( وأما ) شرائط الركن فأنواع ( منها ) فإنه لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف لقوله تعالى { أن لا يكون المعاهد من مشركي العرب ، فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } إلى قوله تعالى { فخلوا سبيلهم } أمر - سبحانه وتعالى - بقتل المشركين ، ولم يأمر بتخلية سبيلهم إلا عند توبتهم ، وهي الإسلام ويجوز لقول الله - تبارك وتعالى - { عقد الذمة مع أهل الكتاب ; قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } إلى قوله تعالى { من الذين أوتوا الكتاب } الآية وسواء كانوا من العرب ، أو من العجم ; لعموم النص ويجوز مع المجوس ; لأنهم ملحقون بأهل الكتاب في حق الجزية لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في المجوس { } وكذلك فعل سيدنا سنوا بهم سنة أهل الكتاب رضي الله عنه بسواد عمر العراق وضرب الجزية على جماجمهم ، والخراج على أراضيهم .
ثم وجه الفرق بين مشركي العرب وغيرهم من أهل الكتاب ، ومشركي [ ص: 111 ] العجم أن أهل الكتاب إنما تركوا بالذمة وقبول الجزية لا لرغبة فيما يؤخذ منهم ، أو طمع في ذلك ، بل للدعوة إلى الإسلام ليخالطوا المسلمين ، فيتأملوا في محاسن الإسلام وشرائعه ، وينظروا فيها فيروها مؤسسة على ما تحتمله العقول ، وتقبله ، فيدعوهم ذلك إلى الإسلام ، فيرغبون فيه ، فكان عقد الذمة لرجاء الإسلام .
وهذا المعنى لا يحصل بعقد الذمة مع مشركي العرب ; لأنهم أهل تقليد وعادة ، لا يعرفون سوى العادة وتقليد الآباء ، بل يعدون ما سوى ذلك سخرية وجنونا ، فلا يشتغلون بالتأمل والنظر في محاسن الشريعة ليقفوا عليها فيدعوهم إلى الإسلام فتعين السيف داعيا لهم إلى الإسلام ، ولهذا لم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الجزية ، ومشركو العجم ملحقون بأهل الكتاب في هذا الحكم بالنص الذي روينا .