هذا إذا فأما إذا استنزلوهم عن الحكم فهذا على وجهين . حاصر الغزاة مدينة أو حصنا من حصون الكفرة ، فجاءوا فاستأمنوهم ،
( إما ) أن استنزلوهم على حكم الله - سبحانه وتعالى ، وإما أن استنزلوهم على حكم العباد ، بأن استنزلوهم على حكم رجل فإن استنزلوهم على حكم الله - سبحانه وتعالى - جاز إنزالهم عليه عند . أبي يوسف
والخيار إلى الإمام إن شاء قتل مقاتلتهم وسبى نساءهم وذراريهم ، وإن شاء سبى الكل ، وإن شاء جعلهم ذمة مقاتلتهم وعند لا يجوز الإنزال على حكم الله - تعالى - فلا يجوز قتلهم واسترقاقهم ، ولكنهم يدعون إلى الإسلام ، فإن أبوا جعلوا ذمة واحتج محمد بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في وصايا الأمراء عند بعث الجيش { محمد } نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإنزال على حكم الله - تعالى - ونبه عليه الصلاة والسلام على المعنى ، وهو أن حكم الله - سبحانه وتعالى - غير معلوم ، فكان الإنزال على حكم الله - تعالى - من الإمام قضاء بالمجهول ، وإنه لا يصح . : وإذا حاصرتم مدينة أو حصنا ، فإن أرادوا أن تنزلوهم على حكم الله - عز وجل - فإنكم لا تدرون ما حكم الله - تعالى - فيهم
وإذا لم يصح الإنزال على حكم الله - سبحانه وتعالى - فيدعون إلى الإسلام ، فإن أجابوا فهم أحرار مسلمون لا سبيل على أنفسهم وأموالهم ، وإن أبوا لا يقتلهم الإمام ولا يسترقهم ، ولكن يجعلهم ذمة ، فإن طلبوا من الإمام أن يبلغهم مأمنهم لم يجبهم إليه ; لأنه لو ردهم إلى مأمنهم لصاروا حربا لنا .
( وجه ) قول أن الاستنزال على حكم الله - عز وجل - هو الاستنزال على الحكم المشروع للمسلمين في حق الكفرة والقتل والسبي وعقد الذمة كل ذلك حكم مشروع في حقهم ، فجاز الإنزال عليه قوله : إن ذلك مجهول لا يدري المنزل عليه ، أي حكم هو ؟ . أبي يوسف
قلنا : نعم لكن يمكن الوصول إليه والعلم به ; لوجود سبب العلم ، وهو الاختيار وهذا لا يكفي لجواز الإنزال عليه ، كما قلنا في الكفارات : إن الواجب أحد الأشياء الثلاثة ، وذلك غير معلوم ، ثم لم يمنع ذلك وقوع تعلق التكليف به ; لوجود سبب العلم به ، وهو اختيار الكفر المكلف ، كذا هذا يدل عليه أنه يجوز الإنزال على حكم العباد بالإجماع على حكم العباد إنزال على حكم الله - تعالى - حقيقة ، إذ العبد لا يملك إنشاء الحكم من نفسه قال الله - تعالى - { ولا يشرك في حكمه أحدا } وقال - تبارك وتعالى - { إن الحكم إلا لله } ولكنه يظهر حكم الله - عز وجل - المشروع في الحادثة ، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه { لسعد بن معاذ لقد حكمت [ ص: 108 ] بحكم الله - تعالى - من فوق سبعة أرقعة } .
( وأما ) الحديث فيحتمل أنه مصروف إلى زمان جواز ورود النسخ ، وهو حال حياة النبي ; عليه الصلاة والسلام لانعدام استقرار الأحكام الشرعية في حياته عليه الصلاة والسلام لئلا يكون الإنزال على الحكم المنسوخ عسى ; لاحتمال النسخ فيما بين ذلك وقد انعدم هذا المعنى بعد وفاته ; عليه الصلاة والسلام لخروج الأحكام عن احتمال النسخ بوفاته .
صلى الله عليه وسلم وإذا جاز الإنزال على حكم الله سبحانه وتعالى عند ، فالخيار فيه إلى الإمام ، فأيما كان أفضل للمسلمين من القتل والسبي والذمة فعل ; لأن كل ذلك حكم الله - سبحانه وتعالى - المشروع للمسلمين في حق الكفرة فإن أسلموا قبل الاختيار ، فهم أحرار مسلمون ، لا سبيل لأحد عليهم وعلى أموالهم ، والأرض لهم ، وهي عشرية وكذلك إذا جعلهم ذمة فهم أحرار ، ويضع على أراضيهم الخراج فإن أسلموا قبل توظيف الخراج صارت عشرية ، هذا إذا كان الإنزال على حكم الله - سبحانه وتعالى . أبي يوسف