( وأما ) بلا خلاف ، فتجوز تصرفاتها في مالها بالإجماع ; لأنها لا تقتل ، فلم تكن ردتها سببا لزوال ملكها عن أموالها بلا خلاف ، فتجوز تصرفاتها ، وإذا عرف حكم ملك المرتد وحال تصرفاته المبنية عليه ، فحال المرتد لا يخلو من أن يسلم ، أو يموت ، أو يقتل ، أو يلحق بدار الحرب المرتدة فلا يزول ملكها عن أموالها فقد عاد على حكم ملكه القديم ; لأن الردة ارتفعت من الأصل حكما ، وجعلت كأن لم تكن أصلا ، فإن أسلم صار ماله لورثته ، وعتق أمهات أولاده ومدبروه ومكاتبوه إذا أدى إلى ورثته ، وتحل الديون التي عليه وتقضى عنه ; لأن هذه أحكام الموت ، وكذلك إذا لحق بدار الحرب مرتدا ، وقضى القاضي بلحاقه ; لأن اللحاق بدار الحرب بمنزلة الموت في حق زوال ملكه عن أمواله المتروكة في دار الإسلام ; لأن زوال الملك عن المال بالموت حقيقة لكونه مالا فاضلا عن حاجته لانتهاء حاجته بالموت وعجزه عن الانتفاع به . وإن مات أو قتل
وقد وجد هذا المعنى في اللحاق ; لأن المال الذي في دار الإسلام خرج من أن يكون منتفعا به في حقه ، لعجزه عن الانتفاع به ، فكان في حكم المال الفاضل عن حاجته لعجزه عن قضاء حاجته به ، فكان اللحاق بمنزلة الموت في كونه مزيلا للملك ، فإذا قضى القاضي باللحاق ، يحكم بعتق أمهات أولاده ومدبريه ، ويقسم ماله بين ورثته ، وتحل ديونه المؤجلة ; لأن هذه أحكام متعلقة بالموت ، وقد وجد معنى .
وأما المكاتب فيؤدي إلى ورثته فيعتق ، وإذا عتق فولاؤه للمرتد ; لأنه المعتق ، ولو لحق بدار الحرب ثم عاد إلى دار الإسلام مسلما فهذا لا يخلو من أحد وجهين ، أحدهما : أن يعود قبل قضاء القاضي بلحاقه بدار الحرب ، والثاني : أن يعود بعد ذلك .
فإن عاد قبل أن يقضي القاضي بلحاقه عاد على حكم أملاكه في المدبرين وأمهات الأولاد وغير ذلك ; لما ذكرنا أن هذه الأحكام متعلقة بالموت ، واللحوق بدار الحرب ليس بموت حقيقة لكنه يلحق بالموت إذا اتصل به قضاء القاضي باللحاق ، فإذا لم يتصل به لم يلحق ، فإذا عاد يعود على حكم ملكه ، وإن عاد بعد ما قضى القاضي باللحاق فما وجد من ماله في يد ورثته بحاله فهو أحق به ; لأن ولده جعل خلفا له في ماله ، فكان تصرفه في ماله بطريق الخلافة له كأنه وكيله ، فله أن يأخذ ما وجده قائما على حاله .
وما زال ملك الوارث عنه بالبيع ، أو بالعتق ، فلا رجوع فيه لأن تصرف الخلف كتصرف الأصل ، بمنزلة تصرف الوكيل وأما ما أعتق الحاكم من أمهات أولاده ومدبريه فلا سبيل عليهم ، لأن الإعتاق مما لا يحتمل الفسخ ، وكذا المكاتب إذا كان أدى المال إلى الورثة ، لا سبيل عليه أيضا ; لأن المكاتب عتق بأداء المال ، والعتق لا يحتمل الفسخ ، وما أدي إلى الورثة إن كان قائما أخذ وإن زال ملكهم عنه لا يجب عليهم ضمانه كسائر أمواله لما بينا ، وإن كان لم يؤد بدل الكتابة بعد ، يؤخذ بدل الكتابة .
وإن عجز عاد رقيقا له ولو رجع كافرا إلى دار الإسلام ، وأخذ طائفة من ماله وأدخلها إلى دار الحرب ثم ظهر المسلمون عليه ، فإن رجع بعد ما قضي بلحاقه فالورثة أحق به ، وإن وجدته قبل القسمة أخذته مجانا بلا عوض ، وإن وجدته بعد القسمة أخذته بالقيمة في ذوات القيم ; لأنه إذا لحق وقضي بلحاقه فقد زال ملكه إلى الورثة ، فهذا مال مسلم استولى عليه الكافر وأحرزه بدار الحرب ، ثم ظهر المسلمون على الدار فوجده المالك القديم فالحكم فيه ما ذكرنا وإن رجع قبل الحكم باللحاق ، ففيه روايتان في رواية هذا ، ورجوعه بعد الحكم باللحاق سواء ، وفي رواية أنه يكون فيئا لا حق للورثة فيه أصلا والله - سبحانه وتعالى - أعلم .