وأما الذي يرجع إلى ماله فثلاثة أنواع وحكم الميراث ، وحكم الدين أما الأول فنقول : لا خلاف في أنه إذا أسلم تكون أمواله على حكم ملكه ولا خلاف أيضا في أنه إذا مات أو قتل أو لحق بدار الحرب تزول أمواله عن ملكه واختلف في أنه تزول بهذه الأسباب مقصورا على الحال ، أم بالردة من حين وجودها على التوقف ، فعند حكم الملك أبي يوسف - رحمهما الله - ملك المرتد لا يزول عن ماله بالردة ، وإنما يزول بالموت أو القتل أو باللحاق بدار الحرب . ومحمد
وعند رضي الله عنه الملك في أمواله موقوف على ما يظهر من حاله وعلى هذا الأصل بني حكم تصرفات المرتد أنها جائزة عندهما كما تجوز من المسلم ، حتى لو أعتق أو دبر أو كاتب أو باع أو اشترى أو وهب نفذ ذلك كله ، وعقدة تصرفاته موقوفة لوقوف أملاكه ، فإن أسلم جاز كله ، وإن مات أو قتل أو لحق بدار الحرب بطل كله . أبي حنيفة
( وجه ) قولهما أن الملك كان ثابتا له حالة الإسلام لوجود سبب الملك وأهليته وهي الحرية والردة لا تؤثر في شيء من ذلك ثم اختلفا فيما بينهما في كيفية الجواز ، فقال - رحمه الله : جوازها جواز تصرف الصحيح وقال أبو يوسف - رحمه الله : جواز تصرفات المريض مرض الموت . محمد
( وجه ) قول - رحمه الله أن المرتد على شرف التلف ; لأنه يقتل ، فأشبه المريض مرض الموت وجه قول محمد أن اختيار الإسلام بيده ، فيمكنه الرجوع إلى الإسلام فيخلص عن القتل ، والمريض لا يمكنه دفع المرض عن نفسه ، فأنى يتشابهان . أبي يوسف
( وجه ) قول - رحمه الله - أنه وجد سبب زوال الملك وهو الردة ; لأنها سبب لوجوب القتل . أبي حنيفة
والقتل سبب لحصول الموت ، فكان زوال الملك عند الموت مضافا إلى السبب السابق ، وهو الردة ، ولا يمكنه اللحاق بدار الحرب بأمواله ; لأنه لا يمكن من ذلك بل يقتل ، فيبقى ماله فاضلا عن حاجته ، فكان ينبغي أن يحكم بزوال ملكه للحال ، إلا أنا توقفنا فيه لاحتمال العود إلى الإسلام ; لأنه إذا عاد ترتفع الردة من الأصل ، ويجعل كأن لم يكن ، فكان التوقف في الزوال للحال لاشتباه العاقبة ، فإن أسلم تبين أن الردة لم تكن سببا لزوال الملك لارتفاعها من الأصل ، فتبين أن تصرفه صادف محله فيصح ، وإن قتل أو مات أو لحق بدار الحرب تبين أنها وقعت سببا للزوال من حين وجودها ، فتبين أن الملك كان زائلا من حين وجود الردة ; لأن الحكم لا يتخلف عن سببه ، فلم يصادف التصرف محله فبطل .
فأما قبل ذلك كان ملكه موقوفا فكانت تصرفاته المبنية عليه موقوفة ضرورة وأجمعوا على أنه يصح استيلاده حتى إنه لو استولد أمته فادعى ولدها ، إنه يثبت [ ص: 137 ] النسب ، وتصير الجارية أم ولد له أما عندهما فلأن المحل مملوك له ملكا تاما .
( وأما ) عند - رحمه الله - فلأن الملك الموقوف لا يكون أدنى حالا من حق الملك ، ثم حق الملك يكفي لصحة الاستيلاد ، فهذا أولى ، وأجمعوا على أنه يصح طلاقه ، وتسليمه الشفعة ; لأن الردة لا تؤثر في ملك النكاح ، والثابت للشفيع حق لا يحتمل الإرث ، ومعاوضته موقوفة بالإجماع ; لأنها مبنية على المساواة . أبي حنيفة