( وأما ) فهو المسمى بعقد الذمة ، والكلام فيه في مواضع : في بيان ركن العقد ، وفي بيان شرائط الركن ، وفي بيان حكم العقد ، وفي بيان صفة العقد ، وفي بيان ما يؤخذ به أهل الذمة ، وما يتعرض له وما لا يتعرض له . الأمان المؤبد
( أما ) فهو نوعان : نص ، ودلالة . ركن العقد
( أما ) النص فهو لفظ يدل عليه ، وهو لفظ العهد والعقد على وجه مخصوص .
( وأما ) الدلالة فهي فعل يدل على قبول الجزية نحو أن يدخل حربي في دار الإسلام بأمان ، فإن أقام بها سنة بعد ما تقدم إليه في أن يخرج أو يكون ذميا ، والأصل أن على حسب ما يقتضي رأيه ويقول له : إن جاوزت المدة جعلتك من أهل الذمة فإذا جاوزها صار ذميا ; لأنه لما قال له ذلك فلم يخرج حتى مضت المدة ، فقد رضي بصيرورته ذميا ، فإذا أقام سنة من يوم قال له الإمام ، أخذ منه الجزية ولا يتركه يرجع إلى وطنه قبل ذلك . الحربي إذا دخل دار الإسلام بأمان ، ينبغي للإمام أن يتقدم إليه ، فيضرب له مدة معلومة
وإن خرج بعد تمام السنة فلا سبيل عليه ، ولو قال الإمام عند الدخول : ادخل ولا تمكث سنة فمكث سنة ، صار ذميا ، ولا يمكن من الرجوع إلى وطنه لما قلنا ، ولو اشترى المستأمن أرضا خراجية ، فإذا وضع عليه الخراج صار ذميا ; لأن وظيفة الخراج يختص بالمقام في دار الإسلام ، فإذا قبلها فقد رضي بكونه من أهل دار الإسلام ، فيصير ذميا ، ولو باعها قبل أن يجبي خراجها ، لا يصير ذميا ; لأن دليل قبول الذمة ، وجوب الخراج لا نفس الشراء فما لم يوضع عليه الخراج لا يصير ذميا ، ولو استأجر أرضا خراجية فزرعها لم يصر ذميا ; لأن الخراج على الآجر دون المستأجر ، فلا يدل على التزام الذمة إلا إذا كان خراجا مقاسمة ، فإذا أخرجت الأرض وأخذ الإمام الخراج من الخارج وضع عليه الجزية ، وجعله ذميا .
ولو اشترى المستأمن أرض المقاسمة ، وأجرها من رجل من المسلمين ، فأخذ الإمام الخراج من ذلك لا يصير المستأمن ذميا لما بينا أن نفس الشراء لا يدل على الالتزام ، بل دليل الالتزام هو وجوب الخراج عليه ، ولم يجب ولو اشترى الحربي المستأمن أرض خراج فزرعها ، فأخرجت زرعا ، فأصاب الزرع آفة ، إنه لا يصير ذميا ; لأنه إذا أصاب الزرع آفة لم يجب الخراج ، فصار كأنه لم يزرعها فبقي نفس الشراء ، وإنه لا يصلح دليل قبول الذمة ولو وجب على المستأمن الخراج في أقل من سنة منذ يوم ملكها ، صار ذميا حين وجوب الخراج ، ويؤخذ منه خراج رأسه بعد سنة مستقبلة ; لأنه بوجوب خراج الأرض صار ذميا كان عقد الذمة نصا ، فيعتبر ابتداء العقد من حين وجوب الخراج ، فيؤخذ خراج الرأس بعد تمام السنة من ذلك الوقت ولو ، صارت ذمية ولو تزوجت الحربية المستأمنة في دار الإسلام ذميا لم يصر ذميا . تزوج الحربي المستأمن في دار الإسلام ذمية
( ووجه ) الفرق أن المرأة تابعة لزوجها ، فإذا تزوجت بذمي فقد رضيت بالمقام في دارنا ، فصارت ذمية تبعا لزوجها فأما الزوج فليس بتابع للمرأة ، فلا يكون تزوجه إياها دليل الرضا بالمقام في دارنا ، فلا يصير ذميا والله - تعالى - أعلم .