدبر ، وسواء قبض ما على المولى أو لم يقبض يشتركون فيه فيتضاربون بقدر حقوقهم ، وتعتبر قيمة المدبر لكل واحد منهم يوم الجناية عليه لا يوم التدبير ، وإن كان سبب وجوب الضمان هو المنع ، وهو التدبير السابق لكن إنما يصير ذلك سببا عند وجود شرطه ، وهو الجناية فكأنه أنشأ التدبير عندهما ، وبيان هذه الجملة في مسائل : إذا لم تبطل على المولى القيمة ; لأن حكم جنايته يلزم مولاه فيستوي فيه بقاء المدبر ، وهلاكه بخلاف القن إذا جنى ثم هلك أنه يبطل حكم الجناية أصلا ; لأن حكم جنايته وجوب الدفع ، وبالموت خرج عن احتمال الدفع ، ولو انتقصت قيمته بعد الجناية بأن جنى وقيمته ألف ثم عمي لم يحط عن المولى شيء ، وعليه قيمته تامة ; لأن نقصانه هلاك جزء منه ثم هلاك كله لا يسقط عنه شيئا فكذا هلاك البعض ، ولو قتل إنسانا ثم قتل آخر لا يلزم المولى إلا قيمة واحدة لما قلنا . مات المدبر بعد الجناية
وكذلك لو لم يلزمه إلا قيمة واحدة ; لأن سبب وجوب الضمان هو المنع ، وأنه متحد ، فكان وجود الإعتاق ، وعدمه بمنزلة واحدة ، ولو قتل إنسانا خطأ ثم قتل آخر خطأ ثم دفع المولى القيمة إلى ولي القتيل الأول فالدفع لا يخلو إما أن كان بقضاء القاضي ، أو بغير قضاء القاضي ، فإن كان بقضاء القاضي فلا سبيل لولي القتيل الثاني على المولى ; لأنه كان مجبورا على الدفع ، والمجبور معذور ، وله أن يتبع ولي القتيل الأول بنصف القيمة ; لأنه قبض نصف القيمة بغير حق ، وإن كانت الجنايتان مختلفتين بإن كانت إحداهما نفسا ، والأخرى ما دون النفس فالثاني يتبع الأول بقدر حصته من القيمة ، وإن كان الدفع بغير قضاء القاضي فولي القتيل الثاني بالخيار : إن شاء ضمن المولى نصف القيمة ، وإن شاء ضمن ولي القتيل الأول لوجود سبب وجوب الضمان من كل واحد منهما ; لأن المولى متعد في دفع العبد ، والقابض متعد في قبضه ، فإن ضمن المولى فإنه يرجع على القابض ، وإن ضمن القابض لا يرجع على المولى . جنى جنايات ثم أعتقه المولى